سكنه وجهاء القاهرة وتحول لموطن أصحاب الحرف.. قصة تسمية «باب الشعرية»

صورة مجمعة
صورة مجمعة

لكل اسم حكاية يحمل بين طياته رموز وأشخاص وتاريخ، فالأشخاص راحلون وتبقى الذكرى الخالدة عبر العصور ليتناقلها الأحفاد عاما وراء عام، فأسماء الشوارع هي خير دليل على تاريخ الشعوب، فالأسماء التي أخذتها شوارع القاهرة لم تكن صدفة، بل تم اختيارها عن قصد.

اقرأ أيضا:- حكاية حي المعادي| «أقدم مناطق القاهرة.. ولغز أرقام شوارعه»

يمر ملايين المصريين بشوارع وأحياء مصر يوميّاً ويردّدون أسماءها بمنتهى الثقة فيما بينهم، فوراء أسماء تلك الشوارع حواديت كثيرة، وحلقة أخرى من سلسلة حكايات شوارع وأحياء المحروسة .

تستعرض بوابة أخبار اليوم قصة أحد أحيائها: حي باب الشعرية، أحد أعرق أحياء القاهرة، كان سكناً لوجهاء المدينة فى أول الأمر، ثم أصبح حي أصحاب الحرف والتجار والفنانين، لم يكن باب الشعرية مجرد تجمع لمهن مختلفة، بل كان بوتقة انصهر فيها أناس من أجناس مختلفة.

طائفة البربر

باب الشعرية هو أحد أحياء غرب القاهرة، وهو حي شعبي قديم وعريق من أحياء القاهرة عرفت بهذا الاسم نسبة إلى طائفة من البربر، يقال لهم بنو الشعرية، وباب الشعرية هو أحد بابين كانا في جزء من السور الشمالى الذى شيده بهاء الدين قراقوش وزير السلطان صلاح الدين الأيوبي، وكان ذلك الجزء من السور الشمالى به باب البحر وباب الشعرية، وكان يمتد بين الناصية الشمالية الغربية لحصن القاهرة الفاطمى، وبين قلعة المقس التى بنيت عند ضفة النيل في ذلك الوقت وكان موضعها مجاوراً لجامع أولاد عنان الحالى في مكان جامع المقس الذى كان قد شيده الحاكم بأمر الله.

البداية
ميدان باب الشعرية منذ العصر الفاطمي أمام أحد أبواب سور القاهرة الغربي المحازي لخليج أمير المؤمنين وكان اسم الباب الذي يفتح في السور الغربي بالقرب من نهايته الشمالية يعرف باسم باب القنطرة وذلك لوجود قنطرة على خليج أمير المؤمنين في تلك المنطقة بين ضفتي الخليج وظل اسم باب القنطرة وميدان باب القنطرة متداولين في خطط القاهرة حتى بني مسجد الشعراوي ودفن فيه العالم الزاهد الشيخ الشعراوي، ترك الجمهور اسم باب القنطرة وميدان القنطرة وتسامعوا باسم ميدان باب الشعرية وشارع الشعراني، فعرف به وذلك منذ القرن العاشر للهجرة / السادس عشر للميلادي .

بقى باب الشعرية حتى سنة 1884 فقد سجل في كراسة لجنة حفظ الآثار العربية في تلك السنة أن أجزاء منه كانت باقية، ومنها لوحة بالخط الكوفى، كما شوهد رسم نسر محفور على حجرين من الأنقاض، وكان النسر رنكاً ( أى شارة ) لصلاح لدين الأيوبى. ولازالت المنطقة حول الباب تسمى بباب الشعرية كما عرف به ميدان كبير .

مشاهير حي باب الشعرية

وسكنت باب الشعرية كذلك طوائف من الأجانب مثل اليونانيين، والإيطاليين، والأرمن، وطائفة من اليهـود عملت بتجارة الذهب، وكان الأجانب يقيمون فى الحي ويعملـون فى الأحياء المجاورة وعند رحيلهم، بدأ الوافدون الجدد يشترون متاجرهم ويحلون محلهم فى بيوتهم.


ومن مشاهير حي باب الشعرية ارتبط اسمهم وولدوا بهذا الحي العريق الفنان المصري الكوميدي الراحل عبد المنعم مدبولي نجد الموسيقار محمد عبد الوهاب الذي وُلِد فى القسم عام 1893 ميلادية، وتم بناء تمثال بميدانه وهو جالس على كرسيه ويضع قدم على قدم، والممثل والصحفى الساخر يعقوب صنوع، والفنان شفيق جلال، والفنانة مها صبرى، والفنان إبراهيم حمودة. 

