أزمة سلاسل التوريد العالمية

 المهندس طارق قابيل
المهندس طارق قابيل

بقلم/ المهندس طارق قابيل

الصين هى مصنع العالم. عندما تتوقف يضطرب العالم. فلماذا توقفت وما هى مشكلة سلاسل التوريد التى تؤثر على العالم كله ولماذا حدثت وتأثير الصين عليها. عندما ظهر فيروس كوفيد ١٩ فى ديسمبر ٢٠١٩ لأول مرة وبدأ ينتشر فى العالم فى يناير ٢٠٢٠ واضطرت الصين إلى غلق بعض المدن الرئيسية والمصانع، اكتشف العالم اعتماده الرئيسى على الصين فى التصنيع وأن مصنع العالم قد توقف.

فلم تجد دول العالم الكمامات الطبية وأجهزة التنفس الصناعى وحدث نقص كبير فى الأدوية وكثير من الأجهزة والمعدات. كبرى شركات الأدوية الأمريكية تعتمد بشكل كبير على الصين فى توريد المواد الخام خاصة المضادات الحيوية.

لهذا عمل الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب على عودة الشركات الأمريكية للتصنيع فى الولايات المتحدة الأمريكية وإعطائهم تسهيلات ومزايا وهذا اتجاه صحيح لمصلحة أمريكا لتقليص الاعتماد على الصين كمصدر أساسى للتصنيع وتقليل نسب البطالة.

الصين تعتبر المصنع الرئيسى للعالم فهى تصدر ٢٠٫٧٪، من صادرات العالم بقيمة ٢.٦ تريليون دولار تقريباً. منذ ١٩ سنة كانت الصين   تشكل ٤٫٣٪، من الناتج القومى العالمى وفى عام ٢٠٢٠ اصبحت الصين تشكل ١٦٪، من الناتج القومى العالمى وهو رقم لا يستهان به. الشركات الكبرى العالمية اتجهت للصين كمصدر للتصنيع لقلة تكلفة العامل الصينى وانتاجيته العالية والضرائب الأقل.

هذه الشركات لم تتعلم الدرس من جائحة كورونا واستمرت فى العمل فى الصين بنفس الأسلوب وساعدها فى ذلك قلة الطلب العالمى نتيجة غلق كثير من الدول لحدودها ومدنها والمدارس والجامعات بالإضافة للمخزون العالى نتيجة الطلب قبل الجائحة.

- فماذا حدث ويحدث الآن؟
عندما زادت نسب التطعيم فى الدول الكبرى وعدم احتمال اقتصاديات الدول للغلق الكامل ، بدأت الدول الفتح التدريجى ثم الكامل بعده بفترة وجيزة.  تم فتح المدارس والجامعات والاسواق والسفر وحضور المباريات فبدأ الطلب العالمى فى الزيادة السريعة جداً وفجأة توقف مصنع العالم مرة أخرى هذه المرة بسبب آخر.. بسبب الكهرباء. لماذا ؟ لازالت كثير من الدول تعتمد على الفحم فى تشغيل محطات الكهرباء.٦٠٪، من محطات كهرباء الصين تعمل بالفحم و٤٣٪،  فى الهند و٢٣٪، فى اليابان وكوريا الجنوبية. من الناحية الأخرى زاد استهلاك الكهرباء العالمى بنسبة ١٢٪، شهرياً وزادت مساهمة محطات الفحم فى توليد الكهرباء من ٦٢٪، إلى ٦٦٪. الأمطار والأعاصير فى جنوب شرق آسيا أدت إلى توقف مناجم الفحم ونزل مخزون الفحم من  ١٣ يوما فى أبريل ٢٠٢١ إلى ٤ أيام فى أكتوبر . كل ذلك أدى زيادة سعر الفحم من٦٠ دولارا للطن فى مارس ٢٠٢١ إلى ٢٠٠ دولار فى أكتوبر ٢٠٢١.

