أبناء أكتوبر

انتصار أكتوبر والذكريات

محمد عبدالنبى الهاله عميد متقاعد
محمد عبدالنبى الهاله عميد متقاعد

مر ثمانيه وأربعون عاماً على انتصار حرب أكتوبر - مما دعانى لأتأمل واسترجع ذكريات ذلك اليوم العظيم - 6 أكتوبر - فقد كان هذا اليوم له فى نبضات قلب كل مصرى أشجان حنين بوهج انتصار تحقق.

لقد كنت وقتها ضابطا حديث التخرج وأعمل بسرب من أسراب الطائرات المقاتلة ميج 21 فى مطار من المطارات بوسط الدلتا - وجاءت الأوامر يوم 5 أكتوبر لأقود مجموعة من ميكانيكية السرب للانتقال إلى مطار فى الأطراف - بشمال شرق الدلتا - قريبا من قناة السويس - وتم التنفيذ - ولم نلاحظ أى تغيير اعتقاداً منا بأنها مناورات تدريب عادية فى ذلك الحين.

وفى اليوم الموعود 6 أكتوبر قبل الساعة الثانية ظهراً بقليل جاء الطيارون - نسور الجو - وتزاملت مع أحدهم متوجهين إلى مقاتلته - وعلى الممر أخبرنى بأنهم ذاهبون لتنفيذ مهمة الضربة الجوية لإسرائيل فى سيناء - فاحتضنته وقبلته فرحا - وكان هو ايضا - نسراً من نسور مصر مرفوع الهامة يمشى - إلى أن ركب الطائرة المقاتلة - وطارت طائرات التشكيلات الجوية بالتتابع المدروس - ليعبروا القناة لضرب وتدمير كثير من قواعد العدو وتحصيناته فى سيناء لفتح باب النصر بضربتنا الجوية الناجحة بامتياز.

وعدنا إلى مطارنا بوسط الدلتا - وكلفت قيادة طاقم ميكانيكية السرب لاستقبال الطائرات التى بها أعطال لصيانتها وإصلاحها فى أسرع وقت فى دشمة من دشم جانب منتصف الممر الرئيسى لطائرات اللواء الجوى بالقاعدة - ويحضرنى الآن ولا تخوننى الذاكرة لأنها مخطوطة بداخل عقلى روح الأبطال أصحاب ملاحم البطولة التى تبكى القلوب لبعض من شهدائنا وعلى رأسهم الشهيد طيار اسماعيل امام - الذى اسقط ثلاث طائرات إسرائيلية قبل استشهاده بطائرة عليها نجوم ثلاث.

ونأتى إلى يوم ١٤ اكتوبر المجيد - فى هذا اليوم كانت بطولات طيارى مقاتلاتنا - لا تحصى - حيث تجمعت تشكيلات الوية المقاتلات النفاثة فى كل منطقة الدلتا وأطرافها وخاضت معركة سميت فيما بعد بمعركة المنصورة الجوية - حيث حققت مقاتلاتنا انتصارا لم يتحقق فى تاريخ الطيران الحربى الحديث للمقاتلات النفاثة حيث كان العدد ١٨٠ - مائة وثمانين - طائرة من الجانبين ٦٠ - ستين - مقاتلة مصرية مقابل ١٢٠ - مائة وعشرين - مقاتلة إسرائيلية ومن حيث الزمن كانت أطول معركة جوية فى التاريخ ٥٣ ثلاث وخمسين دقيقة من القتال الجوي إذ ان المعارك الجوية تستغرق من ٣ إلى ٥ دقائق فقط - وكان لتكاتف مقاتلات الدلتا الفضل بالحاق طيران العدو خسائر لن ينسوها.

لتحتفل مصر - وقواتها المسلحة فى يوم ١٤ اكتوبر من كل عام بانتصار قواتنا الجوية - التى خاضت معاركها بكفاءة واقتدار - ليصبح هذا اليوم عيدا لقواتنا الجوية.

ولا يفوتنى قبل أن انهى مقالتى - عن هذا اليوم - أن اذكر أن الطيار الإسرائيلى المكلف بضرب الممر الجوى لطائراتنا - ونتيجة اشتباك مقاتلاتنا - وضح ارتباكه - ليتخلص من القنبلة التى يحملها ليخفف وزنه ليهرب من منطقة الاشتباك الجوى ليطيش منه الهدف وتسقط القنبلة عشوائيا أمام أبواب دشمتى لاصاب بشظية بساق قدمى اليمنى ليتم نقلى بعربة الاسعاف المجهزة إلى مستشفى المنصورة.

ثم كانت المفاجأة فى مساء نفس اليوم - وفى زيارة لنا من بعض مقاتلى السرب من الطيارين - حين داعبتنى البهجة المفرحة - رغم المى - بالمفاجأة المحببة إلى نفسى عندما رأيت ضمنهم الزميل الطيار الذى بشرنى بالطلعة الجوية الأولى مفتاح باب النصر - لضرب أهداف العدو بسيناء.
وقتها اغمضت عينى لاستكمال عزف سيمفونية الحب المتكاملة التى جمعت المصريين على قلب رجل واحد ينشدون لحن الانتصار.