يوميات الاخبار

تغير المناخ.. يهدد مصر والعالم

محمد بركات
محمد بركات

اجماع شامل من العلماء والباحثين على خطورة المتغيرات المناخية، وتهديدها الجسيم لحياة جموع البشر وكل سكان الكرة الأرضية.

 بعد الذى جرى وحدث فى مؤتمر جلاسجو للمناخ فى اسكوتلندا، على مرأى ومسمع منا وكل سكان العالم شرقه وغربه، غنيه وفقيره،..، نخطئ كثيرا إذا لم ننتبه إلى الخطر المتربص بنا الآن، وفى كل مكان من كوكب الأرض نقيم فيه، أو نحتمى به أو حتى نتطلع للجوء إليه، أملا فى إمكانية النجاة أو تطلعا للهرب من الهلاك الذى ينتظرنا جميعا، نحن وكل البشر من سكان ذلك الكوكب البائس المسمى بالأرض، الذى أوشك أن يفقد صلاحيته للحياة البشرية تحت وقع التغيرات المناخية الحادة التى تجتاح الكوكب كله.


وعدم الصلاحية التى أصبح مهددًا بها الكوكب البائس، تعود فى أساسها إلى الكم الهائل من الملوثات والسموم، التى يضخها البشر فى كل يوم بل فى كل ساعة على هذا الكوكب المنكوب بالسلوكيات المعوجة لسكانه أو غالبيتهم على الأقل. وفى ذلك أحسب أنه من الضرورى أن أبادر بالقول بأننى لا أهدف من ذكر ذلك إلى إثارة الفزع وبث الرعب فى نفوس الناس،..، بل هدفى هو التنبيه ودق ناقوس الخطر، والإشارة الواضحة إلى ضرورة الإلتفات لما تقول به التوقعات والأبحاث العلمية المستندة إلى دراسات للواقع،..، والتى هى للأسف لا تبعث على الإطمئنان، ولا تساعد على تهدئة الخواطر أو راحة البال،..، بل على عكس ذلك هى فى أغلبها ـ إن لم يكن جميعها ـ تبعث على القلق الشديد، وليس مجرد القلق العادى.
وتوقعات العلماء التى نقصدها هنا هى تلك المتعلقة بمستقبل الأرض التى نحيا عليها الآن، فى ظل المتغيرات الجسيمة التى طرأت على المناخ والأخطار التى تحيط بالحياة البشرية نتيجة ذلك.
تحذير بريطانى
وفى ذلك تجب الإشارة إلى أن توقعات العلماء الخاصة بمستقبل الأرض، فى ظل المتغيرات الجسيمة والحادة التى طرأت مؤخرا، تؤكد وجود هذا الخطر،..، وأن هناك شواهد عديدة ودلائل كثيرة على ذلك، يأتى فى مقدمتها ذلك التغير الحاد والانقلاب اللافت والمروع فى الطقس فى منطقتنا والعالم، وهو ما ظهر مؤخرا خلال الموجات شديدة الحرارة وشديدة البرودة، التى هاجمتنا على غير المألوف وغير المعتاد فى أوقات غير متوقعة وخارجة عن السياق المعتاد لفصول السنة.


وفى ذات السياق كانت هناك متغيرات جسيمة، طرأت على الطقس والمناخ فى منطقتنا وبقية العالم، سواء بالنسبة للأمطار والفيضانات والحرائق والاحترار والتصحر وغيرها، مما فسره العلماء والخبراء بتغير جسيم وحاد حدث للمناخ فى الكرة الأرضية عموما، وأكدوا وجود خطر كبير يحيط بعموم وجموع البشر سكان الكرة الأرضية نتيجة لذلك.
وما يجب أن يشد انتباهنا بقوة هو ما أكده هؤلاء العلماء والخبراء، بأن الخطر الأكبر والأعظم يتركز فى منطقة الشمال الأفريقى، وقارة أفريقيا والشرق الأوسط الذى نحن فيه، وحوض البحر المتوسط،...، وأن القضية الأخطر ليست مجرد ارتفاع درجات الحرارة، بل إن هناك ما هو أكثر خطرا وهو الارتفاع المتوقع لمنسوب المياه فى البحار والمحيطات، وهو ما يهدد مناطق عديدة بالغرق تحت مياه المحيطات والبحار، ومنها للأسف منطقتنا.


