بعد تزايد حوادث السطو المسلح فى باريس

محللون: اليسار المتطرف حول المجرمين إلى أبطال

سطومسلح في وضح النهار.. سرقة مجوهرات في باريس بقيمة 10 ملايين يورو
سطومسلح في وضح النهار.. سرقة مجوهرات في باريس بقيمة 10 ملايين يورو

مى‭ ‬السيد

شهدت فرنسا في الآونة الأخيرة زيادة مقلقة فى جرائم السرقات المنظمة.. تحولت معها باريس إلى فيلم سينمائى، ينتج مشاهد عالية الجودة، لا تصدق عندما تقرأ وتشاهد تفاصيلها أنها واقع حقيقى حدث بالفعل على الأرض، وهناك تحقيقات جارية وجناه ألقى القبض عليهم، وفى بعض الأحيان يسقط قتلى ومصابون.

وما يزيد الأمر تعقيدًا فى مخيلة المواطن العادى، تجعله لا يصدق أن مايحدث هو حقيقة وليس مشهدًا سينمائيًا، هو الحبكة الدرامية أو التخطيط عالى الجودة، الذى يقوم به الجناه أو المجرمون عند تنفيذ جرائمهم.. وذلك أنه فور اكتشاف أى حادثة، تجد أسلحة ثقيلة وخفيفة.. جناه ملثمين.. مطاردات عنيفة فى شوارع العاصمة وضواحيها.. ومحصلة للسرقات بالملايين.

وإذا أخذنا تفاصيل آخر حادثة كمثال، سنعلم أن الوضع هناك جد خطير، وطبقا لرواية الشرطة الفرنسية، ففى نهاية أول أسبوع من شهر سبتمبر الحالى.. كانت الساعة تشير إلى الثانية عشرة ظهرًا تقريبًا، عندما كان متجر المجوهرات والسلع الفاخرة الإيطالى، الواقع بساحة فاندوم الفخمة فى وسط باريس، يستقبل زبائنه ويمارس عمليات البيع بكل سهولة كما هو معتاد.

فى الجهة المقابلة للمتجر الشهير كان هناك 4 أشخاص يستقل كل واحد منهم دراجة نارية يقفون على مسافة واحدة، كأنهم فى انتظار أمر ما يحدث، أو إشارة ما للتحرك.. وفى لحظة خاطفة وأمام المتجر الإيطالى، أخرج الشبان الـ3  أسلحة نارية من بين ملابسهم، ودخلوا مسرعين إلى المحل، مهددين كل من فيه بالقتل إذا لم يلتزموا بأوامرهم، وفى نفس اللحظة تقريبا كان الـ 4 الآخرين داخل المحل أيضا، موجهين فوهات أسلحتهم للزبائن.

5 دقائق مرت على بداية المشهد، وقبل انتهائها كان الـ 7 مجرمين يهرولون خارج المتجر بحوزتهم كل ما كان بالداخل قدرته الشرطة الفرنسية بما هو قيمته10 ملايين يورو، وعند الهروب أطلق الجناه طلقاتهم التحذيرية، محاولين الفرار بالغنيمة ولكن قبل ابتعادهم عن المكان، كانت الشرطة قد وصلت إلى المكان، وبدأت المطاردات السنيمائية فى الشوارع المجاورة، حتى ضيقوا الخناق على الشبان الـ3، وأجبروهم على ترك السيارة، محاولين الهرب مترجلين، ولكن سقط 2 منهم فى يد الشرطة، بينما فر الباقون بالغنيمة.

الحادث بالطبع لم يكن الأول فخلال الأشهر القليلة الماضية كانت هناك سلسلة من حوادث السطو على متاجر المجوهرات، أبرزها على سبيل المثال لا الحصر أشهر متجر للمجوهرات بشارع الشانزليزيه.. وغيره مما كان له أثرًا بالغًا على المجتمع، جعلت المحللون يطلقون تحذيرات حول تفاقم الوضع، بل ووجه البعض سهامه نحو التيارات المتطرفة التى تشجع مثل تلك الأفعال وجعلت كل المجرمين المعادين للشرطة أبطالا يجب تكريمهم، بينما قلل آخرون من تلك الأحداث ولا ترقى لكونها ظاهرة.

الكتل السوداء

نعم أصبحت باريس عاصمة خطرة، حيث تزايدت الهجمات العنيفة ضد الناس والممتلكات بشكل مطرد دون انقطاع لمدة 20 عاما بزيادة قدرها 90 ٪ منذ عام 1990 «.. هكذا بدأ المفكر والكاتب الفرنسى  أليكسندر دال فال حديثه لأخبار الحوادث حول الوضع الأمنى، متابعًا؛ «أصبح المجرمون أقل خوفا وأكثر كراهية تجاه النظام وضباط الشرطة والمؤسسات، وكل ذلك بسبب دعاية قوى اليسار الثورية المتطرفة، التى تدافع عن البلطجية بشكل منهجى».

