تأملات..

نسرين موافي تكتب: أبناء الأنانية 

نسرين العسال
نسرين العسال

اعتدت وأنا صغيرة متابعة الأفلام الأجنبية وخاصة الاجتماعية منها، كانت تستهويني كثيراً فكرة معرفة ثقافاتهم وطريقة معيشتهم، وكثيراً ما كان يستوقفني بل و يؤرقني مؤسسات رعاية الأطفال وسلطتها الواسعه في المجتمع حتى على الآباء.


وكنت دائماً ما أتساءل وأستنكر جدا فكرة أن يتم حرمان أب أو أم من أطفالهم، لم أتفهم فكرة أن تحمي مؤسسات الدولة الأطفال من آبائهم ؟!


لم يكن عقلي قادراً علي استيعاب أن يكون هناك مخلوقاً في الحياة احرص علي الأبناء من الآباء ؟!


كيف وهم سبب وجودهم، قطعه منهما معاً فمن القادر علي رعايتهم و حمايتهم مثلهم؟!


و كثيراً ما حمدت الله أن مثل هذه القوانين لم يكن لها وجود في بلدنا، حتى اكتشفت أن وجهة نظري كانت محدودة للغاية.


 نعم ، في هذه الحياة ليس هناك من هو أكثر قرباً وادفأ حضناً من أمك و حبلها الممدود بالرعاية و الحب ، و كذا ليس هناك سندا و لا حصن و لا مرجع و لا وطن كحضن ابيك  ، لكننا الآن نتحدث عن نوعية من الآباء الطبيعين ، أسوياء الفطرة ، الا ان ما بدا لي أن  البعض لا يزال غير مؤهل لتحمل مسئولية نفس جديدة.


هذه النفس التي تتشكل وتتهيأ وتبني شخصيتها حيثما نشأت ليكون لها في مجتمعها نصيب من التأثير وربما ذهب البعض منهم ليكون نقطة تحول في مجتمعه ، فكيف نصل لأفراد هكذا و أساس التربية غير سوي .

 

بمرور الوقت تغير بعض تفكيري، وجدت آباء وأمهات يسيؤن الي اطفالهم نفسياً و جسدياً بل وربما يتعدي ذلك لتكون اساءة جنسية و بطرق بشعة .


ذهبت بعض الامهات الي حرمان  أولادهم من حقهم الطبيعي في ان يكون لهم أب ، فتارة تؤذيهم و تارة تعنفهم و و أخري تحرمهم حتي من طفولتهم حين تدخلهم طرفا في صراعات لم يختاروها و ليس لهم فيها ناقة و لا جمل  ، بينما ارتكن بعض الآباء لإستخدام  سلاح المادة و القوة و كأنها حرب تكسير عظام للطرف الآخر.

 

و في مبارة ، جميع أطرافها خاسر، يتباري الجميع لإستخدام نقطة الضعف القوية ، كان الشطر الاعظم من الخسارة هو  لهؤلاء الاطفال الذين لم يكن لهم ذنب في هذه الحياة غير انهم ولدوا لأب و أم بهكذا تفكير و كهذا نفسية ، مباراة تباري فيها الأب و الأم في أن يسلبوا من أطفالهم حق الحياة و نعمة الدفيء و مظلة الستر و روح العائلة تباروا حتي في ان يرسموا لهم طريق و مسار حياتهم ، مباراة تدمر نفسية الجميع و لا أحد فائز ، بالرغم من أن الحياة حق الا انهم يسلبونها من اطفالهم و انفسهم ، يسلبون الجميع حقهم في ان يعيشوا اسوياء ، تحت مسمي أن الجميع يري الحق معه و تناسوا حق الأبرياء .


إذا كان الزواج حق فان الانفصال ايضا في بعض الاحيان حق و لما كان للزواج اصول و طقوس و فقاً لشريعة المتزوجين ينبغي ايضا ان يكون الانفصال وفقا لاداب و طقوس و شريعة الطرفين . 


آداب تحفظ حق و نفسية الابرياء و لا تحرمهم أحد الأبوين ، فمن حق الأباء  أن يختاروا حياتهم لكن من حق أولادهم أن ينفصلوا بالمعروف كما شرع الله  ، أن يحسنوا لأنفسهم اولاً بإحسانهم  لأولادهم، ان يكونوا المثل في الرقي لو ارادوا اولاد بلا مشاكل نفسية .
لو اني في مقام المشرع  لكنت اجريت اختبارات صحة نفسية معتمدة  لكل زوجين يفكروا بالانجاب و جعلت هذه الاختبارات اجبارية ، فالاتيان بطفل لهذا العالم  أمر جلل ، علني بذلك انقذ بعض الحيوات من هذا المصير المؤلم .


لو أني استطيع لكنت انشات مؤسسة صارمة مخلصة تدافع عن حق الأطفال كل الأطفال في كل البيئات ، حقهم في الرعاية ، الحنان ، التفهم ، في بيئة هادئة و نظيفة يعيشون فيها ، في تعليم لا يحرمون منه نكاية في طرف .


مؤسسة واسعه السلطات علها تنقذ جيل كامل خاصة في حالات الانفصال ، تعلي مصلحة الاطفال و تجعلها اولوية ، مصلحتهم النفسية و الاجتماعية قبل المادية ، تعطيهم حقوقهم في الحياة مع ابوين سواء في نفس البيت او منفصلين فلا تحرم الاطفال من  أحدهم و لا تكسر خواطر هؤلاء ملائكة الذين هبطوا الي هذا العالم و كل جنايتهم أنهم نتيجة اختيارات ابائهم ، بلا ذنب او خطيئة جاءوا ليتحملوا كل ذنوب اهلهم و عقدهم النفسية .

 

أحلم بهكذا نظام و هو ليس بالأمر السهل ، لكن حتي يحدث ما اتمناه ، اذكر الجميع و نفسي أن هؤلاء الملائكة ابدا لم يختاروا وجودهم نحن فعلنا ، لم يختارونا و لم يطلبوا حتي ، هم النتيجة و ليس السلاح او مساحة تفريغ الاحباط و التوتر ، هم ابنائكم كما هم ابناء شركائكم هم العامل المشترك الوحيد الذي لا ينفصل و لن ينتهي ، هم التجسيد الحي لعلاقة اخترتموها  بارادتكم فلا تظلموهم مرتين ، مرة باختيار و اخري يسوء  نتيجة هذا الاختيار .

 

تذكروا ان في النهاية لن يصح الا الصحيح ، سيكبر الصغار و ينزع سلاح الضغط من ايدي المستخدم و يبقي فقط التأثير ، فهل يستطيعوا تجاوز هذا ؟!  فعلا هل سيستطيعوا اصلاح ما افسده الكبار ؟!


هل سيستطيع أحد ان يمحو كل هذه الذكريات و الكلمات المؤلمة ؟! مستحيل و ستظل تلاحقهم و يلاحقوكم بها و تؤثر علي كل قراراتهم . 


و الحل بسيط لا تقرروا أن تنجبوا حتي تتأكدوا من سلامة علاقاتكم و ثباتها بالحد الادني حتي ، و جنبوهم مشاكلكم قدر المستطاع فهم الشيء الوحيد البرئ في علاقاتكم و ليسوا الجناة .


أحسنوا الي انفسكم باحسانكم اليهم ، فكما تدين تدان .


و تذكروا أنه ….كفي بالمرء اثماً أن يضيع من يعول .