وفى هذا يجب أن نتوقف أمام التحذير الذى أطلقه رئيس الوزراء البريطانى «بوريس جونسون»، خلال مؤتمر جلاسجو لقمة المناخ، والذى ذكر فيه توقع العلماء والباحثين، غرق مدينة «الإسكندرية» المصرية ومدينة «ميامى» الأمريكية «وشنغهاى» الصينية، إذا ما استمرت درجة حرارة الأرض فى الارتفاع متجاوزة أربع «٤» درجات، وذلك نظرا لانخفاض الأرض فى هذه المناطق، مما يهددها بالغرق إذا ما ارتفع مستوى المياه فى البحار.


توقعات العلماء
وفى إطار الرؤية العلمية وما تقول به الدراسات التى خرجت إلى الضوء مؤخرا فى هذا المجال، تجدر الإشارة إلى ما وصلت إليه دراسات علماء وخبراء البيئة وشئون المناخ والمتغيرات الجوية والتصحر، وأيضا علماء البحار والزراعة والرى والمياه، ورؤيتهم لهذه المتغيرات المناخية، التى طرأت على الكرة الأرضية فى السنوات الأخيرة، وما صاحبها من تأثير جسيم على الأمطار والتصحر والحرارة والبرودة والمياه والبحار والبشر أيضا.


ومن اللافت أن على رأس هذه التأثيرات ظاهرة التصحر، وندرة أو شح الأمطار وامتناعها عن السقوط فى أماكن كثيرة كانت تسقط بها من قبل، مما أدى إلى دخول هذه المناطق فى حزام التصحر، وخاصة فى أفريقيا شمالا وجنوبا ووسطا.
وهنا لابد من التركيز على رؤية العلماء، بأن الأسباب وراء هذه الظاهرة الخطرة، تعود أساسا إلى ظاهرة التلوث والاحتباس الحرارى، التى أصابت الأرض خلال السنوات الماضية،..، ويؤكد العلماء على أن ذلك قد أدى بالفعل، إلى ما تم رصده من ارتفاع وزيادة ملحوظة فى ذوبان الجليد فى المحيطات المتجمدة، فى القطبين الشمالى والجنوبى، وهو ما أدى إلى ارتفاع نسبى فى منسوب المياه فى المحيطات والبحار.
ويرى العلماء أن ذلك يهدد بكارثة عالمية، نظرا لما يعنيه ذلك من غرق مساحات هائلة من الأرض، واختفاء أجزاء عديدة من دول كثيرة، وقد تصل إلى اختفاء دول بكاملها تحت سطح المياه فى المحيطات والبحار.


ويقول العلماء إن هذا الخطر أو الغرق أصبح قائما بالفعل على أرض الواقع، وأنه أصبح يهدد بالفعل مناطق كثيرة بالعالم، وطبقا لأحدث الدراسات التى صدرت عن وكالة «ناسا» الأمريكية ومركز «ويلسون» بواشنطن، فإن أكثر المناطق تعرضا لخطر الغرق تحت ماء البحار ستكون فى شمال أفريقيا والشرق الأوسط،..، ومن بينها للأسف السواحل المصرية ومنطقة الدلتا.
ويؤكدون أن منطقة الدلتا والساحل الشمالى والإسكندرية من المناطق المهددة بالغرق تحت المياه، وأن ذلك سيكون بالتدريج ولكنه خطر متوقع وقائم بالفعل خلال السنوات القادمة، إذا لم تتم مواجهة فاعلة وحاسمة لهذا الخطر.


