20 عاما على 11 سبتمبر.. العالم على أعتاب موجة جديدة من الإرهاب

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

20 عاماً مرت على هجمات تنظيم القاعدة فى 11 سبتمبر ٢٠٠١ على الولايات المتحدة الأمريكية، وهى الهجمات التى خطط لها التنظيم ووجهها من أفغانستان، ورداً عليها قادت الولايات المتحدة تحالفاً غربياً واجتاحت أفغانستان وأطاحت بحكم طالبان وطردت تنظيم القاعدة من هناك مؤقتاً، وكانت تكلفة هذا الغزو والوجود العسكرى والأمنى لمدة 20 عاماً باهظة للغاية من الناحية البشرية والمالية حيث قُتل أكثر من 2300 جندى أمريكى وأصيب أكثر من عشرين ألف جندي، بالإضافة إلى مقتل أكثر من 450 جندياً بريطانيا ومئات آخرين من جنسيات أخرى.

أقرأ أيضا: تايم لاين| هجمات 11 سبتمبر.. الأكثر دموية في تاريخ أمريكا 


والآن وبعد مرور كل هذه السنوات، يحاول عدد من الخبراء والمفكرين السياسيين، فى السطور التالية، رسم ملامح الصراعات العالمية الجديدة، واستنباط شكل وطبيعة الدور الأمريكى خلال المرحلة المُقبلة، والجديد فى خطاب الرئيس الأمريكى جو بايدن بعد الانسحاب من أفغانستان.

الدكتورة إنجى مهدى، أستاذة العلاقات الدولية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، قالت: «أتصور أن الخطاب الخاص بالرئيس جو بايدن والذى قام بإلقائه فى أواخر شهر أغسطس الماضى كان بمثابة إعلان عن خطوة فارقة فى طبيعة الدور الأمريكى العالمي، وهو فى نفس الدرجة التى كان عليها خطاب الرئيس الأمريكى جورج بوش «الأب» والذى ألقاه فى «خطاب الحالة الاتحادية» أمام الكونجرس الأمريكى فى 29 يناير 1991، وهو الخطاب الذى استخدم فيه لأول مرة مصطلح «النظام العالمى الجديد» والذى ترتب الكثير حتى جاء خطاب بايدن والذى حمل دلالة خطيرة حيث كان حريصا على التأكيد أنه يتوجه بخطابه الى «المواطن الأمريكي».

أضاف وفى هذا كانت هناك علامة على أن إدارته قد رضخت للداخل الأمريكى وستتعامل معه قبل التعامل مع الخارج، وبالتالى سوف يحدث تغيير فى السياسة الأمريكية فى نفس الاتجاه، والحقيقة أن «بايدن» لم يكن أمامه سوى خيارين إما أن ينسحب من أفغانستان أو أن يستمر ويصعد من الدور العسكرى الأمريكى هناك، ووضعه فى هذا المأزق هو إدارة الرئيس الأمريكى السابق ترامب بفعل الاتفاق الذى أجرته مع حركة طالبان فى «2020» ولم يكن هذا المأزق الوحيد فقد تركت له الإدارة السابقة مجموعة مآزق.

ولأول مرة نشهد حدوث هذا الأمر الخطير فى التاريخ الأمريكى المعاصر، حيث جرت العادة أن الدول العظمى لديها مجموعة من الاختيارات المتعددة يستخدمونها فى تنفيذ سياساتهم ولتنفيذ قراراتهم، إذن نحن أمام تراجع كبير فى عملية صنع القرار الأمريكى والاختيارات المتاحة له، لكنه فى الوقت نفسه حرص على التأكيد على استمراره فى سياسة مكافحة الإرهاب حتى أنه استخدم عبارة محددة وهي: «لم نفرغ منكم بعد»!، أى أنه مازال هناك دور أمريكى فى مكافحة الإرهاب حتى وإن كان هناك حديث عن وجود انسحاب استراتيجى أمريكى من عدة مناطق كثيرة من العالم ومن بينها أفغانستان والشرق الأوسط، وهو ما ألمح له «بايدن» فى خطابات أخرى.

