كتب: شريف عبد الفهيم
جيل ذهبي من الفنانين ابتعد عن الساحة اختياراً أو إجباراً إلا أنه ترك فراغاً كبيراً في الفن بعد أن اتجه المنتجون لجيل آخر يوصفون بأنهم نجوم الشباك الآن، وسط ادعاءات بعدم وجود كتابات خاصة لجيل العمالقة، الأمر الذي أدى لانسحاب عدد كبير منهم من الساحة معلنين اعتزالهم الفن لعدم وجود كتابات تناسبهم بينما لجأ آخرون للاستغاثة بنقابة المهن التمثيلية لإيجاد عمل لهم في ظل بقائهم سنوات دون أن يعرض عليهم عمل واحد، وهناك فريق ثالث اتجه لأعمال أخرى بعيدة عن الفن.
فى البداية أكد المخرج رؤوف عبد العزيز أن هناك فعلاً بعض العجز الظاهر فى الكتابة لهؤلاء النجوم لكنه ليس بالحجم الكبير.
وقال: "فى العام الماضى استعنت فى مسلسل "الطاووس" بنجمين كبيرين هما الفنانة العظيمة سميحة أيوب والفنان جمال سليمان وهما يعدان من نجوم الجيل الذهبي، وما أريد توضيحه أن هناك كتابات لكبار النجوم لكنها ليست بالحجم المناسب، فنحن فى احتياج لكم أكبر من تلك الكتابات، لأن فى كل الأحوال أنا مؤمن بفكرة التنوع وكلما كان هناك تنوع بين النجوم المختلفين سوء الكبار أو الذين تجاوزت خبرتهم سنة وحتى النجوم الشباب، كان الأمر مفيداً للحركة الفنية وللجمهور والمشاهدين، لأن المتلقى سوف يجد أكثر من شكل فنى يقدم له وبالتالى سيكون هناك ثراء فنى فيما يقدم له".
وعن اختيار ممثلين شباب وعمل مكياج لهم ليبدوا أكبر سناً مما هم عليه بالرغم من وجود فنانين كبار لا يحتاجون لمثل هذه النوعية من المكياج لأداء الدور، وما إذا كان ذلك خاضعاً لفكرة العرض والطلب، قال عبد العزيز: "وجهة نظرى أن كل عمل له شكل خاص وظروف خاصة، فمثلا فيلم (ابن القنصل) كانت له ظروفه حيث كانت تجمع بين الفنان أحما السقا والفنان الراحل خالد صالح كيمياء خاصة بينهما، فهى تجربة لا تحمل أى انعكاس على فكرة أن هناك نجوماً لا يتم الاستعانة بهم والدليل أن النجم أحمد السقا استعان فى فيلم (إبراهيم الأبيض) بالنجم الراحل محمود عبد العزيز، فأنا لا أربط بين هذا الأمر وفكرة العرض والطلب أبداً، ولكنى أربطه برغبة الصناع فى تقديم عمل مميز".
وعن اتجاه المنتجين للنجوم الشباب فى تلك الأدوار اتباعاً لفكرة جذب الجمهور والإيرادات قال المخرج رؤوف عبدالعزيز: "الجمهور الآن أصبحت له آراؤه اللاذعة ولا يوجد من يستطيع أن يتحكم فى اختياراته وما يتابعه، ونحن نرى كماً كبيراً من الأعمال أبطالها ليسوا نجوماً بالشكل المتعارف عليه، لكنهم لديهم إمكانات تمثيلية خاصة ويستقبلها الجمهور استقبالاً حافلاً".
وأضاف: "أنا لا أميل للنظرية التشاؤمية، فأنا لا أرى الدنيا (سودة)، لكنى أؤكد أن الفنانين الذين اعتزلوا العمل الفنى لهم ظروفهم الخاصة التى جعلتهم يبتعدون عن الفن، فأنا أرى أن التنوع فى الأعمار يفيد الأعمال الفنية بشكل كبير".
وأكد المخرج رؤوف عبدالعزيز أنه يتمنى أن توجد كتابات خاصة لفنانين كبار مثلما يحدث فى هوليوود، لأنه يرى أن هذه النقطة مفقودة فى الوسط الفنى وإن كانت هناك أعمال تكتب بشكل خاص لبعض النجوم الكبار إلا أنها لا تكفى وقليلة جداً.
قلة احترام
من ناحيتها أكدت الناقدة الفنية ماجدة موريس أن ما يمر به الوسط الفنى فى الفترة الحالية يندرج تحت بند قلة الاحترام وقلة الوعى من قبل المنتجين، مضيفة، أن ما يشهده الوسط الآن لم يحدث من قبل فى أى وقت، وأن موضوع ابتعاد الفنانين الكبار عن الساحة لا يمس الممثلين فقط؛ لكنه أصبح شاملاً كل الوسط الفني، فهناك كتاب كبار يجلسون فى بيوتهم دون أن يستعين بهم أحد، وهناك أيضاً مخرجون كبار لا يعملون رغم أن الفضائيات تعرض أعمالهم ليل نهار، وكنا نضع الأمل على الشركة المتحدة بعد أن غيروا الهيكل التنظيمى والإدارى لها فى أن توجد فرص لهؤلاء النجوم للعمل لكن حتى الآن لم يحدث أى تغيير.
