تقرير يكتبه: عمرو فاروق
من الوهلة الأولى يدرك المتابعون لكتابات حسن البنا، وأفكاره، أن هناك اختلافا كبيرا بين مفردات كتاب "الرسائل" الذي يعد دستورا فكريا للإخوان، وبين مذكرات حسن البنا، التي كتبها وسجلها تحت عنوان "مذكرات الدعوة والداعية".
فالبنا بطبيعته لم يكن صاحب تكوين فكري أوفقهي، بقدر ما كان صاحب منهج حركي ورؤية تنظيمية، ساعدت في نشر فروع الجماعة في مختلف المناطق سواء داخل مصر وخارجها.
الحقيقية الغائبة هي أن "الرسائل"، المنسوبة لمؤسس للإخوان، وضمتها قيادات الجماعة في كتاب أطلقت عليه "الرسائل"، ليست من تأليف البنا ولم يسطرها بخط يديه، وإن كانت تحمل في مجملها أفكار حسن البنا.
فوفقًا لأحد قيادات التنظيم الخاص، أكد أن رسائل البنا التي طبعت في كتاب"الرسائل"، الذي يعد أخطر الكتب الفكرية للتنظيم، لم تكن من تأليف البنا، ولم يكتب منها كلمة واحدة، وإن كانت تحمل في مضمونها أفكاره وأراه.
فالمدقق يرى أن اللغة التي كتبت بها رسائل البنا، هي لغة أدبية، وتختلف بشكل كبير جدًا، عن اللغة التي كتب بها البنا كتابه الوحيد وتضمن مذكراته الشخصية وأطلق عليها "مذكرات الدعوة والداعية، فالبنا كان ذات شخصية عصبية حادة جدًا، وأفكاره تحمل توجيهًا عنيفا ومحرضًا لمشاعر الأجيال الشبابية، ومن ثم لايمكن أن تخرج الرسائل التي تم صياغتها بهذا الشكل الأدبي الهادئ.
إذن مَن كَتبَ رسائل البنا؟، ومن اختار بعضها وضمها في كتاب، لتكون بمثابة مرجعية لشباب الإخوان؟، ولماذا تم اختيار تلك الرسائل تحديدا؟، رغم أن البنا له أكثر من 400 رسالة لم يسجل أي منها في كتاب، ولم تنشر على الرأي العام، ولم تتضمنها كتب الإخوان بشكل عام.
الكثير من الشواهد تشير إلى أن غالبية الرسائل القاها البنا، في المؤتمرات والندوات الإخوانية، التي كان ينظمها لنشر أرائه وأفكاره، ويحضرها أعدد كبيرة من الشباب، أو المنشورة في مجلات الإخوان، والتي تنوعت بين المراوغة الفكرية والسياسية، وحمل بعضها فكرة مهادنة الدولة، أو لجأت لصياغة التهديد، أوحملت في طياتها مباديء الجاهلية وأفكار التكفير، أو طرق مواجهة النظم السياسية بالقوة والسلاح، هي من صناعة عدد من قيادات الإخوان خلال تلك المرحلة.
بعض هذه الرسائل صاغ مفرداتها وكتبها قبل أن يلقيها البنا، الشيخ أحمد حسن الباقوري، والشيخ محمد الغزالي، والشيخ سيد سابق، وأحمد السكري، والدكتور عبدالعزيز كامل، ومحمود عبد الحليم، أول مؤرخ لتاريخ الجماعة، وصاحب موسوعة "الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ"، وبعض قيادات النظام الخاص، إضافة للشيخ الشعراوي رحمه الله، خلال المرحلة التي مكث فيها داخل الإخوان قبل أن يعلن استقالته.
وفقًا لما ورد في كتاب "الشعراوي الذي لا نعرفه" الصادر عن أخبار اليوم، عام 1995، أن الشيخ الشعراوي، اعترف أنه كتب بخط يده أول منشور تصدره الإخوان، وأرسله للشيخ الباقوري الذي أثني عليه واعتمده لتوزيعه على أعضائها، ليعلق عليه الباقورى حينها: "هو حد يقدر يقول بعدك حاجة يا شعراوى، ومن ينسى مواقفك العظيمة، وما تقوله في الأزهر".
فهناك عرف مازل موجودا على مدار تاريخ الجماعة، هو أن "رسائل مرشدي الإخوان"، الموجهة للرأي العام ولشباب الجماعة، سواء المكتوبة أو المقرؤة، لم يكتبها أي من المرشدين أنفسهم، لكنها كانت مسؤولية قيادات اللجنة السياسية واللجنة الإعلامية، شريطة أن تحمل الفكرة المراد توصيلها للرأي العام.
خاصة أن غالبية مرشدي الإخوان ليسوا من ذوي الفصاحة اللغوية، ولم يكونوا مؤهلين لكتابة خطاب إعلامي متوازن يعبر عن توجهات الجماعة وقياداتها، لاسيما صقور التيار القطبي المهيمن على السلطة الفعلية للتنظيم.
