ثرثرة فوق صفحات السوشيال ميديا .. الشماتة فى أهل الفن

الشماتة فى أهل الفن
الشماتة فى أهل الفن

ريزان العرباوى

هناك دائما فئة متربصة بأهل الفن, أشبه بمصاصي الدماء الذين تثير فيه رائحة انكسار أو هفوات أو حتى تعرض المشاهير لحوادث قدرية, ليستمدوا قوتهم بالشماتة والتشفى بعبارات بغيضة قاتلة لمعنى الجمال والحب والخير, تلك المعانى التى يسعى الفن لتحقيقها.. المختصون فى علم النفس والاجتماع يحللون ظاهرة الشماتة، ويحددون ما إذا كان كره الناس لأهل الفن حقيقة أم وهم؟, وفى حالة إثبات أنه حقيقة, ما أساببه وما دوافعهم لهذا السلوك العدائى؟ وكيف ننهى حالة العداء تلك؟. 

تقول د. سامية الساعاتى أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس: “الشماتة أو التشفي, تعبير عاطفي محموم ويائس يترجم حالة الانتقام والوصول إلى ذروته بالتمتع السادي, إذ يحقق للشامت ما كان ينتظره من خصمه أو عدوه, جراء هزيمة أو انتكاسة أو أزمة أو فشل أو خسارة أو حتى انتهاء بالموت, وهناك من لا يقيم الفن ولا يقيم له وزنا وفى اعتقادى أن المسئول عن انبثاق تلك المشاعر, هم أهل الفن أنفسهم فعليهم أن يقتربوا أكثر من الجمهور بالتعبير عنهم وعن واقعهم, فنحن نتحدث هنا عن القوة الناعمة، وإذا كان الوطن يحتاج إلى السيف أو البندقية ليحارب الأعداء فهو يحتاج أيضا إلى الأغنية والرواية, فالحروب لم تعد سيوف ودروع بل أصبحت حروب فكرية سلاحها الكلمة”.

وتوضح: “أيضا عدم التباهى بالثراء الفاحش واستعراض القصور والسيارات الفارهة, والذى من شأنه استفزاز الطبقة الكادحة التى همها توفير حياة كريمة لها فى المسكن والتعليم والصحة, وتلك التصرفات تبين حجم الجفاف الذى تعيشة تلك الطبقة وغيرها, كما يقال بالبلدى “بيلعب بالفلوس لعب” فتتسع الهوة والمسافة بين الجمهور وأهل الفن, فالمسألة تحتاج إلى دراسة ووعى, لتكوين شعب واعى, لأن محو أمية الوعى أصبحت فى الوقت الحالى أهم من محو أمية التعليم الأبجدى.

وتضيف قائلة: أم كلثوم كانت تعتبر نجمة نجوم الغناء والطرب فى الشرق الأوسط, وكانت تفنى نفسها من أجل إسعاد الجمهور وعندما وقعت البلد فى مشكلة مع العدوان الثلاثى, كرست نفسها لجمع أموال للعمل الشعبى الحربى, وما أعنيه, أن هناك فنانين أكدوا بالفعل على أهمية دورهم نحو المجتمع لذلك اكتسبوا محبة الناس بالمصداقية, فعلاقة الجمهور بالفنان معروفة منذ زمن ونطلق عليه العزف على وتر قديم لاستعادة الاحترام المتبادل بين الطرفين, فنحن بحاجة ماسة إلى مفهوم الاحترام وتطبيقه بتفنن, ولما كان من احترام النفس أولوية تسبق أى احترام يتفرع منه كان لابد من اعتباره كمعيار أول وهام من معايير الاحترام وأشكاله الرئيسية، حيث يعتبر احترام الذات الشخصية المحطة الأولى لتحقيق مبدأ الاحترام ونشره.

وتؤكد السعاتى, ضرورة الابتعاد عن ترديد كلمة الكراهية والشماتة لأنها كلها أفعال سلبية، والأفضل استبدالها بتهمله أو تتركه, فالكره يأذى صاحبه أولا.

«التصيد بالرمح»

ويفسر د. وليد هندى -استشارى الصحة النفسية- التناقض الظاهر لدى البعض ممن يكن الكره لأهل الفن ويظهر ذلك بشكل واضح على وسائل التواصل الاجتماعى وفى نفس الوقت يتهافت على التقاط صور مع هذا الفنان, ويقول: “الإنسان بطبعه يسعى لحب الظهور الذى قد يصل إلى حالة مرضية يطلق عليها فى علم النفس “بارانويا” أو جنون العظمة, فيكون بالفعل صادقا فى التعبير عن مشاعره ورغبته فى التقاط الصور معه ومتابعة أعماله وأيضا صادقا فى حالات التشفى والشماتة, فعندما يرى حتى تمثال لأم كلثوم على سبيل المثال يقف لالتقاط الصور لعرضها على وسائل التواصل الاجتماعى لينال كلمات إعجاب “وليكات” وهمية لكى يعزز ثقته بنفسه, أما عن أسباب كره البعض للمشاهير فله أسباب موضوعية وأحيانا يرتكب الفنان بعض السلوكيات المستفزة التى لا تتماشى مع نسخ القيم المجتمعى, وتلك السلوكيات المستفزة تفجر الدوافع النفسية للبعض, ليتربص لأى هفوة للفنان ويظهر التشفى فى هيئة عبارات قاسية.