أما الدكتورة دلال محمود، أستاذ مساعد علوم سياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، فترصد مفارقة تاريخية يجب الالتفات إليها وهى أن الحوادث الإرهابية الكبيرة تدور حول ذروة العقد الزمنى إما عام 1989/1990، أو 2001، أو 2011، والآن نحن بصدد موجة جديدة تبدأ فى عام 2021 تزامناً مع ذكرى 11 سبتمبر.
 مشيرة إلى أن هناك مرحلة خادعة مر بها الإرهاب وامتدت من عام 2007 إلى عام 2011، فخلال هذه المرحلة بدأ المشهد وكأن الحملة العالمية ضد الإرهاب قد انتصرت على الإرهاب انتصارا مبرما، وأن الولايات المتحدة بقواتها وحلفائها قد استطاعت أن تطيح بتنظيم طالبان وتسيطر على العاصمة الأفغانية «كابول» وحطمت قدرات تنظيم القاعدة بشكل كبير، وفى العراق كانت الصورة مماثلة إلى حد بعيد.

أقرأ أيضا: إنفوجراف| هجمات 11 سبتمبر في أرقام


 فهذه السنوات كانت خادعة وكان هناك هدوء كبير نسبيا، فلم يكن انحساراً للإرهاب بقدر ما كان كموناً مارسته التنظيمات الإرهابية، سنوات كمون لاستيعاب الخسائر وضم عناصر جديدة وتدريبها وإعادة تنظيم الصفوف وتجميع القدرات بشكل أو بآخر، وظهر مدى جاهزية هذه التنظيمات بوضوح مع بدايات عام 2011 سريعا بعد ظهور ما عرف بـ«ثورات الربيع العربي».

ورغم الانحسار الذى شهده تنظيم داعش، لكن لم ينحسر الإرهاب وانتشاره فى الشرق الأوسط، فهناك عمليات متعددة ومسارات وأدوات جديدة تنبئ بأن التنظيمات الإرهابية الكبرى باقية ومستمرة لكنها تتكيف مع التطورات الإقليمية والدولية المؤثرة فى المنطقة، وتعيد تقديراتها وتعريف أولوياتها، وهذا يعنى أن الإرهاب مستمر لكنه يتغير فى طبيعته تدريجيا، ولعل إرهاصات موجة جديدة على وشك أن تبدأ مع عودة حركة طالبان للحكم فى أفغانستان كما بدأت المرحلة بإسقاط حكم طالبان.

ويعتبر التطور النوعى الذى شهده الإرهاب هو الأكثر أهمية وخطورة خلال الفترة (2001-2020)، وقد ظهر فى عدة أبعاد، أبرزها تغير الهيكل التنظيمى للتنظيمات الإرهابية، كما تطور هدف العمليات الإرهابية حيث ظهر تكتيك عمل جديد بالسيطرة الفعلية على الأرض وتكوين إمارات بملامح الدولة ورموزها ومؤسساتها، ولذلك اتسم الإرهاب خلال هذه المرحلة بالإفراط فى العنف، واتساع القوة التدميرية للتفجيرات وللسيارات المفخخة، مع استخدام أسلحة ثقيلة فى بعض العمليات. 

لكن الطفرة النوعية فى هذا المجال ظهرت مع استخدام التنظيمات الإرهابية لأسلحة متطورة كالطائرات بدون طيار وتقنيات الرصد والرادارات. وزادت خطورة التنظيمات الإرهابية بعد أن تمكنت التنظيمات الإرهابية من استغلال الفضاء السيبرانى خاصة فى مجال المعلومات ومجال الاتصالات، وتكبد الاقتصاد العالمى خسائر كبيرة، تجاوزت 771 مليار دولار خلال الفترة (2001-2017).
 وقد بلغت هذه الخسائر ذروتها عام 2014، تزامنا مع تقدم داعش واتساع سيطرته على الأراضى فى سوريا والعراق، ورغم انخفاض هذه الخسائر بمعدلات 15.7%، 2.2%، 41.5% عن الأعوام 2015، 2016، 2017 على التوالي، فإن فقدان 52 مليار دولار عام 2017 فقط ما زال قيمة اقتصادية ضخمة.

