شعر| ضاربة الودع

شعر: محمد الشحات
شعر: محمد الشحات

شعر: محمد الشحات

أهدانا الشاعر الكبير محمد الشحات هذه القصيدة التى تقطرعذوبة ورهافة، ونحن ننشرها اليوم بالتزامن مع اكتمال صدور أعماله الكاملة بعد ظهور المجلد الأخير فيها.

كانتْ تمسكُ فى يدِها
بحبيبات الودعِ
تحاولُ أن تتخيلَ
ما سوف يصادفُها فى غدِها
احترفَتْ ضربَ الودعِ
وهى تحاولُ أن تنفضَ
 أيامَ طفولتِها الأولىَ من يدِها
 كان لزامًا أن تنزلَ أسواقَ العملِ
ليمكنَها أنْ تطعَمَ
ما ازدحم ببيتِ أبيِها من أطفالٍ
جاءوا من زيجاتِ أبيِها الأربع
أجلسَها أبوها كى يمنحَها خبرتَه
فى أن تكشفَ
 ما يختلجُ بداخلِ أغوارِ البَشَرِ
فأمسكَ أحرفَه
وهو يزيِّنُها
 ويُنَضِّدُهَا
حتى يجعلَها تخرجُ دونَ ضجيجٍ
أوصَاهَا
أن تتخيرَ  كلَّ عباراتِ الفرحِ
وترسُمُه فوقَ ملامحِها
أنْ تسكنَه فى عينِهَا
حتى يتسللَ دونَ مُوَاربةٍ
فى عينِ  زبائنَّا
كانتْ تنظرُ فى عينِ أبيِهَا
 تسألُ عن سِرِّ مُخَاصَمَةِ الدمعِ لُه
تبحثُ عن أبوابٍ يدخلُ منها الفرحُ
برغم تأكُّدِهَا
من أنَّ جبالَ الحزنِ
 تعشِّشُ فى جنباتِ الصدرِ
انتبه لحيرةِ عينيها ؛فاسترسلَ
حين أحسَّ برغبتِها فى أن تعرفَ
كان عليه أن ينزعَ منها
ستائرَ أخفتها سنينًا
فارتبكَتْ حين رأتْها تجلسُ
كانت أمى أمهرَ مَنْ يُلقِى الودع
على منديلِ الرملِ.

طرحتُ سؤالاً :
- هل ما زلتَ تحنُّ إليها ؟
فمسحَ على وجهى وأخبرنِى
أنَّ العَاشِقَ
لا يمكنُ أنْ يهجرَهُ العِشْقُ
وأن ملامحَ وجهى حينَ يرانِى
تجعلُه يفرحُ ويحسُّ بأنَّ الغائبةَ

- عن الحيّ الصاخبِ - مَا غَابَتْ
ضربَ أبوها بحبيباتِ الودعِ
ونظرَ إلى عينيهَا
وأخْبرَهَا بأن الناسَ
يظنون المالَ هُو الغايةُ
وأن القلبَ تزاحمُه امرأتانِ
وأقدامُ البشرِ معلقةٌ بين طريقينِ
تركتُ أبِى
وحملتُ على رأسى الودعَ
وحفنةَ رملٍ
كانتْ لا زالت تحملُ بينَ ثنايَاهَا
كفَّك ياأمى
(أبين زين أبين وأضرب الودع)
 وخرجتُ نحوَ السَّاحةِ
كلُّ الَّناسِ بلا هَدفٍ
انتبهتْ لفتاةٍ وهى تلحُّ عليَها
يخرجُ من عينيها بريقٌ
لمْ تعرفْه
جذبتنى ؛فجلسْتُ إليْهَا
لم أتمكَّنْ من إخراجِ الودعِ
فلقدْ خِفْتُ بأنْ أخدعَهَا
كانتْ ترغَبُ
فى أنْ تعرفَ ما تخفيه لها الأيامُ
وما يختلجُ بمكنونِ القلبِ
نظرتُ إلى عينيَها
أحسستُ بأن ملامحَهَا سكنتنى

-  أُلقى ببياضي؟
- لا ..لا تلقي
زادتْ حيرتُها
وزادتْ رغبتُها فى ألاَّ تخدعَها
فتحسَّستِ الوَدعَ
ولم تتنبّـه إلا لصبيٍّ جاءَ فأنقذها
حيثُ رأتْ فرحتَها تتراقَصُ فى عينيها
ولم تنتظرْ الودعَ
ورحلتْ
فازدادتْ فرحتُها
وهى تراها تغيبُ بعيداً عن عينيْهَا