العنف يتسلل إلى مجتمعنا المسالم ..!!

حالات قتل فى وضح النهار والجمهور «متفرج» يوثق بالموبايل!

صورة أرشيفية للعنف داخل المدارس
صورة أرشيفية للعنف داخل المدارس

الخبراء: مسئولية مجتمعية مشتركة والدراما فى قفص الاتهام

ما يقدم على الشاشات يحرض على العنف ولا يعكس صورة المجتمع الحقيقية

نعانى من تراجع ثقافى ودينى وغياب لدور الأسرة

«جريمة قتل ضد مجهول».. جملة لم نعد نسمع بها كثيرا، بعد أن تحول العنف والقتل من فعل شائن يستدعى التستر، إلى أمر طبيعى يحدث على مرأى ومسمع من الجميع وفى وضح النهار.
 تحول كبير حدث داخل مجتمعنا أدى لانتشار العنف بشكل مبالغ فيه بدءا من أطفال المدارس إلى الجامعات وحتى داخل المنازل، وأخيرا فى وسط الطرقات العامة، حتى أصبح مشهد الدماء أمرا مسلما به لا يستعدى الدهشة أو التدخل السريع من المواطنين.

 

 وانطلاقا من أن كل ما سبق هو أمر غير طبيعى خاصة فى ظل القيم والمبادئ التى اعتاد المصريون التمسك بها، فكان لابد للأخبار أن تفتح حوارا حول هذا الأمر لعلنا نستطيع الوصول إلى رؤية تفسر لنا «كيف وصل المصريون لهذه المرحلة؟».


 شهور قليلة لم يمر بها أسبوع حتى نستيقظ على حادثة مفجعة بطلها «العنف»، ولم تكن هذه الحوادث مجرد «مشاجرات عنيفة» بل هى حالات فردية استخدم العنف بها بقصد وعلى مرأى من الجميع.
 وكانت الصدمة الكبرى وصول العنف إلى طلاب المدارس الابتدائية، ففى مدينة السادس من أكتوبر أنهى طفل بالصف السادس الابتدائى حياة زميله بعد ضربه بعنف فى عنقه ليتوفى فى الحال، وبعدها بأيام يذبح 3 طلاب زميلهم طالب الثانوية بعنق زجاجة أمام المواطنين والمارة الذين وقفوا ليصوروا ويوثقوا الحادث بهواتفهم.


 أما الفاجعة الكبرى فكانت ذبحا فى محافظة الإسماعيلية، بعد أن ذبح شاب فى وضح النهار رجلا أربعينيا ووقف ليفصل رأسه عن جسده ويسير بها وسط الطرقات، مهددا بسلاحه الأبيض كل من يحاول الاقتراب منه حتى تمكن الأهالى فى نهاية الأمر من القبض عليه.


 وكل هذه الحوادث برغم اختلاف أماكنها وملابساتها إلا أن العنف الواضح أن العامل المشترك بينها، لذا فقد تواصلنا مع عدد من الخبراء ليفسروا لنا أسباب انتشار هذا الأمر، ومن جانبها أكدت د. سامية خضر، أستاذ علم الاجتماع كلية التربية جامعة عين شمس، أن انتشار العنف فى المجتمع له أساس يبدأ من الأسرة وتكوينها، والتى تلعب فى حد ذاتها دورا كبيرا فى رسم شخصية الفرد خاصة ممن ينتهجون العنف، فالعنف المنزلى ينعكس على التعامل الخارجى، فمن اعتاد أن يرى والده يلجأ للعنف لحل كافة المشكلات سينتهج نفس الأسلوب مع الآخرين.

جيل سوى


 أضافت د. سامية أن انشغال الأبوين ـ خاصة الأم ـ من أبرز أسباب انتشار العنف فى المجتمع بداية من الأطفال وحتى المراهقين إلى أن يصبحوا رجالا، موضحة أنه بالرغم من حاجة المرأة للعمل والنجاح والتقدم فى المجالات المختلفة إلا أن هناك أولويات لا يمكن أن تتبدل وعلى رأسها تنشئة الأطفال جيدا لإخراج جيل سوى.
 وأوضحت أن الحوار مع الأبناء ومعرفة احتياجاتهم وعدم تركهم للمجتمع دون وضع حدود من الضرورى أن يكون أهم أولويات أى أبوين حتى لا يؤدى الأمر إلى تعرضه لكافة المؤثرات الضارة التى تعمل على خلق طفل اعتاد على مشاهدة العنف من حوله فى الألعاب الإليكترونية وفى الشوارع وعلى شاشات التليفزيون دون رقيب.
أزمة الوعى
 أكدت د.سامية أن العنف لا يمكن أن تتم محاربته دون حل أزمة الوعى التى وقع فيها المجتمع، فالاستثمار من أجل بناء العقول هو الأمر المطلوب فى المرحلة القادمة، موضحة أننا فى حاجة ماسة إلى زيادة دور المكتبات العامة وتوفير أماكن اجتماعية ثقافية لكل أفراد المجتمع لتكون أداة قوية فى مواجهة كافة الأفكار الغريبة على مجتمعنا المصرى وعلى رأسها العنف والاعتياد على مشاهدته.
 وأشارت أن الأسرة ليس على عاتقها الذنب كله بل إن البيئة المحيطة للفرد تساهم فى تكوين كافة المدارك لديه، خاصة الإعلام المرئى الذى يعد جزءا لا يتجزأ من  حياة المصريين، والذى يمكن أن يرسل دون قصد رسائل ضارة للفرد مثل البرامج التى تعتمد على الندية فى العلاقة بين الأزواج، أو الدراما التى تعرض الجانب السلبى فقط من الحياة، أو السينما التى أصبح استخدام السلاح خاصة الأبيض بها أمرا طبيعيا لا ينكره الجميع.

