محمد الجندى.. الفهد الأسمر.. والمهاجم الأخطر.. والفنان الأمهر

الجندى وحنفى بسطان
الجندى وحنفى بسطان

مشوارى فــى بلاط صاحبة الجـلالـة زاخر بالمواقف حاشد بالأحـــــــداث ملــــــىء بالعلاقات مع الكثير من الشخصيات.. لأنه طـــال لأكــثر مــن أربع حقـب زمنيــة.. فقد اسـتحق التســــــجيل واســــــتوجب التــــــــدوين.. وعــــــــلى صفحــــات «آخرساعة» أروى بعضا مـــن مشاهده.
 

هو الفهد الأسمر.. المهاجم الأخطر.. الفنان الأمهر.. الموهوب الأقدر.. هو اللاعب الذى فرض نفسه على كل المجالات.. وحفر بصمته فى كل التشكيلات.. واخــــــــترق  معظـــــــم الشــــــبكات.. وأرعــــب كــــــــل الدفــــــاعـــــــات.. هو المهاجم الذى كان له فى الأبســــطة الخضـــــراء صــــــــــولات وجـــــولات.. وتجاوز المحليات.. وانطلق إلى الساحات الأرحب والآفاق الأوسع فطلبته الأندية الأوروبية خاصة الإنجليزية، غير أنه أصر على إملاء شروطه وفرض إرادته غير أن العنصرية اللونية والبشرة الأفريقية حالت دون إتمام هذا الاحتراف، وفقدت الكرة العالمية موهبة فذة كانت كفيلة بأن تبرز المعالم النفيسة والمعادن الثمينة لأحفاد الفراعنة مبكرا.. والكابتن محمد الجندى  واحد من عظماء الرياضة المصرية بما حباه الله من سمات جسدية خلقية تمثلت فى طول القامة وارتفاع الهامة وقوة البنيان واتساق الأركان فضلا عن التركيز العميق والوعى الشديد كما  تميز أبو الجنود - كما كان أقرانه يلقبونه - بخفة الروح وبشاشة الوجه وحسن الخلق وحلاوة المعشر وأصالة المنبت وطيبة القلب.. وكانت الابتسامة لا تفارق وجهه حتى فى المواقف الصعبة، وكان الجميع يلجأون إليه ويتعلمون منه وينهلون من خبراته وينصتون لكلماته.. وُلد الكابتن الجندى فى عام 1920 من القرن الماضى بالعاصمة السودانية الخرطوم وكان والده ضابط شرطة يعمل بالقوات الأمنية لجنوب الوادي.. وانتقلت الأسرة إلى القاهرة واستوطنت حى العباسية، فمارس الكرة فى شوارعها ولعب فى الدورات التى كانت تحظى بالتفاف أعداد كبيرة من الجماهير لمتابعتها والاستمتاع بالمهارات الفطرية التى تزخر بها، والتقطته العيون الخبيرة المتمثلة فى الكابتن مختار التتش وضمه للأهلى،  وسرعان ما فرض نفسه كساعد هجوم وتشرف بارتداء القميص الدولى للمنتخب بداية من الثلاثينيات وظل به حتى الخمسينيات، ومثّل مصر فى أولمبياد لندن عام 1948، أحرز هدف مصر الوحيد فى شباك الدنمارك، ورغم استقراره بالأهلى وتميزه بالمنتخبين الوطنى والعسكرى إلا أنه خضع لمشيئة الفريق حيدر باشا وزير الحربية وانضم للزمالك، وكان كالعهد به دائما متفانيا فى الأداء وافرا فى العطاء قادرا على الإنتاج، وحاول الخبراء الإنجليز المنتشرون بالقاهرة إيفاده هو وزميله عبدالكريم صقر ليحترف بأحد الأندية هناك واستقر الأمر على الانضمام لنادى هيدرز فيلد، وأوشكت الصفقة على الإتمام لولا أن الجندى اشترط عليهم تكملة تعليمه الذى تحصل عليه فى البحرية من جامعة ليدز والانضمام للأكاديمية البحرية، وقوبل  طلبه بالرفض لدواعٍ عنصرية حيث كانت الدساتير هناك تحرِّم على أصحاب البشرة السمراء الالتحاق بالبحرية، الملكية فعاد الجندى وزميله عبدالكريم صقر إلى القاهرة.. احترف الجندى مهنة التدريب بعد اعتزاله، وكانت لديه خبرات ودرايات متراكمـــــة اخــــتزنها مـــــــــن المدربين الأجانب الذين تناوبوا على تدريبه فى الفرق التى لعب فيها، كما أنه كان حريصا على الاستزادة بالجديد من المعارف والعلوم الحديثة لإجادته اللغة الإنجليزية… واشتغل فى الأهلى وتولى فريقه الأول ثم تدريب المنتخبين الأول والعسكرى ثم عاد للأهلى مرة أخرى وانتقل منه إلى الإسماعيلى فالقناة فالمحلة، وحقق مع المحلة درع الدورى عام 1972.. وفى أخريات أيامه العملية تولى الاستشارة الفنية للجبلاية، وكان لا يضن بمعرفة إلا وينقلها لكل من يطلبها، فقد كان صموتا يعزف عن الثرثرة ويتحدث فيما هو أجدى وأنفع.. وقد أسعدتنى أقدارى أن أتعرف على تلك الموسوعة المعرفية الفنية فى أكثر من موقع وموضع.. ففى إحدى  تغطياتى لأصف مباراة بين البلاستيك وكان يلعب فى الممتاز.. والمصرى احتشدت جماهير شبرا الخيمة لمتابعة المباراة ولم أحظ بمقعد لأتابع  منه اللقاء وفوجئت أننى أجاور الكابتن الجندى وقوفا.. وظللنا طيلة اللقاء نتبادل الحوار حول المباراة ونحن وقوف.. ثم سافرت معه إلى ألمانيا ومدينة شتوتجارت مع منتخب الصالات الذى كان يتولاه فنيا كابتن ميمى عبدالحميد.. ورافقت هذا الرجل عظيم الخلق واسع المعرفة صاحب الأخلاقيات الرفيعة والمناقب البديعة لأسبوعين كاملين.. وأشهد له بالكفاءة والأهلية والعلمية.. وكنا مع رئيس البعثة اللواء عبدالمنعم الحاج نتحلق حوله لننصت إليه وهو يتحدث عن ذكرياته التاريخية فى الملاعب المتعددة وكان معينه من هذه الذكريات لا ينضب.. وكانت رغبتنا وشهيتنا لسماعها لا تفتر.. وكان بحق نعم الأستاذ وخير الأفذاذ.