فرسالة "التعليم" التي تعتبر أهم الرسائل التي يتم تدريسها داخل الأسر والكتائب الإخوانية، هناك تشكك صريح من أن حسن البنا هو من قام بصياغتها في شكلها النهائي، لاسيما أنها تحمل في طياتها المنهج التربوي للجماعة.
رسائل البنا التي تم اختيارها وتجميعها في كتاب"الرسائل"، اعتمدت من قبل مكتب الإرشاد، ومن قبل مسؤولي اللجان التربوية المعنية بالأسر والكتائب التأهيلية داخل الإخوان، منتصف مرحلة السبعينات من القرن الماضي، إبان عهد المرشد الثالث عمر التلمساني، وهي المرحلة التي اتسمت بنوع من المهادنة بين الجماعة والدولة المصرية، في ظل الصفقة التي عقدت بين الإخوان والرئيس الراحل أنور السادات، بهدف تمكين الجماعة من الشارع المصري، للقضاء على الحركة الشيوعية واليسارية.
ومن ثم حاولت الجماعة وقتها طرح أفكارها بشكل يميل إلى التخلي عن العنف، واستخدام القوة، والتراجع عن مشروع "التنظيم الخاص"، أمام الرأي العام، فاختارت عددًا من رسائل البنا التي لا تُظهر بشكل واضح الدعوة للعنف.
أخفت الجماعة عددًا من الرسائل المباشرة، أو ما يعرف بالرسائل السرية الـ(5) التي وضعها "البنّا" لعناصر التنظم السري الخاص، ولا يعرفها أحد مضمونها بشكل حقيقي، وهي ليست كرسائل "التعاليم" و"الجهاد" التي تتضمن أفكاره، لكنها خطط ومراحل للوصول إلى مشروع دولة الخلافة الإسلامية، وأستاذية العالم.
ومن ثم عمدت الجماعة إلى إخفاء رسائل البنا، التي تحمل التوجهات الثورية وتدعو للقوة المسلحة، والسيطرة على مفاصل الدولة بشكل صريح، واستخدمت مكانها الرسائل الشفهية، التي يتم بثها في مستويات تربوية وتنظيمية معينة، كنوع من التقية السياسية، لاسيما أن غالبية الرسائل المكتوبة أو المنشورة تصل بشكل مباشر أو غير مباشر للأجهزة الأمنية، فوضعت الجماعة من باب الاحتياطات الأمنية فكرة الرسائل غير المكتوبة، ذات التوجه غير المعلن، وأطلقت عليها "الرسائل الحركية".
كان الإخوان في عهد حسن البنا، قد أسسوا إذاعة خاصة، اطلقوا عليها إذاعة "الإخوان المسلمين"، وقت أن كان الأمر متاحًا للجميع قبل تقيده حفاظا على الأمن القومي المصري، وبثت هذه الإذاعة الكثير من "رسائل البنا" التي لم يتم تدوينها، لكنها مسجلة وتم اخفاء هذه الشرائط، عن القواعد التنظيمية، وعن الرأي العام حتى لاتمثل اعترافا صريحا لاعتناق البنا لفكر التكفير واستخدام السلاح والقوة في مواجهة الدولة ونشر أفكاره عن طريق العنف.
وعندما أسست الجماعة موقع "ويكيبديا الإخوان"، حذفت وتجاهلت الكثير من الرسائل والمقالات الخاصة بمؤسس التنظيم حسن البنا، نظرًا لما حملته من لغط حولها داخل الجماعة، خاصة مقاله الشهير عن هتلر، والتي تحدث فيها عن إراداته وقوته، كما أن غالبية الرسائل التي تم إخفائها معنية بالتربية العسكرية داخل "التنظيم السري"، ولم تكن موجهة للأُسر والشُعب، الأمر الذي دفع قيادات جبهة"الكماليون" للبحث عن أكثر من 300 رسالة لم تصل إلى أيديهم، وتم إخفاؤها بشكل مقصود ومتعمد عن القواعد التنظيمية الشبابية، رغبة في عدم التشهير بحسن البنا، لاسيما أنها تحمل إدانة واضحة له بالتكفير، وبعضها يناقض المبادئ والأسس التي قامت عليها الجماعة.
واعتبرت جبهة"الكماليون"، أن القيادات التاريخية تهاونت بشكل كبير فيما تركه البنا، وحاولت اخفاء الكثير من معالم أفكاره وأطروحاته خلال مرحلة الثلاثينات والأربعينات من تاريخ الجماعة، وما سطره البنا بيده في العديد من المخطوطات وسجل بها ارائه وطريقة المواجهات المسلحة، لاسيما فيما يخص شكل التنظيم السري الخاص، خاصة أنه آمن بنظرية المواجهة والقوة المؤجلة.
كما أن كتاب المأثورات و"ورد الرابطة"، المنسوب للبنا، ما هو إلا مقتطفات من أذكار الطريقة الحصافية التي انتمى لها البنا في بداية حياته، وبعضا من أوراد الشيخ حسنين الحصافي، الذي كان له موقف حاد من حسن البنا وأفكاره.