أماكن الذاكرة

تشهد أسماء شوارع حي باب الشعرية على ثراء تاريخه المنقضي. فحتى اليوم، تحمل بعض الشوارع أسماء مثل: بستان ابن صيرم، سنجر السرورى، قشتمر، قنطرة الحاجب، البكرية، وباب البحر. كما تشير بعض الأسماء إلى وظائف قديمة للأماكن، مثل: سوق الزلط، وسوق البقـر، والبير الحلوة، ودرب المحكمة.



يقع جزء من حي باب الشعرية داخل أسوار القاهرة الفاطمية والجزء الآخر خارجها. وكان الخليج المصرى ، يقطع قسم باب الشعرية من الجنوب للشمال قاسماً إياه الى منطقتين: المنطقة الشرقية (تجاور قسم الجمالية، ويحدها شارع الحسينية من الشرق)، والمنطقة الغربية المتاخمة لمنطقتى الموسكى والفجالة.

الجزارين والطباخين والحلوانية

وعلى الرغم من صغر مساحة باب الشعرية، فقد كان منذ قديم الزمن كخلية النحل التى تخدم الأقسام المجاورة له. وقد سكنت الحي عدة طوائف من الحرفيين ارتبطت أعمالهم ببعضها البعض ، فكان لطائفة الجزارين وجود قوى فى المنطقة، نظراً لوجود مجزر بباب الشعرية خارج أسوار القاهرة المعزية. 

وتفرعت طائفة الطباخين عن طائفة الجزارين، وكان عددهم يقدر بحوالى ثلاثة آلاف طباخ. وفى النصف الأول من القرن العشرين، كانت لهم مقاه خاصة بهم مثل قهوة “سنيور” والقهوة المقابلة لها.

ومن حرفة الطباخة تفرعت طائفة الحلوانية ومحال لوازم الحلوانية. وكانوا يصنعون عرائس بالسكر للبنات وأحصنة بالسكر للأولاد، ومازال حلوانية باب الشعرية يمارسون مهنتم حتى يومنا هذا، خاصة فى الموالد وعلى الأخص المولد النبوى.

الحمامات

طائفة الحمامين: كان بباب الشعرية ثلاث حمامات عمومية تخدم أهل الحي ومن يجاورهم، هي حمامات "باب البحر"، و"حمام الخراطين"، وحمام الطنبلي". 

وكان للحمامات أثر إيجابى على الحي، حيث كانت المقاه والمصامط تورد طلبات زبائن الحمام طوال ساعات الليل والنهار. وكانت مواقد الحمامات تستخدم كذلك في تسوية قِدَر الفول المدمس، ليتم توزيعها على محلات الفول فى مختلف أنحاء القاهرة. وبالإضافة إلى الانتعاش التجارى، كانت الحمامات تضمن نظافة الأجسام وتخلص الناس من الأمراض وآلام الروماتيزم. وكان يتم حرق مخلفات الحي من القمامة فى مواقد الحمامات بينما يتم تسخين المياه، وهو ما كان يضمن نظافة شوارع الحي. وكانت مخلفات الحرق تستخدم فى صناعة مونة البناء (الأرسوميل).

وحتى يومنا هذا، ما زال حمام باب البحر يعمل، غير أنه فقد الصبغة التاريخية التى كان يتمتع بها، بعد أن أصبح تسخين المياه يتم بالبوتجاز، وظهر به القيشانى والبلاستيك. واختفى حمام الخراطين بعد أن شيد مكانه سوق الخضار .

الوقت الحاضر

 ينقسم باب الشعرية إلى ثلاثة مناطق، يقترب كل منها فى الطابع من القسم المجاور له:  فنجد الجزء الشرقى أقرب في طابعه لقسم الجمالية، خاصة بعد ردم الخليج المصري وشق "شارع الجيش" وتوسيع شارع بور سعيد. أما الجزء الشمالي الشرقي فيقترب من أحياء الظاهر والعباسية، حيث المدارس الإرسالية، والمستشفيات، والمستوصفات، والسينمات. وبينما اختفت برك “الرطلي” و”الطوابة” و”الحاجب”، فقد بقيت الأسماء على الشوارع. أما قلب باب الشعرية فيمتد على شكل مثلث يحده ميدان باب الشعرية وقسمي الأزبكية والموسكى، الذين صبغاه بطابعهما نظراً لتداخل شوارعهم معه.