مسئولية مشتركة


 بينما ترى الدكتورة ليلى عبد المجيد أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة أنه لا يمكن أن تشير كل أصابع الإتهام إلى الإعلام فقط، فإذا كان عليه جزء كبير من مسئولية ما يحدث فى المجتمع الآن إلا أن هناك مؤسسات أخرى عليها أن تقوم بواجبها ودورها الحقيقى تكاتفا مع الإعلام.. مضيفة أن المؤسسة الأولى هى الأسرة والمنزل فهى المؤثر الأول والأخير فى تكوين شخصية الطفل فأحيانا قد يؤدى مشاهدة الطفل للعنف داخل أسرته سواء على شكل ضرب أو إهانة فإن ذلك يؤثر على تكوين شخصيته فى المستقبل وتجعله يخرج للمجتمع شخصا عنيفا يعتمد على فرض سيطرته واستخدام العنف كوسيلة حوار له.
 وترى أن المؤسسة الثانية هى المدرسة لما عليها من دور كبير فى استكمال دور الأسرة فى محور التربية فلابد للمعلم أن يكون قدوة لهم وأن يغرز فى تلاميذه القيم والمبادئ، مضيفة أن الإعلام يأتى دوره بعد ذلك فلابد من عودة برامج الأطفال  من جديد ولكن بصورة حديثة تواكب إدراكهم وتؤثر فيهم بدلا من تركهم فريسة لشاشات الموبايل دون وجود رقابة على ما يشاهدونه.
 وتؤكد أن رسالة الأعمال الدرامية أسمى وأكبر من تقديم نماذج لأبطال يتصدرون مشاهد البلطجة والقتل والتعذيب لتصبح هى لغة الشارع لدى بعض فئات المجتمع بدلا من إبراز نماذج إيجابية وتقديم كل ما هو متحضر وراقٍ والإنجازات التى تحققها الدولة الآن.


الإعلام التقليدى والبديل


 وتضيف سهير عثمان أستاذ الإعلام أن ما يتم تقديمه سواء من خلال وسائل الإعلام التقليدية أو البديلة مثل وسائل التواصل الاجتماعى والمنصات الرقمية يحتاج إلى رقابة بدرجة كبيرة عليه خاصة أن ما يتم عرضه فى كثير من الأحيان لا يتوافق مع قيم وسلوكيات المجتمع المصرى..  وتشير إلى أن الإشارة بأن العمل مصنف لعمر أكبر أو أصغر من 18 أو 16 ليس نوعا من الرقابة على الأعمال الدرامية خاصة أن هناك بعض الأعمال الدرامية التى تكون قائمة على العنف أو القتل طوال مدة عرضها بالإضافة إلى  أن تجسيد هذه المشاهد والتركيز عليها لمدة طويلة يجعل لها تأثيرا كبيرا على المجتمع خاصة الأعمار الصغيرة والذين هم بحاجة إلى غرس قيم وسلوكيات تؤثر عليهم بطريقة إيجابية.
 من جانبه أكد د.جمال فرويز استشارى الطب النفسى، أن أزمة العنف التى تعانى منها كافة المجتمعات الآن سواء فى الدول النامية أو المتقدمة أصبحت خطرا عالميا، وهو نابع فى الأساس من الاضطرابات النفسية التى تكونت لدى الفرد سواء بالوراثة أو عن طريق التنشئة داخل الأسرة أو عن طريق الخبرات الحياتية اليومية التى يمر بها، فكل الاضطرابات فى هذه المراحل تساهم فى تكوين شخصية اعتادت العنف منهجا وأسلوبا فى الحياة.


