ريان الشرقية.. استولى على مليار جنيـه من 4 آلاف موظـف

المتهم
المتهم

إسلام عبدالخالق

«يعيش النصاب على قفا الطماع».. عبارة شعبية دارجة قيلت قبل عشرات السنون لضرب المثل بأن طرق النصب والاحتيال دائمًا ما تكُون مفروشة بأصحاب النوايا الطيبة والطامعة أحيانًا في الكثير من المال، وهوّ ما حدث مع السواد الأعظم من ضحايا واحد من أشهر النصابين والمحتالين الذي اختار واجهة التدين ستارًا له ليعيث في الأرض فسادًا ويتحول بين عشيةٍ وضحاها إلى واحد من أباطرة النصب والاحتيال، حتى نال وصف «ريان الشرقية الجديد»، بعدما تمكن من الاستيلاء دون وجه حق على مئات الملايين من الجنيهات من ضحاياه الذين يصعب استدراجهم أو حتى إخراج ما في جيوبهم، لكن «النصاب» هنا احتال وأوجد شبكة تتودد إلى هؤلاء الضحايا لتوقع بهم وتجعل لعاب الطمع يسيل في أذهانهم لأجل الحصول على نسبة ربح تفوق أضعاف ما قد يحصلون عليها من البنوك، وإلى التفاصيل.

 

يقول وليد رشاد، أحد ضحايا المتهم المشهور باسم «الشيخ حسني»، إن الأخير نصب عليه وتحصل منه على مبلغ مليون وخمسمائة ألف جنيه، وذلك من شهر سبتمبر من العام الماضي؛ بعدما أوهمه بأنه سيجعل له عقد شراكة في مدرسة يُشيدها بمركز ومدينة ديرب نجم، على ألا تقل قيمة الأرباح عن 45% من القيمة الإجمالية للمبلغ الذي دفعه، وهوّ ما لم يحدث، إذ تهرب المتهم منه وهرب بعدها بنحو أسبوعين ليُغادر المدينة.

وليد أوضح لـ«أخبار الحوادث»، أنه ذهب فور ذلك إلى مركز شرطة ديرب نجم وحرر وغيره عدة محاضر يتهمون فيها المدعو «حسني.ع.أ.ش» وشهرته «الشيخ حسني» 52 سنة، مُدرس متفرغ، مُقيم بمركز ديرب نجم، بالنصب عليهم في مبالغ مالية تصل إلى مليار جنيه، بدعوى توظيفها لهم مقابل اعطائهم 50% من قيمة الأرباح، قبل أن يختفي منذ شهر، في محاولة للهروب خارج البلاد، لكن الأجهزة الأمنية ألقت القبض على المتهم، المفاجأة أن المودعين (الضحايا) تنازل عدد كبير منهم عن الاتهام لأجل أن يخرج المتهم ويُسدد لهم أموالهم ولو حتى على دفعات.

«بعد ما خرج- والكلام على لسان وليد أحد الضحايا- قال لنا إن المبالغ أكثر من مليار جنيه واعطانا مهلة شهر لكنه لم يسدد».. مؤكدًا على أنه وعدد كبير من الضحايا عرفوا فيما بعد أن الممتلكات الخاصة بـ«الشيخ حسني» لا تصل إلى عُشر الأموال التي نُصب عليهم فيها، وأنه قد تنازل عن أغلب ممتلكاته وباعاها (على الورق) لأقاربه وأهله.

وليد أكد أن المتهم دائمًا ما كان يزعم أنه يُتاجر للناس في أموالهم طيلة سنوات طويلة، لكن ما تأكد منه الضحايا أن تلك الفترة أيضًا كانت فترة نصب طويلة الأمد، مضيفًا أن المتهم كان «يزود» للناس قيمة الشيكات دون إعطائهم نقود، وإذا ما أعطى أحدًا منهم فوائد فإنها تُمثل جزءًا ضئيلا جدًا من إجمالي المبلغ الذي أودعه لديه، وفي سبيل ذلك كون تشكيلًا عصابيًا لإدارة أموال ضحاياه، وفي سبيل ذلك استباح واستغل طيبة الناس وأغراهم لأجل النصب عليهم وأخذ أموالهم.

يلتقط أطراف الحديث أحد الضحايا، ويُدعى محمد عبدالفتاح عامر، موظف بقطاع الضرائب، وهوّ من أصدقاء المتهم ممن يعرفون طفولته وحياته منذ بدايته، ليؤكد؛ على أن «الشيخ حسني» كان صديقًا شخصيًا وزميل دراسة له، وأنه في بدايته كان إنسانا بسيطا مُعدمًا وهوّ أول من اخترع «البخت»، قبل أن يوضح: كان بيحط شلن و5 تعريفة في ورق ويصدر للناس أنهم هيكسبوا، وبعدها بدأ يتاجر في الجرائد الطبعة اللي قبلها بيوم، لغاية ما قدر يكسب ثقة الناس وواحدة واحدة بقى نصاب كبير.

