خد بالك

أشرف غراب يكتب: الصين.. ودراما الرعب

أشرف غراب
أشرف غراب

لمن يُتابع المشهد فى العامين الماضيين، يُوقن بلا ظنٍ أن طوفان المفاجآت الأليمة لم ولن ينتهِ بعد، ويبدو أن الدراما الصينية ما زالت فى صدارة المنافسة، واحتلال المشهد، وأعمالها الهليوودية من ذوى الحلقات الطويلة، المليئة بالأكشن والإثارة والترهيب، فمنذ نهاية العام 2019، وبكين كانت المُنتج والمُخرج وسيدة السيناريوهات الأكثر خطورةً وواقعيةً على البشرية كلها، من أقصى الأرض لأقصاها، لم تستثنِ مشاهدًا أو سامعًا أو حتى ممن يسكن الجبال الذى لا يرى أو يسمع عن المدنية والعالم المُتحضِّر شيئًا، ففى نوفمبر قبل الماضى، وعبر أراضيها، وبالتحديد من مدينة ووهان ظهر وانتشر فيروس كورونا العنيف، الذى لم يُعرف بعد طبيعته، وما إذا كان مُخلَّقًا فى معاملها، أو وباءً جينيًا نُقل من مخلوقٍ لآخر أيًا كان فصيله فى حظائرها، وتمدَّد سرطانه لجميع أرجاء الكوكب، ليقتل ويُصيب الملايين من البشر، ويُواصل صولاته وجولاته المكوكية متحورًا لعِدَّة أنواعٍ، نتعايش معها حاليًا عيشة المقهور المغلوب على أمره، ولا يستطيع كائنٌ من كان أن يتنبَّأ كيف ومتى ينتهى، وهل سيعود الوضع إلى ما كان قبل حدوث الكارثة؟.


وعلى النقيض مما يحدث خارج حدودها، لمْلمت بكين جراحها الداخلية سريعًا، حيث أعلنت وفى موقفٍ طريفٍ احتواءها للوباء، الذى طفح من جنباتها قبل ولادة عامه الأول، وأضحت خاليةً منه تمامًا، رغم انفجار دولٍ أخرى به، وانهيار أنظمتها الصحية التى كانت من أعرق الأنظمة وأرفعها، كالولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وروسيا والهند، وغيرها من الدول الكبرى والنامية، وإلى اليوم لم تتعافَ من أوجاعها، وتبذل قصارى جهدها للسيطرة على الفيروس الذى دَّمر قوتها البشرية، وهوى ببنيتها الاقتصادية، وفرض طوقًا من الحصار على سكانها فى التنقُّل وممارسة الأعمال بحريةٍ، ناهيك عن حالة الهلع والرعب والخوف التى تعيشها، والتكلفة الباهظة الثمن التى تتحمَّلها وتُنفقها، نتيجة عمليات التعقيم والتطهير، والإنقاذ والتلقيح، وإجراء التجارب السريرية والاختبارات المعملية، وصناعة التطعيمات واللقاحات، فى حين تُخرج الصين لسانها للكل وتتبرأ مما حدث ويحدث وما ينتظر العالم مستقبلًا.


وحين تعلم أن صاحبة أكبر بلدان العالم سكانًا، والتى يتجاوز تعداد مواطنيها مليارًا ويزيد، هى الأكثر تلويثًا لكوكب الأرض بنحو 7% من إجمالى الذين يعيشون عليها ويتعاملون فيها، لاستخدامها الفحم والوقود ذات الطبيعة كثيفة الغازات السامة والضارة بالمناخ، والتى نتج عنها تغيُّره وارتفاع نسبة الاحتباس الحرارى، وتهديد مناطق متفرِّقة من البسيطة بالمحو والاختفاء، كما قال رئيس وزراء بريطانيا فى مؤتمر المناخ الأخير، الذى انعقد الأسبوع الماضى، بحضور زعماء العالم وقادته، وأشار إلى مدن بعينها بمصر وأمريكا، ورغم ذلك تتنصل بكين من مسئوليتها، بل وتأبى أن تُنفق مليمًا على ما فعلته وتفعله يوميًا من كوارث، لإنقاذ ما يُمكن إنقاذه، لهو شىءٌ يدعو للغرابة، ويُثير الكثير من الفزع والقلق، ويُهدِّد بالمزيد من الأزمات والكوارث فى الأيام القابلة، ويضع علامات استفهامٍ حائرة، أهمها ماذا تُخبئ هذه الامبراطورية العجيبة فى جعبتها لنا، وإلى أى مدى تبغى الوصول بنا، ومن المقصود بالتحديد لجرائم تطول الدار قبل الجار والطائر قبل السائر والعائم فى مياه البحار والقابع تحت التراب؟!


وها هو نوفمبر الحزين يعود إلينا من جديد فى عامه الألفين وواحد وعشرين، يحمل بين طياته ما هو أعجب وأغرب، فقبل انتهاء ولاية العام 2021، ومن البقعة نفسها، بل ومن ذات الاتجاه، يتناثر عبر المواقع الإخبارية وعلى شاشات الفضائيات خبرٌ مُقلقٌ للغاية، بقيام القيادة السياسية الصينية فى بكين بالتنبيه على رعاياها، ادخار السلع الأساسية والاستراتيجية لأمرٍ طارئ ربما يطول، وعدم الإسراف فى الاستخدام، وهو الخبر الذى أصاب العالم أجمع بالدهشة، وألقى صاعقةً من الهلع، وأثار تساءل القاصى والدانى، الشرقى والغربى، الشمالى والجنوبى، عبر التواصل وفى وسائل الإعلام عما يحدث هناك، وما إذا كانت الصين ستُعلن عن كارثة أكبر وفيروسٍ أخطر، أم أنها أزمة طاقة ووقود أوقفت مصانعها ومنتجاتها التى تُغذى نصف سكان العالم كما يقول البعض، أم أنها على مشارف حربٍ ربما تكون العالمية الثالثة، التى لا تُبقى ولا تذر؟، وغيرها من الاحتمالات التى احتار فى تفسيرها المحللون والخبراء الاستراتيجيون، وأهل الحل والعقد، لقد أصبح الكل خائفًا يترقَّب بلد العجائب والنوادر والأزمات والكوارث.


56 يومًا تفصلنا عن العام الجارى، واستقبال عام ميلادى جديد، وما زالت حرب التصريحات النارية تشتعل من قِبل القادة الكبار، فما بين جونسون وطلقاته، وجو بايدن وتحذيراته، وبينج ومناوشاته، يعيش العالم دراما واقعية أليمة ومُرعبة، والبوصلة لا ندرى إلى أين تذهب، لكن ما نعلمه جيدًا، ولا تخطؤه عينٌ، هو الكمية الهائلة من الأزمات العالمية المتلاحقة إن كان فى الغيب شىءٌ مما نتوقع من وراء مفاجآت بكين غير المُعلنة، فهى إن لم تكن إبادةً بشرية بحرب الفيروسات والأوبئة، فسطوة القوة والسلاح والآلات، وتغيير الخريطة العالمية واختلال ميزان القوى، وعودة التحكمات وفرض النفوذ.. أتمنى ويتمنى غيرى أن يخيب الظن، وتكون الأمور مجرد أزمة عابرة داخل حدود بكين، يُمكن تجاوزها واحتواؤها فى مكانها وعلى أرضها، وكفى بالاقتصاد العالمى ما أنهكه من أزمات طاحنة، قضت على الأخضر واليابس، وجعلت المعاناة حياةً يومية يحياها الناس، والأحزان سمة عصرية يغطون فيها بلا توقف.