رحيق السطور

المحجوب في سيرة كوكب الشرق..!

كتاب حانة الست
كتاب حانة الست

مغامرة غير مسبوقة يتجاسر الأديب محمد بركة ويخوضها بمحاولة إعادة سرد متخيل لحياة كوكب الشرق أم كلثوم فى روايته الجديدة، وما بين السرد المتخيل والحقائق المتداولة عن حياة أم كلثوم يضعنا المؤلف على عتبة السؤال الغائب عنه الإجابة دوما: هل المشاهير والمبدعون -خاصة العمالقة منهم- ليسوا بشرا لهم زلاتهم وحسناتهم؟! كيف سلكوا الدروب الوعرة وتمكنوا من البقاء على القمة سنوات طوالا دون منازع مثل أم كلثوم «الست»، وما المحجوب عنا فى حياتهم حتى باتت الحكايات غير الموثقة عنهم تسعى فى الخفاء ويزاد عليها من عنديات البعض حتى صارت مرويات حياتهم مثل الأساطير المقدسة؟!

يقدم بركة روايته الخامسة الصادرة عن دار المثقف تحت عنوان رئيسى «حانة الست» ثم عنوان فرعى «أم كلثوم تروى قصتها المحجوبة» بمتخيله الروائى يبدأ بركة روايته على لسان أم كلثوم تصف نفسها «لى عنق غليظ، أكثر مما تظنون، سمرة بشرتى تفاجئ كثيرين من جمهورى حين يطالعون صورى القديمة بعد معالجتها بالألوان، صوتى يقع فى المنطقة الوسطى بين الذكورة والأنوثة، أنا ابنة الفلاحين المعدمين التى لم تحصل على شهادة دراسية واحدة، تدهورت غدتى الدرقية فصار جفنى يليق بساحرة تسكن المقابر، وحين ارتديت نظارتى السوداء صباح مساء طبعت واحدة من أعجب الصور النمطية لعجوز لا يوجد ما يثبت أنوثتها سوى خانة النوع فى بطاقة الهوية»، ويتقمص المؤلف روح الست وهى تأمره ليروى المحجوب فى حياتها: «سكنتُ جسد كاتبى، خبرت هواجسه وبيدى الشريفة رفعت الغطاء عن بئر مخاوفه: ستكتبنى بحب فلا تخش أحدا، قل لمن قد يلومك: عظمة أم كلثوم الفعلية تتجلى عبر اكتشاف الحقائق الخاصة بحياتها وليس بإضافة المزيد من الأساطير، قل: يا قومى، آن الأوان أن نحبها بطريقة جديدة عبر اكتشاف إنسانيتها. وما بين صوت أم كلثوم والراوى يتناول السرد بمشرط المحلل النفسى البارع كل المتغيرات البيئية والنفسية التى شكلت أم كلثوم منذ النشأة أيام الطفولة والعوز والفقر المدقع حتى نضجت وباتت هرمنا الرابع، وقد برع الأديب فى تضفير سرده بين ما يمكن أن يكون حديثا متواترا عن أم كلثوم والمتخيل، بحيث يلتبس على القارئ أيهما يصدق، وبكل خبث ولؤم يرصد معاركها الفنية وشطحاتها وخبث المرأة المقهورة حتى تنتصر على الظروف، وعلى منغصات الحياة التى نبتت فيها.. 

وخاض بالسيرة المتخيلة فى العديد من تفاصيل من ارتبطوا بأم كلثوم وقصص حبها خاصة للشيخ أبو العلا محمد والجزار الإسكندرانى وكيف تخلصت منه ومن القصر الملكى فى آن واحد، ومعاركها مع عبد الوهاب وأحمد رامى والسنباطى والقصبجى وعبد الحليم ومعركتها مع المطربة ذات الأصول الشامية، وارتباطها بالصحافة، وأظهر بعض جوانب الأنانيّة والانتهازيّة والحسد والمكايدات والصراعات فى الوسط الفني، وربما يرى البعض ان الرواية إحدى شطحات الأديب، وتشى بأم كلثوم، لكنك فى النهاية لا تملك سوى التعاطف معها وحبها فهى مازالت سيدة الغناء العربى وبشرا مثلنا جميعا لنا رغبات ومطالب دفينة ربما لا ندركها سوى بمشرط المحلل النفسى.