مضيفة "تسببت قلة الوعى والاحترام لدى المنتجين للجيل الذهبى من الفنانين فى إعلان العديد منهم اعتزاله الفن وأذكر أن الفنانة الكبيرة سميرة عبدالعزيز فى أحد حواراتها التلفزيونية قالت إنها اعتذرت عن أحد الأعمال الفنية بسبب أن القائمين على العمل أرسلوا لها حلقتين من المسلسل وقالوا لها إن التصوير غداً مما دعاها لأن تعتذر عن عدم العمل فى المسلسل، مؤكدة أن ذلك بسبب عدم الوعى والاحترام لهؤلاء الفنانين".
جوانب مختلفة
الناقد الفنى عمرو الكاشف قال إن أسباب بطالة الفنانين فى السنوات الأخيرة، لها جوانب مختلفة، الجانب الأول يتعلق بنقابة المهن التمثيلية، والثانى يخص المخرجين والمنتجين.
ويؤكد أن اختيار فئة محددة من الفنانين لبطولة المسلسلات والأفلام دون إتاحة فرصة لباقى الممثلين، هو أهم أسباب الأزمة.
وفجر الكاشف مفاجأة بأن هناك فنانين اضطروا للعمل فى مهن أخرى ليستطيعوا فتح بيوتهم، وضرب أمثلة على أحد الفنانين لم يعرض عليه أى عمل فنى منذ أكثر من ثلاث سنوات، ما جعله يفكر بجدية فى العمل كسائق (تاكسي ليلبى احتياجاته المادية.
ويضيف ،كما قام المخرج أمير شاكر بالفعل بالعمل كسائق بسيارته الخاصة ليتمكن من تلبية احتياجاته المادية، فى ظل استحواذ جهات على مجال الإنتاج الفنى فى مصر وتحكمها فيه.
ويشير الناقد الفنى إلى أن نقابة المهن التمثيلية تعيش أزمة كبيرة؛ يسعى نقيبها الفنان أشرف زكى لاحتوائها، إلا أن عضو مجلس النقابة السابق الفنان سامى مغاورى يبدو أنه كان غير واثق فى جدوى هذه المحاولات، لذا استقال من النقابة لعدم قدرته على حل أزمة بطالة الفنانين".
وأضاف، وهذا الأمر الذى أكدته أيضاً الفنانة نهال عنبر، عضوة مجلس النقابة، والتى صرحت بأن النقابة غير قادرة على تقديم حلول حقيقية لبطالة الفنانين، خاصة أن المخرجين والمنتجين يختارون الفنانين وفق أهوائهم للمشاركة فى الأعمال.
وألقى الكاشف باللوم على عدد من الفنانين الذين يسعون للتواجد بكثافة فى الأعمال ويقبلون أى عمل يعرض عليهم رغم انشغالهم فى أكثر من عمل، من دون أن يتركوا الفرصة لزملائهم، موضحاً أن بعض الفنانين يحاولون تخطى أزمة البطالة بالمشاركة فى الأفلام الروائية القصيرة والطويلة كـ"ضيوف شرف" مع شباب من المعهد العالى للفنون المسرحية، ومع مخرجين من غير المعهد رغم الأجور المنخفضة.
النقابة لا توفر فرص عمل
الفنان أيمن عزب، عضو مجلس إدارة المهن التمثيلية، قال إن النقابة تتواصل مع الفنانين الذين يعانون من مشكلات أياً كان نوعها، سواء كانت صحية أو مهنية أو ما شابه، لكن النقابة يصعب عليها توفير فرص عمل بشكل مباشر للفنانين العاطلين.
وتابع: "أنا شخصياً مرت عليَّ أوقات لم أكن أشارك فى أى عمل فني، كحال أى نقابة أخرى، والنقابة لا يمكنها أن توفر فرص عمل للعاطلين عن العمل بها، ولكننا نسعى جاهدين أن تكون أولوية العمل وتجسيد الأدوار للنقابيين على غيرهم من غير النقابيين، وكل هذا من خلال القانون، الذى يجعلنا نعطى التصاريح للفنانين النقابيين الثابتة مشاركتهم فى أعمال فنية، ونقوم بمراجعة ذلك من خلال تتر الأعمال، والسؤال عن الفنان الذى يحتاج فرصة عمل.
وأوضح عزب أن الجميع يعلم ما يبذله الدكتور أشرف زكى نقيب الممثلين فى مساعدة الفنانين، حتى أنه فى بعض الأحيان يتحدث مع المنتجين وسؤالهم عن تواجد أدوار لهؤلاء الفنانين، وما يناسبهم.
من جانبه قال نقيب المهن التمثيلية الدكتور أشرف زكى إن هذه الأزمة موجودة منذ عقود طويلة، ولكنها لم تكن بالصورة الحالية، لأن ثمة جهات إنتاج حكومية توقفت عن الإنتاج الدرامي. وهى قطاع الإنتاج وشركة صوت القاهرة ومدينة الإنتاج الإعلامي، التى كانت تزيد من فرص عمل الممثلين والمؤلفين والمخرجين.
وأشار ذكي، إلى أن توقف هذه الجهات، وتزايد عدد الأعضاء وقلة منافذ العمل زادت من المشكلة، لكن محاولات النقابة حثيثة لإيجاد حلول، خصوصاً لكبار الفنانين لأنهم ثروة حقيقية.
ولفت زكى إلى أن نقابة المهن التمثيلية مثل باقى النقابات ليست ملزمة بتوفير فرص عمل لأعضائها، ولكنه مع ذلك يسعى إلى التغلب على الأزمة بشتى الوسائل.