عين الحياة..

رقبة الوزة.. والسبت الحزين

مغازي شوقي
مغازي شوقي

بقلم: مغازي شوقي

وبلدنا ع الترعة بتغسل شعرها .. جانا نهار مقدرش يدفع مهرها .... أبداً بلدنا ليل نهار.. بتحب موّال النهار.. بهذه الكلمات الخالدة التي نسجها الأبنودي .. وبصوت الشجن والعزيمة غنى حليم عن أصعب لحظات عاشها الشعب المصري بعد يوليو 67.. أمعن العدو في تضخيم فعله و أراد أن يكسر شوكة مصر وجيشها وشعبها ،ظناً منه أنهم قد ذهبوا بلا رجعة . وبغطرسة غير مبررة، وصلف غير مستغرب وبخٍسةٍ لا مثيل لها .. حملت طائراته قنابل الغدر في جوفها، انطلقت رصاصات الجبن في ظهر الجميع بلا هوادة.. حصدت أرواحاً بريئة  وامتلئت كئوسهم دماً بجثث الأطهار من أطفال مدرسة بحر البقر .. ونسي أنه يحارب وطناً لم يعتد السكون ولا يعرف الإنكسار .. لم يقرأ تاريخ جيشنا وعقيدته المحفورة في الصدورمن قبل التأريخ.. ولم يستمع يوماً لنشيده ( رسمنا على القلب وجه الوطن .. نخيلا ونيلا وشعبآ أصيلا ) بل ولم يدرك ولو للحظة أننا نربي أبنائنا على حب مصر وأن أفضل هدية لإبني الصغير في عمر الرابعة هي بدلة ضابط الجيش المموهة بالعز والفخر الذي يتسرب لجسده فيسكنه .. لم يعرف عدونا يومها  أن هذه بلد يحميها جيش وتحميه، وأننا لا ننسى أبدآ ثأرنا وإن طال الزمن . فقط بعد الإنكسار . أخذنا خطوة محسوبة للخلف .. نفس عميق .. وبعدها ، تجهيز للبيت من الداخل .. و شحن بطاريات أفراد الجيش ليعودوا  أكثر قوة و أشد إصرار اً ...

مشهد رئيسي..   منتصف الليل 30 مايو عام 1970

المكان : منطقة رقبة الوزة – شمال القنطرة حتى جنوب بورسعيد -  التوقيت : منتصف الليل  والمهمه : الثأر لأطفال مدرسة بحر البقر . الأبطال : مجموعة قتال من الكتيبة 83 صاعقة .بقيادة الملازم محمد التميمي والملازم عبد الحميد خليفه وإخوانهم من صف الضباط والجنود .. ومجموعة قتال أخرى من اللواء 135 مشاة مكونة من 21 فرد بقيادة النقيب شعبان حلاوة .  تمركز كمين الصاعقة في منطقة شمال مدينة القنطرة، وكمين المشاة في جنوب رأس العش. اتخذ الأبطال مواقعهم على الأرض مع الإخفاء والتمويه الجيد وحتى الصباح لم يكن هناك جديد .  كانت الأحاديث والهمهمات طوال الوقت عن الثأر لأطفالنا . كلما حاول احد رجالنا ان يغمض جفنيه ، هاجمته صورة الممرضة (حسنه على سمره )أول شهيدة في الإسماعيلية. وصورة لوالدها الذي ذهب لإحضارها من مستشفى السبع بنات فاغتالتهما يد الغدر بقذيفة هاون في يوليو 67 .لم تحتفل بزفافها بين قريناتها على الأرض . فطارت وأصبحت عروس السماء . حاول الآخر أن يريح جسده لكنه لم يتحمل صورة أطفال المدرسة المغدورين.."حسن الشرقاوى"، و"محسن سالم و"إيمان الشبراوى " و"وبقيتهم ، ممن حفرت أسمائهم في الصدور.

". بين الذكر  ..والذكرى ..أمضوا ليلتهم يقظين حتى أشرقت شمس الثأر  وجاءت البشرى     في العاشرة صباحاً حين أفادت عناصر الاستطلاع والمراقبة ، أن هناك تحرك لقوات العدو من 4 دبابات  ومثلها من المدرعات  في الطريق كما خطط له .  وصدرت الأوامر لكمين أبطالنا من الصاعقة بألا يشتبك مع قوات العدو الآن  ، وإنما عليهم بالتريث والانتظار  . في حين صدرت الأوامر لكمين المشاة بالاشتباك. لقد مر القول أمام أعين افراد كمين الصاعقة، ولم يكتشفهم رغم أسراب الطائرات التي تحلق باستمرار فوق المنطقة  للاستطلاع. حتى وصلت قواتهم  في الحادية عشرة صباحاً، انقض أبطالنا في كمين المشاة بالهجوم المفاجئ عليهم فقتلوا  وجرحوا وأسروا أحدهم وهو شاويش بسلاح المظلات. أعادت قواتهم ترتيب نفسها. وفي طريق العودة في السابعة مساءآ ، تلقفهم أبطال كمين الصاعقة وكانت القذيفة الأولى بيد وكتف  البطل يوسف عبدالله فدمر العربة المدرعة الأولى ثم هجمت وحوشنا على باقي قواتهم فدمرت العربات الثلاث الأخرى وقتلت أفرادها .حاول واحد منهم الفرار يائساً فلحقه الرقيب خليفه مترى وبعد اشتباكهما عاد به البطل أسيراً . حمله قائد العمليه الملازم محمد التميمي وسبح به الي الشط الآخر لقناة السويس. بطولة سطرها بواسلنا وأبكت العدو .واطلق عليها السبت الحزين ..

رحم الله جنودنا البواسل وشهدائنا أينما كانوا وفي كل زمان . ملحمة تلتها أخرى ، رسمت تاريخاً لهذا الشعب الذي عاش مرفوع الرأس . دروس في الكرامة والعزة والبطولة تزينت بها صفحاتنا وخلدت في ذاكرتنا . بطولات سمعناها ووعيناها .. ورسالتنا  أن نبقيها حية في نفوس أطفالنا و الناشئة . كلمات  أزرعها كالنبتة في قلب إبني :  إياك والوطن .. فليس بعد الدار.. ديار . وليس غير الوطن .. مكان .. وإذا لم تحمل هم وطنك ..  فأنت همه .. إجعله الإنشودة .. الحياة والموت .. صلي وادعوا. حب وطنك  وأهلك وعائلتك أو هكذا ربينا ..