على هامش الاشتباكات .. الميليشيات (أم المشاكل) فى لبنان

مشهد من اشتباكات الخميس الماضى فى العاصمة بيروت
مشهد من اشتباكات الخميس الماضى فى العاصمة بيروت

يبدو أن نجاح الحكومة اللبنانية فى احتواء الأزمة الأخيرة والعبور بالبلد إلى بر الأمان بعد كل ما جرى فى العاصمة بيروت يوم الخميس الماضى أمر صعب، وإن كان ليس مستحيلًا بفعل الضغوط الدولية على الفرقاء اللبنانيين أو المخاوف من انفلات الأمور والعودة من جديد إلى أيام الحرب الأهلية السوداء فى عام ١٩٧٥.
وحقيقة الأمر أن لبنان يعيش تداعيات الأزمة الأخيرة والتى بدأت فى أغسطس قبل الماضى بعد انفجار مرفأ بيروت والذى تسبب فى مقتل ٢١٤ وإصابة حوالى ٦٥٠٠ شخص والذى تحول إلى قضية دولية، حيث عاشت الدولة (سنة كبيسة)، واتخذت الأوضاع مسارين؛ الأول (أزمة سياسية) والثانى (محاولات تسييس التحقيق القضائى) الذى مثل مطلبًا لبنانيًا ودوليًا للكشف عن المتورطين. ومن الناحية السياسية عجزت الطبقة الحاكمة عن التوصل إلى رئيس للوزراء بعد التدخل الفرنسى المكشوف بزيارة ماكرون لبيروت مرتين خلال حوالى شهر، داعيًا إلى تغيير طبيعة النظام اللبنانى برمته مع تظاهرات شعبية لبنانية حملت الطبقة السياسية مسئولية ما يحدث ليقدم رئيس الوزراء حسان دياب استقالته، ليتم تكليف سفير لبنان فى ألمانيا مصطفى أديب بتشكيل الحكومة الجديدة بالوزارة والذى لم يستطع تمريرها ليتم العودة إلى خيار سعد الحريرى من جديد، وعاشت لبنان حالة مناكفات سياسية بينه وبين رئيس الجمهورية إميل لحود وحالة عدم انسجام دفعته إلى التخلى عن تكليفه بالوزارة بعد تسعة أشهر من التكليف لينفتح الطريق أمام نجيب ميقاتى، ولعل المسار القضائى للأزمة هو الأهم، حيث اتهم قاضى التحقيق رئيس الحكومة حسان دياب وثلاثة من الوزراء بتهمة الإهمال والتقصير، ليتم تنحيته وتعيين قاضٍ جديد، طارق بيطار، وطلب استجواب رئيس الوزراء وعدد من كبار المسئولين الأمنيين ونواب للتحقيق مما أثار لغطًا ورفضًا من مجلس النواب ومن حزب الله الذى شعر بأن استمرار التحقيقات ستنتهى باتهامه عن استيراد تلك الشحنة من المواد المتفجرة وتخزينها فى ميناء بيروت، فبدأت المطالبات بعزله بتهمة محاولة تسييس القضية وعجز مجلس الوزراء عن حسم أمر العزل باعتباره لا يملك هذه الصلاحية، حيث تطورات الأمور إلى مواجهات الخميس الماضى.
وحقيقة الأمر أن كل ذلك تفاصيل تبعد كل منصف عن حقيقة الأزمة وجوهرها والتعاطى معها لعودة لبنان إلى أمنه واستقراره ونتوقف عند سببين؛ الأول وجود ميليشيات تمثل أجنحة عسكرية لأحزاب ذات تفرض نفوذاً واسعاً على قرار الدولة، وتنهى فكرة أن يقتصر وجود السلاح بيد الجيش وقوى الأمن والنموذج الأكبر هو حزب الله والذى تحول من حزب مقاوم لإسرائيل إلى امتلاك استراتيجية كثيرًا ما تتعارض مع سياسات الدولة، والذى أصبح يملك قدرات عسكرية تتوازى مع الجيش اللبنانى، مقارنة بما كان عليه فى سنوات الحرب الأهلية التى استمرت خمسة عشر عامًا، وانتهت عام ١٩٩٠، ولعل مطلب حل الميليشيات سواء حزب الله أو غيرها بعد أن أظهرت الأحداث الأخيرة وجود سلاح يملكه حزب الكتائب شارك فى المواجهات، أما السبب الثانى فهو المحاصصة السياسية القائمة على الطائفية، حيث يوجد هناك ١٨ مذهبًا معترفًا به، ١٢مسيحيا، وخمس إسلامية وأقلية يهودية لم تعد موجودة وتفرض تلك التركيبة أن يكون الرئيس للموارنة والمجلس النيابى للشيعة ورئاسة الوزراء للسُنة مما يخلق لدى اللبنانى تكريس الانتماء للطائفة بعيدًا عن الشعور بالوطن.