من المتوقع أن تشهد المرحلة القادمة للإرهاب مزيدا من نشاطه فى أفريقيا وفى وسط آسيا، أى على أطراف الشرق الأوسط، ولا يجب أن يعنى هذا تراجعه فى الإقليم بقدر ما يعنى أن التنظيمات الإرهابية فى المنطقة خاصة داعش بفروعها المختلفة، وحركة الشباب الصومالية، وبعض فروع القاعدة.

وبصفة عامة التنظيمات النشطة فى أماكن الصراعات تعمل على أن تكون لاعباً سياسياً مؤثراً فى مناطق تواجدها. وبعبارة أخرى أن تكون أحد القوى السياسية المؤثرة فى الدول الموجودة بها، وليس مجرد جماعة إرهابية يتم مطاردتها أمنياً ونبذها اجتماعيا.

الدكتور أحمد وهبان، عميد كلية الدراسات الاقتصادية والعلوم السياسية بالإسكندرية، يقول إن أحداث 11 سبتمبر كان من شأنها فور وقوعها أن أكدت لفكرة النظام العالمى الجديد باعتباره نسقاً يدار غالباً من قبل قطب أوحد (الولايات المتحدة) وعلى هدى من توجهاته وتصوراته ومصالحه، كما أن الدول الكبرى لم تعد تنظر إلى بعضها البعض باعتبارها مصدر تهديد استراتيجى لأمنها، وإنما أصبحت ترى أن الخطر الذى يداهمها جميعاً لا يأتى عبر الحدود، وإنما من الخلايا الإرهابية المزروعة داخل بلادها.

أقرأ أيضا: الملكة إليزابيث توجه رسالة لبايدن في ذكرى هجمات 11 سبتمبر

 و بمرور الوقت تغيرت الرؤى الدولية الداعمة للموقف الأمريكى فى الحرب على الإرهاب، وراحت القوى الدولية المختلفة تسعى وراء مصالحها انطلاقاً من مرتكزات براجماتية نفعية بحتة، فلقد كان أن انتهزت بعض القوى الكبرى فرصة انغماس الأمريكيين فى الحرب على الإرهاب كى تدعم قوتها العسكرية والاقتصادية والتقنية ومن ثم تعزيز مكانتها الدولية صعوداً على سلم تدرج القوى الدولى بما يكفل لبعض هذه القوى وفى مقدمتها الصين وروسيا الاتحادية الاقتراب من موقع القوة القطب القادرة على مشاركة الولايات المتحدة فى الإمساك بدفة السياسية الدولية وتقرير مصير المنظومة الدولية وقيادة العالم.

وأوضح أنه يمكن القول إن النسق الدولى الذى كان أحادى القطب حتى سنوات عديدة أعقبت أحداث الحادى عشر من سبتمبر قد صار الآن بعد عشرين عاماً من تلك الأحداث نسقاً متعدد الأقطاب تتشارك فيه مع الولايات المتحدة كل من روسيا الاتحادية والصين موقع القوى القطبية وقيادة العالم وتقرير مصير السياسة الدولية والإمساك بلجام النسق الدولي، كل ذلك فى ظل الإنهاك الكبير الذى أصاب القدرات الأمريكية جراء انجرارها إلى العديد من الحروب الشاملة كالحرب على أفغانستان واحتلالها بدءاً عام 2001 ، والحرب على العراق والسيطرة عليها بدءاً من عام 2003، ناهيك عن العديد من المغامرات المحدودة فى مختلف مناطق العالم، وذلك كله بذريعة محاربة الإرهاب، إنها الاستراتيجية التى كلفت الخزينة الأمريكية زهاء 6.5 تريليون دولار كانت كفيلة بفعل الكثير والكثير للاقتصاد الأمريكى وتوطيد أركان الهيبة الدولية للولايات المتحدة.

