من الأعماق

السجون والحق فى الحياة

جمال حسين
جمال حسين

قديمًا قالوا «السجن إصلاحٌ وتهذيب»، إلا أن الجميع رفع شعار «السجين رجسٌ من عمل الشيطان فاجتنبوه»، ورفضوا تشغيله وإعادة دمجه فى المجتمع بعد قضائه فترة العقوبة!!  
لم يتحقَّق هدف «الإصلاح والتهذيب»، وكان السجين يخرج أكثر إجرامًا وحقدًا، رافعًا شعار «عاد لينتقم»، وتحوَّلت السجون إلى مفرخةٍ لتخريج عُتاة الإجرام، ولا يخفى على أحدٍ ما حدث عند اقتحام جماعة الإخوان السجون، إبان أحداث ٢٥ يناير، وهروب ٢٣ ألف سجين، عاثوا فى طول البلاد وعرضها فسادًا وإفسادًا، وأحدثوا انفلاتًا أمنيًا، أرادته الجماعة الإرهابية؛ لإسقاط مصر.
الآن تحوَّلت السجون إلى قلاعٍ صناعيةٍ وإنتاجيةٍ، تسْتغل طاقات النُزلاء، وتُعلِّمهم حِرفًا تُحقِّق لهم ولأسرهم عائدًا ماديًا مُجزيًا.. رفعت السجون المصرية شعار «صُنع فى السجن».. ووصلت بعض صناعاتها إلى العالمية، ولم يعد السجين مجرد شخصٍ يقضى عقوبةً داخل محبسه، بل تحوَّل إلى عنصرٍ فاعلٍ فى المجتمع، كما أن هذه الصناعات تعود عليه بالربح؛ لأنه يتقاضى أجرًا شهريًا يُقسَّم إلى ثلاثة أجزاءٍ؛ الأول تحصل عليه أسرته شهريًا، والثانى يُغطِّى نفقاته فى السجن، والثالث يدَّخره لحين انقضاء مدة العقوبة؛ ليُساعده على فتح مشروعٍ صغيرٍ.
ولأن كل شىء بمصرنا الجديدة يتطوَّر إلى الأفضل، كان للسجون نصيبٌ كبيرٌ من هذا التطوير، يتماشى مع حرص الدولة على تحقيق مبادئ حقوق الإنسان، وإطلاق الرئيس السيسى الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، والتى أتبعها مباشرةً بقراره التاريخى بعدم تجديد حالة الطوارئ، وهو ما وضع مصر فى منزلةٍ مُتقدِّمةٍ فى الملفات الحقوقية، وأخرس أبواق جماعة الإخوان والمنظمات الحقوقية المشبوهة.
تابعنا بالأمس القريب افتتاح أكبر مجمَّعٍ للسجون، تم تشييده فى صحراء وادى النطرون على الطراز الأمريكى، خلال ١٠ شهورٍ فقط، على مساحة مليون و700 ألف متر مربع، وهو واحدٌ من 8 مجمعات سيتم إنشاؤها تباعًا.. لقد ضربت الدولة بإنشاء هذا المجمَّع عدة عصافير بحجرٍ واحدٍ، فقد حقَّق السياسة العقابية بمفهومها الحديث، وترتَّب على إنشائه إغلاق ١٢ سجنًا تُشكِّل ٢٥% من عدد السجون فى مصر، كانت صداعًا مُزمنًا وسط الكتلة السكنية؛ من أبرزها سجن الاستئناف بوسط القاهرة، الذى تم إنشاؤه منذ أكثر من مائة عامٍ .. وستتم الاستفادة من قيمة الأراضى المُقامة عليها فى إنشاء المجمَّعات العصرية دون تحميل ميزانية الدولة أى أعباءٍ..
بالتأكيد مصر قطعت شوطًا كبيرًا فى تحسين أوضاع حقوق الإنسان، وفقًا للمعايير الدولية، وأصبحت لدينا سجون آدمية ندعو مَنْ ينتقدونها للنظر إلى ما حدث ويحدث فى سجن جوانتانامو وسجونهم، من انتهاكاتٍ يُندى لها جبين الإنسانية.. غيَّرت وزارة الداخلية الكثير من المفاهيم التى كانت سائدةً .. فوجئنا جميعًا فى حركة الشرطة الأخيرة، التى اعتمدها اللواء محمود توفيق - وزير الداخلية - بتغيير مسمى قطاع السجون إلى قطاع الحماية المجتمعية، وتحوَّل مسمَّى السجين إلى نزيلٍ، وتحويل السجون إلى أماكن لإعادة التأهيل.
اليوم نقول وداعًا لسجونٍ قديمةٍ بحَّت أصواتنا فى المطالبة بإغلاقها ونقلها خارج الكتلة العمرانية؛ هى سجون «استئناف القاهرة - ليمان طرة - القاهرة بطرة - بنها - الإسكندرية - طنطا العمومى - المنصورة - شبين الكوم - الزقازيق- دمنهور القديم - معسكر العمل بالبحيرة - المنيا العمومى».
بالتأكيد السجن سجنٌ ولو كان قصرًا، ندعو الله أن يُبعدنا وأحبابنا عنه.. لكن أن يكون لدينا مؤسسة عقابية وإصلاحية بمقاييس دولية عصرية، أفضل ألف مرة من أن تكون غير آدمية مدمِّرة لنفسية سُجناء هى فى الأساس مُدمَّرة.