وصلت الجبهة صباح الأحد السابع من أكتوبر، وحتي الرابع عشر منه تواجدت يوميا. كان سؤالي المتكرر لقادة الفرق والألوية والتشكيلات ماذا ننتظر؟ لماذا لا تتقدم القوات؟ كان مسرح العمليات في سيناء خاليا تقريبا والجهد العسكري الرئيسي موجها إلي الجبهة السورية، لماذا تقف هذه القوات الضخمة في هذا الحيز الضيق من رؤوس الكباري. اسئلة حائرة.. الحالة المعنوية الرفيعة الاستثنائية التي مازلت اذكرها واعتبرها من أغلي لحظات عمري كانت كفيلة بوصول الجيش إلي الحدود الدولية. علي الأقل إلي المضايق الجبلية ومن يتحكم فيها يسيطر علي سيناء. لماذا توقف الجيش؟ لماذا طالت الوقفة التعبوية؟ كنت في مسرح العمليات، ولم يكن لدي الا التساؤلات، هنا اذكر ما كتبه الاستاذ محمد حسنين هيكل في كتابه الهام »اكتوبر السلاح والسياسية»‬. انه رغم قربه من مركز القرار ومن السادات، كان يشعر بشيء خفي يجري، وكما كشفت الوثائق التي حصل عليها وضمنها الكتاب أن ثمة اتصالات بين السادات وكيسنجر، هنا السؤال، هل كان قادة الجيش يعلمون بهذه الاتصالات؟ هل أحاطهم السادات بالبرقية الخطيرة والتي يعترف من ارسلها، حافظ إسماعيل بخطورتها في كتابه؟ بالقطع لا، كان السادات يعمل في اتجاه وقيادة الجيش في اتجاه آخر، كان الجيش يتدرب ويحشد الدولة والشعب من ورائه من أجل التحرير الكامل، وكان السادات الذي اضطر إلي اتخاذ قرار الحرب تحت ضغط الشعب والجيش يتصل ويعمل في إطار الرؤية الأمريكية للصراع ولم يقتصر ذلك بعد الحرب علي الصراع العسكري. بل امتد إلي سائر نواحي الحياة. في الاقتصاد والتعليم وجميع المجالات. يوم السادس عشر من أكتوبر خرج الرئيس السادات من مقر وزارة الدفاع في كوبري القبة قاصدا مجلس الشعب مرتديا زي المارشال، كنت في العربة التي تقل الصحفيين خلفه مباشرة. ابدي الصحفي المخضرم عبدالستار الطويلة ملاحظة حول الحشود التي وقفت علي جانبي الطريق ولم تكن كثيفة، قال: الناس تشعر ان النصر غير مكتمل، وقف الرئيس السادات في مجلس الشعب ليلقي خطابا عن شروط التسوية من وجهة نظره، وكان غريبا ان يلقي الرئيس مثل هذا الخطاب في وقت كان جيشه يخوض أشرس المعارك في الجبهة خاصة في قطاع الفرقة السادسة عشرة، فبعد ان كشف لكيسنجر نصير إسرائيل حتي الآن في برقيته المشئومة هدف مصر الاستراتيجي، بدأت الهجمات الاسرائيلية المضادة العنيفة التي قادها شارون، وفي نفس اللحظة التي كان السادات يلقي فيها الخطاب من مجلس الشعب كان ايريل شارون يرتكب المجازر بعد عبوره إلي غرب القناة وكان هدفه الأول تدمير وحدات الدفاع الجوي لفتح ثغرة في أهم منظومة دفاع جوي في التاريخ العسكري الحديث. هنا يجب التوقف امام شهادتين خطيرتين، لحافظ إسماعيل ومحمد حسنين هيكل.