ويبدو أن أمريكا لم تتعلم من الدروس أو أنها لا تريد أن تتعلم منها، فما بين الغزو الأمريكى لفيتنام والعراق وأفغانستان دروس وعبر، يرصدها لنا الدكتور جمال سلامة علي، عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بالسويس، لافتًا إلى أنه تزامناً مع الذكرى العشرين لأحداث الحادى عشر من سبتمبر يأتى انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان ليمثل نهاية لأطول حرب فى تاريخ الولايات المتحدة امتدت لعشرين عاماً. 

وبرغم القوة الهائلة للولايات المتحدة كدولة عظمى وبرغم ظهيرها الأطلسى حلف الناتو لم تستطع الولايات المتحدة القضاء على الإرهاب ولا حتى الخروج من أفغانستان إلا بالتنسيق مع حركة طالبان، وهى تلك الحركة التى طالما اعتبرتها الولايات المتحدة عدواً شأنها شأن تنظيم القاعدة، وهذا التفاهم الأمريكى مع طالبان لم يكن وليد الساعات أو الأسابيع الأخيرة قبل الانسحاب- بل يرجع إلى عهد الرئيس السابق باراك أوباما ولم تختلف معالجة الديمقراطيين عن الجمهوريين فى التعامل مع طالبان.

ويضيف: لقد فشـلت الاسـتراتيجية الأمريكية لمكافحة الإرهاب لسبب بديهى وهو أن الولايات المتحدة تتعامل مع الإرهاب بمنطق انتقائي، فهى تدعم الإرهاب تارة وتحارب الإرهاب تارة أخرى، فهى إلى حد ما سواء بشكل مباشر أو غير مباشر تدعم الإرهاب طالما كان ذلك يتماشى مع مصالحها، وحينما تستنفد غرضها فلا مانع من أن تحاربه إذا شب عن الطوق، بالطبع لن نتحدث عن لا أخلاقية السياسة الأمريكية فى هذا المضمار حيث تغيب أو تتوه الأخلاق دوماً عن السياسة فى ساحة العلاقات الدولية، لكننا نتحدث عن هذا التأرجح الأمريكى فى تعاملها مع قضايا الإرهاب، فهى التى صنعت طالبان أثناء الغزو السوفيتى لأفغانستان وليس ببعيد أن تكون هى التى اصطنعت تنظيم القاعدة.

ومن المؤكد أنها هى التى اصطنعت تنظيم داعش بالتنسيق مع تركيا التى وفرت للتنظيم التسليح والأموال والتدريبات، وإلا فمن أين حصل تنظيم داعش الإرهابى على أسلحته؟ وكيف مول عمليات شراء الأسلحة والمعدات الحربية.

ويوضح أنه يفضل تلك الترسانة تمكن ابتداء من عام 2014 من توسيع منطقة هيمنته فى العراق وسوريا، لكن بعدما أدركت الولايات المتحدة خطر التنظيم أو بمعنى أدق انفلاته عن الأهداف المرسومة- سعت إلى تدشين تحالف دولى ضد داعش هذا التحالف كل ما يفعله هو توجيه ضربات جوية لبعض قواعد التنظيم..
ويقول: هذا التأرجح هو الذى يجعل أمريكا تفعل الشيء ونقيضه، فهى التى دخلت أفغانستان بحجة فرض الديمقراطية لكنها انتهت بتسليم البلد إلى طالبان.

أقرأ أيضا: جونسون: هجمات 11 سبتمبر لم تزعزع "الإيمان بالحرية والديمقراطية"