واحة الأمن.. بلا طوارئ

أشرف غراب
أشرف غراب

بقلم: أشرف غراب

"ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين".. رسالةٌ ربانيةٌ لم تكن ضربًا من الخيال، أو خلافًا لحقيقة فى شأن أم الدنيا مصر، وكيف لا وقد ضمَّت واحتضنت وآوت رسلاً وأنبياء برسالاتهم، بل إن أغلب الصحابة والتابعين وأولياء الله الصالحين لم يجدوا مكانًا أكثر أمنًا وأمانًا من مصر؛ ليتخذوا منها حصنًا لِما آمنوا به، وسدًا منيعًا لمعتقداتهم، فنشروها بحريةٍ تامةٍ دون اعتراضٍ، حتى إن منهم من أقام فيها حتى وفاته، ومنهم من رحل لغيرها بحثًا عن الأفضل فلم يجد، وسرعان ما عاد لربوعها زحفًا طمعًا فى الأمان، وكأن الاحتواء كله لم يُخلق إلا فى أرض السماء مصر..
إن وطن الأزهر والكنيسة يمرض لكن لا يموت، مقولة يُردِّدها كثيرٌ من الناس، تدل على أن العناية الإلهية تحتاط أرض الوسطية برعايةٍ خاصةٍ، فهى التى حفظت الدين بوسطيته السمحاء التى ليس فيها تشدُّد أو عنف، وهى التى يأتى إليها سكان العالم وافدين لتلقى العلم والعلوم فى جميع المجالات، ويستقى منها الجميع كيفية التعايش مع الآخر واحترام مذهبه ولونه وعِرقه وانتمائه، ويعرفون عن قُرب ويرون مدى تلاحم النسيج الوطنى الفريد الذى وُلد فيها ونبت، وأن المسلم والمسيحى هنا على ترابها أخٌ يمسك بيد أخيه، يشد إليه شدًا فى الفرح والحزن، واليسر والعسر، والسراء والضراء، وفى الذود عن عرين الوطن ومقدساته، يختلط دماؤهما الزكى فداءً لترابه الطاهر..

فى النكبات أعطت أم الدنيا دروسًا للعالم فى الاحتضان، وأنها الكبيرة التى تعرف واجبها نحو الإنسانية، فمدت سواعدها تتكاتف فى الأزمات والمحن، تُعين من أرَّقته الحياة بخيراتها فتأخذ بيده، وتنصر بمواقفها المُشرِّفة المظلوم والمغلوب على أمره، وترفض التعصُّب الأعمى والعنصرية البغيضة، وتُجنِّب البلاد والعباد التطرُّف والإرهاب وتُقاومه نيابةً عن البشرية، وتضم اللاجئ والزائر والعابر، وتُعالج المعتل وإن لم يكن من أهلها، لأنها مصر لا غيرها..

بالأمس أصدر زعيم مصر ورئيسها الرئيس عبدالفتاح السيسى قرارًا بإلغاء مد حالة الطوارئ بالبلاد، وهو ما أسعد جميع المصريين وجعلوه احتفالًا واحتفاءً بالاستقرار منقطع النظير الذى تحياه مصرنا حاليًا، سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا وسياحيًا، وهو نتاج جهدٍ وعرقٍ وكدٍ وكفاحٍ مجتمعىٍّ مُتعاضد مُتكاتف، الكل بشهادة الرئيس السيسى قدَّم ملحمةً وطنيةً مشرِّفةً فى حُب الوطن، كان على رأسهم شهداء الواجب من الجيش والشرطة، الذين أشاد بتضحياتهم الرئيس نفسه، وكرَّم أسماءهم وذويهم وخصَّهم بالذكر بأنهم فى رعاية الدولة وعنايتها، وأنه لا يُمكن أن تنسى مصر شرفاءها الذين منحوها الأمن والاستقرار بدمائهم، ولم يتوانى الرئيس لحظةً فى إسعاد المصريين باتخاذه القرارات التى انتظروها طويلاً، كان منها الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، التى جاء قراره الأخير بإلغاء مد حالة الطوارئ نتاجًا لها، وثمارًا من ثمارها.
إن قرار الرئيس بإلغاء مد حالة الطوارئ له مردود إيجابى كبير على جميع المستويات، فعلى المستوى السياسى، حيث مصر الآن تعيش أزهى عصور الحرية والكرامة، وصوتها يصل لكل الأرجاء حرًا طليقًا دون قيودٍ أو شروط، وتتمتع بمصداقيةٍ وشفافية واضحتين فى تعاملها مع مواطنيها، وتنعم بما يفتقده غيرها من بلدانٍ كثيرةٍ حولها أو بعيدةٍ عنها، أما على المستوى الاقتصادى، فليس غريبًا على أحفاد الفراعنة وزعمائها ما شيَّدوه فى أقل من سبع سنوات من منشآت ومدن ومصانع وطرق وكبارى، وهم الذين حفر أجدادهم قناةً تُعد شريان حياة العالم ومنفذه، وبنوا سدًا يُضىء بطاقته بلدانًا كانت مُظلمةً بأكملها، وأهرامات يقصدها وفودٌ عربية وأجنبية يوميًا من كل الأرجاء والبلدان.