زاد الطين بلة ان الصين اوقفت محطات الفحم الصغيرة بسبب حادثة واوقفت استيراد الفحم من استراليا كرد فعل لطلب استراليا التحقيق فى مصدر كوفيد ١٩ واتجهت إلى إندونيسيا وروسيا. الحكومة الصينية حددت سعر الكهرباء إلى المصانع الخاصة فمع زيادة سعر الفحم اضطرت العديد من محطات الكهرباء التى تعمل بالفحم إلى التوقف مما أدى لتوقف ٤٤٪، من مصانع الصين. وبالتالى توقف مصنع العالم.

مع زيادة الطلب العالمى الفجائى زاد الطلب على الشحن البحرى الذى يمثل ٩٠٪، من الشحن العالمى مما أدى إلى زيادة أسعار الشحن بنسبة ٨٥٪، وتكدست كثير من موانئ العالم وزاد وقت الشحن إلى حوالى ٧٠ يوما. المشكلة تكمن فى أن الطلب سريع أما الإنتاج وسلاسل التوريد تأخذ وقت أكبر. فى الظروف الطبيعية المخزون يغطى هذه الفجوة ولكن المخزون العالمى نقص بشكل كبير على أغلب القطاعات نتيجة جائحة كورونا مما أدى إلى زيادة أسعار السلع بحوالى ٤٣٪، فى عام ٢٠٢١ والوقود زاد بنسبة ٥٥٪، والطعام ٢٨٪، والمعادن والخامات بحوالى ٣٥٪، زيادة الأسعار تعنى التضخم ونحن فى عام التضخم العالمى والمتوقع استمرار ذلك حتى الربع الأول من عام ٢٠٢٣. أزمة سلاسل التوريد طالت صناعات كثيرة منها صناعة السيارات التى شهدت نقصا كبيرا فى الرقائق الالكترونية والتى تسيطر عليها شرق آسيا. فيات أغلقت مصانعها فى صربيا. هيونداى أغلقت بعض المصانع..جنرال موتورز انخفضت مبيعاتها بنسبة ٤٠٪، فى  الربع الثالث وكذلك فورد ،وحدث تأخر كبير فى إنتاج الآيفون التى تستورد ١٠٠٪، من الرقائق الإلكترونية من تايوان من شركة تستحوذ على ٢٢٪، من انتاج العالم من الرقائق الإلكترونية.

الدرس البديهى الذى لم تتعلمه الشركات الكبرى هوتنويع مصادر الإنتاج والذى اتوقع ان تتعلمه هذه المرة وبشائر ذلك ظهرت من الاتحاد الأوروبى الذى أعلن فى مايوعن خطة لتقليل اعتمادها على الصين ، مما سيؤثر على نموالصين  فى المستقبل.

التضخم العالمى سيلقى بظلاله علينا بالتأكيد نتيجة استيراد المعدات وقطع الغيار والمواد الخام والأدوية وبعض المنتجات المصنعة. الدولة بذلت مجهودا جبارا فى زيادة الرقعة الزراعية والتوسع فى مزارع الأسماك والشراء الموحد للأدوية والعمل على إنشاء مدينة الدواء مما قلل من آثار التضخم على المواطن البسيط وإن كان التحدى لا يزال كبيرا فى كبح جماح التضخم عن طريق التحكم فى سعر الفائدة واجراءات اخرى لتقليل الطلب والتحكم فى التضخم.

من الناحية الأخرى الآن عندنا فرصة ذهبية لعرض مصر كبديل لتنويع مصادر الإنتاج للشركات الكبرى وجذب الاستثمار. فالبنية التحتية تحسنت بشكل كبير جدًا والعمالة المصرية تتمتع بالمهارة والتكلفة المحدودة. جذب الاستثمارات من خلال الحوافز فى غاية الاهمية حيث إننا ننافس أسواقا أخرى تعمل على نفس الاتجاه.  هذه الأزمة يجب استغلالها لزيادة الاستثمارات الأجنبية فى مجال التصنيع والتصدير تطبيقاً للمثل الذى يقول: مصائب قوم عند قوم فوائد..والله الموفق لمصرنا الحبيبة.