وأضاف أليكسندر دال فال؛ أن فكرة اليسار المناهض للشرطة تعتمد على استخدام كل القوى الثورية التخريبية ودوائر المجرمين والمتاجرين بالمهاجرين وحتى المتطرفين الإسلاميين والقوى الإرهابية كالإخوان المسلمين لزعزعة استقرار الدولة وشيطنة الشرطة، موضحًا أن ثقافة الكراهية هذه للشرطة وفرنسا، تشجع أعداء الدولة العنيفين على زيادة أفعالهم دائمًا من السرقة والانحراف، ناهيك عن العنف الجهادى.

وأشار الكاتب السياسى والباحث الفرنسى أنه أطلق على هؤلاء لقب الكتل السوداء كونهم هم المحرضين الفعليين من السياسيين القدامى والشيوعيين، الذين تسللوا لسنوات إلى الدوائر الاجتماعية، وخاصة جماعة السترات الصفراء، الذين هاجموا الدولة والشرطة والتجار الصادقين والبنوك الذين يتهمونهم بأنهم رأسماليون أشرار، ويطلقون على من يمارس تلك الأفعال الإجرامية على أنهم أبطال.

شبكات أوروبية

ومن ناحيته أكد طارق وهبى المحلل السياسى والاقتصادى بباريس؛ أنه وفق وزارة الداخلية الفرنسية فهناك شبكة أوروبية دولية تعمل أولا على الحصول على المواد الأولية للشركات الكبرى التى تحول الذهب والفضة والماس إلى مجوهرات غالية الثمن، وهناك ترابط بين بعض  السرقات وهذه الشبكات العالمية، ولكن لا تزال تسجيلات الفيديو للرقابة على هذه المحلات تحت سلطة الشرطة القضائية الأوروبية (أوروبول).

وتابع المحلل السياسى؛ «يتضح ذلك من خلال تصريح لأحد أهم المسئولين فى وزارة الداخلية الفرنسية الذى علل بأن الأشغال العديدة فى العاصمة الباريسية وبالتحديد فى بعض مواقع محلات المجوهرات، أثرت على الوصول السريع لأفراد الشرطة، متابعًا أنه وفق التحقيقات، داخل بعض المحلات تمت عملية السطو عبر أبواب خلفية، أى أن السارقين يعرفون جيدا جغرافية المحلات وممكن أن يكونوا أفراد هذه العصابة أشخاص قد عملوا لدى هذه الشركات.

واستطرد وهبى قائلا؛ «نعم بباريس وضواحيها هناك ارتفاع بنسبة السطو عامة، ولكن العاصمة الباريسية تظل بين العواصم الأوروبية الأكثر آمانا، ولكنها تعيش حالة اضطراب اجتماعى ينتج عنها مظاهرات وخرق أمنى آتِ من مجموعات متطرفة يمينية أو يسارية وزادت أزمة كورونا حدة الإضطراب، كما إن برنامج رفع يد الشرطة من قبل الحكومة لم يصل إلى خواتيمه لأن الوضع الاقتصادى أيضا ليس فى حالة جيدة،  ففى المحصلة هناك عصابة منظمة ومتمددة فى كل أوروبا وتسعى لخلخلة أمن المؤسسات العاملة فى حقل المنتجات الفاخرة كالمجوهرات، الألبسة، والساعات، وفرنسا ليست غير قادرة الآن على المواجهة، ولكن هناك ظروف عملية وبشرية تعيق قليلا الوصول إلى الجناه.

ليست ظاهرة

أما الدكتور بسام الطحان أستاذ الجغرافيا السياسية بباريس فقال؛ «لا أظن أن الهجوم على الدكاكين أو مخازن الأشياء الثمينة فى باريس هو ظاهرة جديدة، فسرقة دور المجوهرات وأسواق الذهب شئ يحدث فى كبريات الدول والمدن الأجنبية، لكن هذا لا يعنى مطلقا أن الأمن غير مستتب فى باريس فمواضيع الهجوم إن صح التعبير هى دكاكين تتوفر بها البضائع الثمينة ولكن لا يوجد شغب أو هجوم على سائر المواطنين.

واختتم الطحان حديثه قائلا؛»يجب أن نضيف شيئًا أساسيًا وهو أن القاعدة فى فرنسا أنه  طالما لم تصل القضية إلى الدماء فهى عابرة وليست مهمة، فأهمية الإجرام فى فرنسا يبدأ بسيلان الدم أن يكون هناك قتيل أو أن يكون هناك جريح، أما كل الأملاك المنقولة وغير المنقولة، فهناك شركات التأمين التى تضمن تدبير الأمور بعد السرقة أو ما يتعلق بذلك، المهم فى فرنسا ألا يكون هناك إعتداءات جسدية تقود إلى عاهات دائمة أو إلى قتل.