مع احترامى

حكايتى مع نصر أكتوبر

فرج  أبو العز
فرج أبو العز

أعتبر نفسى وكثير من أبناء جيلى الذين كانوا صغارا وعايشوا انكسار كبارهم من نكسة 1967 كأنهم ولدوا من جديد مع انتصار السادس من أكتوبر المجيد الذى أعاد لهم روح العزة والكرامة عندما سقطت أسطورة الجيش الإسرائيلى الذى لا يقهر على أيدى أبطال مصر البواسل خلال ست ساعات.
عشت انكسار النكسة فى سن مبكرة على المستويين العام والخاص.. الانكسار العام شعر به كل أبناء مصر صغيرهم وكبيرهم وجاء نصر أكتوبر بمثابة عودة الروح للجميع.. أما الانكسار الشخصى الذى عايشته عندما غابت روح شقيقى الأكبر الشهيد مصيلحى أبو العز مصيلحى وكان بالنسبة لى الأخ الأكبر والأب حيث كان يتقاذفى على يديه وأنا صغير وكنت أنتظره بشغف حلوى السمسمية والحمصية الذى كان يحضرها لى يوميا.
لم أكن أعرف معنى الحرب ولا معنى الهزيمة والانتصار لكن غياب أخى أثر على طفولتى التى لم أعشها وسط أحزان استمرت لأكثر من ست سنوات حتى جاء انتصار أكتوبر المجيد.. طوال تلك السنوات ظلت دموعى متحجرة لا أعرف ما يدور حولى وأبى وأمى يتنقلون من محافظة لأخرى لاستشراف أمر شقيقى الغائب.. وتماما مثل حكايات الغريب جولات مريرة عاشها أبى وأمى بين المحافظات بين زملائه فى السلاح يسألون عنه فمنهم من قال إنه رآه لآخر مرة فى القنطرة شرق وآخر يؤكد أنه كان معه فى رفح وثالث يقسم بأغلظ الأيمانات أنه كان معه أسيرا فى سجون العدو الذى لا يرحم وأنه أثناء الأسر طلب منه الضابط الإسرائيلى اللعين أن يسب مصر فإذا به يفاجئهم بتحيا مصر تحيا مصر لينهال عليه الرصاص من كل صوب وحدب.. بين الأمل والرجاء وانتظار المجهول عشت طفولتى وبعد أربع سنوات من غياب شقيقى المفقود اعتبر شهيدا لتهدأ حمى البحث قليلا والرضاء بالمقسوم فهو عند ربه شهيد دفع حياته ثمنا للأرض والعرض.. ذهب شقيقى الشهيد إلى المعركة مصدقا لأكاذيب سبقت حرب 1967 لدرجة أنه قال لأبيه وأمه إنه ذاهب إلى رحلة لتل أبيب فإذا بها رحلة للجنة مع الشهداء والصديقين.. صدق إنها فركة كعب ومع قرار الانسحاب العشوائى انفرط العقد وكانت النتيجة فقدان مصر 11 ألف شهيد من خيرة أبنائها.
الدرس كان قاسيا لكن إرادة المصريين كانت أشد وأعظم مع جهود إعادة بناء الجيش وتنظيمه انتظارا للثأر لدماء الشهداء الزكية واسترداد الأرض وقبلهما وسام العزة والكرامة لمصر وشعبها.. أبلغ ما فى الدرس الأليم هو طرد العشوائية للأبد والتفكير والتخطيط الدقيق والإعداد الجيد والأهم من ذلك كله الخداع الاستراتيجى الذى نجح فيه باقتدار الرئيس الراحل محمد أنور السادات وقيادات الجيش ليخوض أبناء مصر معركة الكرامة ويحققون الانتصار العظيم رغم الموانع التى صنعها العدو وتقدم أسلحته وعتاده إلا أن روح المصريين أبت أن تستكين إلا بعد أن لقنوا العدو درسا لا ينساه حيث لاتزال خطط حرب أكتوبر تدرس فى أرقى الأكاديميات العسكرية فى العالم.. كلما جاءت ذكرى الانتصار العظيم ارتاحت نفسى لتخليص أرض بلادى من عدو لئيم وارتاحت نفسى من الثأر لدم أخى الذى مات بطلا رافضا أن يذكر اسم بلاده بسوء.. سلام لأرواح شهداء مصر فى كل الحروب التى خضناها من أجل العزة والكرامة أو شهداء الحرب ضد الإرهاب الأسود الذى ما زلنا نستأصل جذوره.. فبيادة الشهيد تاج نضعه على رءوسنا إكبارا وإجلالا لأرواح الشهداء عسكريين ومدنيين فلولاهم ما عشنا نحن مرفوعى الرأس والهامة.. فى أعياد أكتوبر أكبر تحية لجيش مصر الباسل الذى بذل ولايزال يعتبر درع وسيف الوطن فى الحرب ومشوار التنمية، فأياديه البيضاء تعم الشعب فهو جيش ليس ككل الجيوش جيش وطنى من أبناء الشعب ولا تستغرب أن تجد فى كل بيت مصرى شهيدا ضحى لنعيش.
تحيا مصر ويحيا جيشها الباسل وقيادتها الوطنية المخلصة التى تعمل ليل نهار لتشرق شمس مصر من جديد.