الخطر قائم
وفى ظل هذا الخطر الذى أصبح قائما ومتوقعا بالفعل خلال السنوات القادمة، إذا ما ظلت الممارسات المعوجة للبشر على ما هى عليه، واستمرت درجة التلوث البيئى والاحتباس الحرارى على حالتها الآن،..، فإن الوضع سيكون بالغ الخطر بالنسبة للعالم على وجه العموم، وبالنسبة إلينا فى منطقة الشمال الأفريقى وحوض المتوسط والشرق الأوسط،..، وهو ما لا يجب السكوت عليه والانتظار حتى يقع.
وفى هذا لا يمكننا أن نتجاهل على الإطلاق، أو نغض الطرف بأى حال من الأحوال، عن الحقيقة المؤكدة التى يعلمها القاصى والدانى من سكان هذا الكوكب البائس الذى هو الأرض التى نحيا عليها، والتى تقول بل تجزم بمسئولية الدول الصناعية الكبرى عن المأساة التى تعيشها الأرض الآن، من تلوث يكاد أن يفتك بها ويدمرها تدميرا.
وذلك نتيجة ما كانت ومازالت تقوم به هذه الدول، من استخدام دائم لحرق الفحم والبترول والمواد الكربونية الملوثة والمدمرة للبيئة، طوال ما يزيد على قرنين من الزمان، وعلى رأس هذه الدول الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية وروسيا والدول الاسكندنافية، ثم أضيفت لها الآن الصين والهند والبرازيل، وأستراليا واليابان، وما تضمه مجموعة الدول العشرين، والتى تتحمل بالفعل الوزر الأكبر والنسبة العظمى من تلويث البيئة فى الكوكب كله، والتى تزيد عن ٨٠٪ من الملوثات لكوكب الأرض.


وهذه المسئولية يجب أن تتحلمها الدول الكبرى والغنية، التى تقوم حتى الآن، بإحراق تريليونات الأطنان من الفحم والمحروقات الكربونية، وتضخ نسبة هائلة من الميثان وغاز ثانى وأول أكسيد الكربون فى جو الكوكب، مما أدى ويؤدى إلى زيادة الاحتباس الحرارى وتلوث المناخ ورفع درجة حرارة الأرض، وزيادة ذوبان الجليد فى المحيطات المتجمدة فى القطبين الشمالى والجنوبى، وارتفاع منسوب المياه فى البحار والمحيطات.


مجرد وعود
وهنا يجب أن نشير بوضوح إلى أن اجتماع قمة المناخ فى باريس فى ٢٠١٥ كان قد أسفر عن وعود مهمة بمواجهة حاسمة من جانب هذه الدول الكبرى، والتى هى مسئولة عما حدث فى الأرض من تلوث وما يتعرض له العالم اليوم من أخطار المتغيرات والتحولات الحادة فى المناخ،..، ولكن للأسف ما أن انتهى مؤتمر باريس للمناخ حتى نسيت الدول الصناعية الكبرى ما تم التعهد به ولم نفعل شيئا.
ولعل أهم وأبرز ما كانت قد تعهدت به هو وعدها برصد مبلغ مائة مليار دولار، لمساعدة الدول النامية والأفريقية على وجه الخصوص لمواجهة الأخطار والتهديدات الناتجة عن تغير المناخ،..، وهو ما لم يتم تنفيذه أو الوفاء به.


كما كان هناك تعهد من هذه الدول بالعمل الجاد والفورى على خفض الانبعاثات الكربونية،..، ولكنها لم تفعل حتى الآن.
وهو ما دفع مصر فى كلمتها الرئيسية بالمؤتمر للقمة السادسة والعشرين للمناخ فى جلاسجو، للمطالبة بوفاء هذه الدول بوعودها، وأن تتحمل مسئوليتها تجاه المجتمع الدولى بصفة عامة والدول النامية على وجه الخصوص،..، فهل تفعل ذلك؟!