يتراءى لى أن مردود القرار سياحيًا سيكون الأوسع والأكثر حيويةً، فمصر باتت بهذا القرار مقصدًا وحيدًا آمنًا للراحة وقضاء المتعة، ونسيان منغصات الحياة للجميع، داخليًا وخارجيًا، وسوف تشهد أرضها زوارًا يفدون إليها مُهللين سعداء بوجود قِبلتهم التى يرجونها منذ زمنٍ، بعد أن أطبق فيروس كورونا منافذ الحياة فى أنحاء الأرض، وجعلهم محبوسين فى منازلهم لعامين ويزيد، أما اجتماعيًا فالأفراح مقامةٌ بين الناس وعلى الوجوه، ومَنْ يُطالع السوشيال ميديا ويرى التعليقات على القرار، يشعر بالعُرس الوطنى الكبير الذى نعيشه الآن، أما من الناحية الاستثمارية، فقد نرى عروضًا بالجملة، وطلبات لا تنتهى، والبوصلة سوف تتجه برمتها إلى هنا، فالأرض ممهدةٌ لأى مستثمر أن يُمارس نشاطه فى أمنٍ وطمأنينةٍ، ودون خوفٍ على ماله وبلا تعقيدات، فآن لمصر أن تضع قدمًا وتُعلن عن نفسها من جديد، فى الجمهورية الجديدة بقيادة زعيمها الشريف الرئيس عبدالفتاح السيسى.

ومن مكتسبات القرار على الشعب المصرى أيضًا، إلغاء جميع الإجراءات والمحاكمات الاستثنائية أمام محاكم أمن الدولة طوارئ، وعودة المحاكم لطبيعتها متبعة قانون العقوبات والإجراءات الجنائية المعمول به حالياً، وإلغاء الرقابة على كل وسائل التعبير والدوريات والمطبوعات أو مصادرتها، ومن ثمَّ رفع القيود عن حرية الأشخاص فى الاجتماع والانتقال، والكثير من القيود التى كان يتطلبها قانون الطوارئ والتى كانت تمثل عقبة أمام المواطن، وعبئًا على كاهله، فبوقف مد سريان القانون تكن مساحة الحرية واسعة وشاسعة ومبشِّرة خلال الفترة المقبلة، لزيادة المكتسبات، وأن الدولة جنباً إلى جنب لراحة المواطن وقلباً وقالباً مع حريته.
لو كان لسانى يُتقن الشعر لنسجته، وصنعت أبياتًا تتغنى بحب مصر، وتقول ما يجيش بمكنون صدرى عما أشعر به اليوم، وأنا أرى بلدى تُعطى دروسًا للكل فى الحضارة والعراقة والمدنية الحقَّة، التى حلمنا ويحلم بها كثيرٌ غيرنا، وأُقدم تحيةً عطرةً اقتداءً بزعيم مصر ورئيسها لشهداء الوطن، الذين أعطونا الراية مرفوعةً تُرفرف بالاستقرار على أرضنا، وإن كانت على حسابهم وذويهم، لكن أبدًا لن ننساهم أو ننسى صنيعهم، حمى الله مصر وشعبها من كل مكروهٍ وسوء، وعاشت المحروسة دائمًا آمنةً مُستقرة.