ويتابع: “ما يهم الجمهور هو الرصيد الفنى الحافل بأعمال فنية بها ثراء معرفى ووجدانى تتلاحم مع الناس وقضاياهم وهذا هو الرصيد الحقيقى الذى يهم الجمهور وليس الحفلات والسهرات والسيارات الفارهة, ومهم أيضا عندما يستشعر الجمهور أن هذا الفنان لديه انتماء للبلد ويدافع عنها, أن يكون هو أول من يدافع عنهم, ليشكل حصن حصين لهم ضد أى هجمات خارجية, ومن المهم أيضا أن يتحلى الفنان بالثبات الإنفعالى لمواجهة أى حملات ضده حتى لا يصاب بالقلق والتوتر فيستفز ليطلق تصريحات أكثر إساءة للناس تؤجج من مشاعرهم تجاهه”.

ويضيف: “وللأسف الشماته فى أهل الفن أصبحت تأخذ أشكال انتقامية مختلفة كالتنمر وتهكير “الأكونتات” الخاصة على صفحات التواصل الاجتماعى, وتختلف الدوافع النفسية لهذا السلوك الانتقامى والذى يسمى “التصيد بالرمح” لأنه عملية تستهدف أشخاص بعينهم, ومن ضمن تلك الدوافع تسرب الشعور بالدونية لدى بعض الجمهور فينتهج هذا السلوك ليشبع ذاته ويثبت أنه لا يختلف عنهم بل أنه الأفضل, لذلك أقول دائما وأبدا أن الفنان يجب أن يراعى ثقافة الشعب والمستوى الإقتصادى والاجتماعى وأن السوشيال ميديا أصبحت فى متناول الجميع, وبناء عليه لابد من الانتباه الى السلوكيات الخاصة للفنان وعدم نشرها على العامة حتى لايتم استفزاز مشاعر الناس, وتتعدد تصنيفات الشماتة وترتبط هنا بشماتة الحساد التى تأتي عاطفيا دوما ضد أصحاب الثروات, كما ترتبط به شماتة الأغبياء الذين يعلنون عن حقدهم ضد الناجحين والمتفوقين”.

ويمضى قائلا: “سلوك الشماتة والفرح فى معاناة الآخرين, هو سلوك مذموم يعطى مؤشر للمنطقة السودوية للشخصيات التى لديها استعداد لاقتناص كل المكتسبات على حساب معاناة الناس, تتسم بالقسوة العاطفية, وتنم سيكولوجية الشماتة وشغف التشفى عن قلب أسود وإنسان معدوم الضمير ميت الوجدان ملوث الفطرة لأن الفطرة بطبيعتها البناء وليس الهدم, فهى شخصيات تعانى من عوار وقصور عقلى وخلل فى الإدراك لأنها تفتقد التقييم الموضعى للأمور, فمهرجان الجونة ليس مجرد مهرجان بل هو وسيلة من وسائل الترويج السياحى وانعاش اقصاد البلد, وتجاهل تلك النقطة الهامة تدل على التفكير السطحى وعدم تذوق الفنون”.

“نلتزم الصمت”

وتؤكد د. هناء المنسى استشارى الصحة النفسية, أن وسائل التواصل الاجتماعى, أحد الأسباب الأساسية لظهور تلك السلوكيات السودوية والتى تدل على الفراغ والسطحية, وتقول: “استغلال الظروف لبث لروح الشماتة والانتقام خاصة عبر وسائل التواصل الاجتماعى, الذى بات لغة العصر وبوصلة تحديد الاتجاهات والاراء, هى مجرد ممارسة سيكولوجية لا أخلاقية, فتعرض هذا الفنان أو الشخصية المشهورة لأزمة ما تجد الحاقدين ينكلون به أفظع تنكيل, ويظهرون على الملأ تشفيهم وانتقامهم، وتتحول مشاعرهم إلى هياج فظ وعواطف لا أخلاقية”.

وتضيف: “ربما الأسباب مادية, وربما سياسية أو إيديولوجية, وربما ثقافية واجتماعية متوارثة, فبعض المجتمعات باطنها منقسم ومنشق بظاهر مغطى بالحرير المخملى, فتربى أبنائها على الانتقام وأخذ الثأر والتشفي بالآخرين, وتوزيع الشماتة بأسلوب سادي ليصل حجم الأحقاد والانتقام إلى إعلان النشوة بشكل مفضوح, فلا بد من تفعيل سياسات تربوية أو إعلامية للوقوف ضد هذه الأمراض القاتلة”.

وتقول، إن ثمة عقليات لا تمتلك الصلاحية للعيش والتعاطف والشراكة بل إنها قد افتقدت منذ زمن طويل حيوية البقاء والتعايش مع بعضها الآخر، إن مجتمعاتنا كلها بحاجة إلى ثورة وتربوية وأخلاقية وحضارية، وأن تزيح العقليات والأمراض التي تفتك بها, لأن الإشكالية الحقيقية ليست فى أعداء الخارج  فهم معروفون ومرصودون ولكن الكارثة الحقيقية فى أعداء الداخل من الجماعات المتطرفة المندسون فى المؤسسات والمدارس والجامعات جاهزون لنفث سمومهم بين أبناء هذا الوطن. ومن وجهة نظرى أن الإنسان السوى لا يضمر أو حتى يتمنى الشر لغيره, فنحن لا نعلم بدواخل النفوس لكى نصدر ضدهم أحكام أو نجلدهم بكلمات تسبب جروج غائرة، ولكى ننهى حالة العداء تلك على الناس أن تلتزم الصمت “ونبطل نعمل شير” حتى لا نجعل للحمقى قيمة.