وأشار عامر، في حديثه لـ«أخبار الحوادث»، إلى أنه طيلة 11 عامًا كان عدد من المقربين من حسني يتحايلون عليه لأجل أن يودع أمواله لدى «الشيخ»، قبل أن يضيف: عنده سماسرة له وبياخدوا نسبة 10 آلاف جنيه على كل 100 ألف يتم دفعها له علشان يشغلهم له، قبل أن يؤكد أن عددا من أولئك السماسرة وأقارب المتهم استغلوا فترة مروره بظروف مرضية وأقنعوه، ومع الضغوط رضخ لهم، وحين أبدى تخوفه من أن تكون تلك النسبة المزعومة التي يُعطيها «الشيخ حسني» له حرام، أكدوا له أنه حلال الحلال وأن الفائدة تصل إلى 50% بصورة شهرية، وتحصلوا على 360 ألف جنيه منه، لكن الاتفاق هدم في الشهر الأول؛ إذ تحصل فقط على نصف القيمة المتفق عليها، وبعدها تمكن المتهم من النصب على أشقائه في مبلغ مليون وسبعمائة ألف جنيه، ليصل إجمالي المبالغ التي تحصل عليها المتهم منه ومن أشقائه وأبناء عمومته إلى 3 ملايين و745 ألف جنيه، وبعدها هرب المتهم منهم إلى محافظة بور سعيد، ومنها إلى منطقة شبرا بمحافظة القاهرة، وهناك تمكن «عامر» من الإمساك به، لكن المتهم استنجد بأهل المنطقة بدعوى أنه يحاول إجباره على توقيع إيصالات أمانة، وهرب بعدها حتى تم إلقاء القبض عليه، لكنه خرج من السجن رغم اتهامه في عدد من القضايا.

ضحية أخرى يُدعى الحاج صلاح، عمدة قرية صافور، أكد أنه كان من بين المتعاطفين مع المتهم في البداية، حيث أقرضه مبلغا تخطى 350 ألف جنيه لأجل سداد قيمة المستحقات الشهرية للمودعين، لكن تبين فيما بعد أن الأمر كان عبارة عن عملية نصب مكتملة الأركان، وأن إجمالي المبالغ وصلت إلى نحو مليار جنيه، فيما تخطى عدد الضحايا 4 آلاف ضحية من موظفين وطبقات مختلفة.

ممدوح كامل، ساقه الحظ العثر لأن يكون من بين الضحايا بعدما تخطت سنوات عمره الستون عامًا وخرج على المعاش، لينتهي به الأمر وقد تركته زوجته وطلبت الانفصال عنه بعدما بات لا يجد نفقات تُعينه على تحمل عناء المعيشة، ليؤكد لـ«أخبار الحوادث» أن ما عاناه أمرا لم يخطر يومًا على باله.

ممدوح سرد لـ«أخبار الحوادث» كواليس ما عاناه، منوهًا بأنه قد دفع لـ«الشيخ حسني» مبلغ 170 ألف جنيه قبل أكثر من عامين، ومن وقتها لم يتحصل على أية نقود تُذكر، حتى أن زوجته قد اختلفت معه لينتهي الأمر بانفصالهما بعدما ضاقت سُبل العيش وضاع كل ما يملكانه من نقود، قبل أن يبعث برسالة استغاثة هوّ والعشرات غيره من المجني عليهم إلى المسؤولين، وكلهم آمال أن يجدوا يد العون التي تُقدر أنهم ضحايا وأن «النصاب» لا بُد وأن يلقى عقابه.

وقبل ساعات، توجه العشرات من المجني عليهم إلى مركز شرطة ديرب نجم، وحرروا بلاغًا رسميًا جديدًا يتهمون خلاله المتهم بالنصب عليهم والتحصل على أموال قُدرت بعشرات الملايين بعدما أقنعهم بالحصول على فائدة تصل إلى 50% من إجمالي المبالغ التي أودعونها لديه، وقدم كل من المجني عليهم أصل وصورة إيصال الأمانة الذي تحصل عليه ممهورًا بتوقيع المتهم «حسني.ع.أ.ش» وشهرته «الشيخ حسني»، وتحرر عن ذلك المحضر رقم 7040 إداري مركز شرطة ديرب نجم لسنة 2021، وأخطرت النيابة العامة لمباشرة التحقيقات.