 وأوضح فرويز أن العامل الأكثر تأثيرا هو ما يمر به الفرد من خبرات يومية، حيث إن دور الأسرة له مرحلة معينة ثم يبدأ الشخص فى التعامل أغلب الوقت مع المجتمع المحيط به، ومن هنا أشار فرويز أن الانهيار الثقافى أدى إلى حدوث انهيار أخلاقى واجتماعى فبرزت لدينا شخصيات تعانى من «اللامبالاة» تجاه أى فعل شائن، فاعتاد المواطن مشاهدة وممارسة العنف دون وعى.
 

وأضاف أن حالات القتل قديما كانت تحدث فى الخفاء بعيدا عن أعين المجتمع لمعرفة الفرد أن ما يفعله خارج عن الطبيعى، أما الآن فما يحدث على مرأى ومسمع الجميع وفى وضوح النهار هو دليل على خروج فطرة الشخص عن طبيعتها وإلى وصول الاضطراب النفسى لأقصى مراحله، بجانب أزمة «إدمان المخدرات» التى أصبحت مسئولة بشكل كبير عن هذه الجرائم الشنيعة..  وأنهى د.فرويز حديثه قائلا: «نحن فى حاجة إلى وقفة كبيرة أمام ما يحدث فى المجتمع بداية من الاهتمام بالطفل، إلى مراقبة المراهق ومساعدته بالتدخل الطبى النفسى إذا ظهرت عليه سمات نفسية غريبة، انتهاء بتحسين ما يبث للأسرة المصرية داخل منازلها من قيم وأخلاق على شاشات التليفزيون».

إنذار خطر


 يقول الدكتور إبراهيم رضا من علماء الأزهر الشريف إن جميع الأديان السماوية حثت على التسامح ومكارم الأخلاق وعلى السلوك والتصرف الجيد، والشارع المصرى برىء من مثل هذه الجرائم الشنيعة لأنها تعد جرائم فردية وليست متكررة ولكن تكمن شدتها فى بشاعة الجريمة ذاتها وانتشارها على وسائل التواصل الاجتماعى بسرعة الأمر الذى يضخم ويهول من الأمر.


 ويشير إلى أن الإعلام يقع على عاتقه جزء كبير مما يحدث الآن، فالأعمال المقدمة سواء فى السينما أو التليفزيون منذ 10 سنوات تقريبا تبنت وصدرت جزءا كبيرا من مشاهد العنف والبلطجة للمشاهدين مما جعلها صورة ذهنية ثابتة عند الكثيرين خاصة من محدودى العلم والثقافة لتصبح البلطجة هى لغتهم والعنف هى وسيلة حوارهم الأولى، مضيفا أن الأعمال السينمائية بيد الفرد اختيار مشاهدتها من عدمه ولكن الأعمال الدرامية المعروضة فى التليفزيون أو على منصات الدراما الآن تفرض نفسها ومضمونها على الأسرة، فهناك بعض الأعمال تتبنى طوال حلقات عرضها فكرة الانتقام وكيف يصبح البطل البلطجى هو الضحية فى نظر المشاهد مما يعزز فكرة العنف والإنتقام فى المجتمع وأكبر دليل على ذلك أن الكثير من مشاهد بعض الأعمال الدرامية يتم تطبيقها بنفس السيناريو على أرض الواقع مما يؤكد مدى تأثر الدراما على المجتمع وأن رسالتها تصل للجمهور بكل الأشكال.


 ويؤكد أن ما حدث مؤخرا فى واقعة الأسماعيلية هو إنذار خطر يؤكد أننا نحتاج إلى وقفة جادة تجاه الأعمال المقدمة، مشيرا إلى أن اتهام البعض بسلبية الشارع وعدم التدخل لحل الأزمة هو أمر فى غير محله لأن الجانى كان مسلحا وكان قد يعتدى أو يقتل أى شخص إذا حاول التدخل لذلك فالشارع المصرى برىء تماما من السلبية..  ويضيف أن الرقابة لابد أن تقوم بدورها خلال الفترة القادمة وتشدد على منع إذاعة مثل هذه المشاهد خاصة أن بعض القائمين على هذه الصناعة يعللون ذلك بأنه نقل للواقع لكن اختلف مع ذلك الرأى كليا لأنى أرى أنهم هم الذين يقومون بنقل العالم الافتراضى للعالم الواقع وليس العكس، فالجريمة موجودة منذ عشرات السنين ولكنها تتحول إلى الأسوأ فى كل مرة وهذا أمر لابد من الوصول لحلول سريعة به قبل أن يتفاقم الأمر. .  ويؤكد أن هناك العديد من الرسائل الإيجابية والشخصيات النموذجية التى يجب التركيز عليها وبث رسائل المحبة والتسامح والأخلاق فى المجتمع من أجل أن ينشأ الجيل القادم على هذه الرسائل وليشاهدوا نماذج تكون قدوة لهم وأمام أعينهم فى المستقبل.

اقرأ أيضا : مكافحة التدخين : مصر تستهلك أكثر من 80 مليار سيجارة كل عام