بستان الكتب

فيليب روث كما لم نعرفه

بستان الكتب
بستان الكتب

إشراف: منصورة عز الدين

من وقتٍ لآخر، تثور ضجة كبرى مع صدور كتاب جديد يتناول سيرة كاتب معروف، بعد رحيله، إذ يكشف كثيرًا من المسكوت عنه فى سيرته أو يقدم وجهًا مختلفًا غير متوقع له. صار الأمر متكررًا، وأصبح من ضمن وسائل الترويج مضمونة الفاعلية، التي تلجأ إليها دور النشر.


حدث هذا مع معظم الكتَّاب المعروفين، والآن جاء دور الروائي الأمريكى فيليب روث. فالأسبوع الماضي نشرت جريدة الجارديان مقالًا عن سيرة وشيكة الصدور بعنوان «فيليب روث الذى لا نعرفه» لجاك برلينربلو. يركز المقال على أن مراسلات الروائي الشهير تكشف أنه اعتمد خلال مسيرته الأدبية الطويلة على العلاقات والتربيطات وتبادل المنافع مع النافذين فى مجال النشر والإعلام والجوائز الأدبية.


اللافت أن روث تحديدًا، سعى قبل وفاته إلى التحكم فى الصورة التي ستقدم عنه وهو فى العالم الآخر، إذ أوصى بالتخلص من أوراق ووثائق معينة، وسلَّم وثائق أخرى إلى كاتب سيرته الرسمي بلاك بايلى. ومؤكد أنه لم يضع فى اعتباره أن هناك من سيكتب سيرة أخرى وأنه سيجد ضالته فى مراسلات محفوظة فى مكتبة الكونجرس، ليقدم الوجه الخفى لصاحب «الوصمة البشرية»، ويضيف مزيدًا من التشويق والإثارة على كتابه.
والحقيقة أن الدهشة المصاحبة لهذا الكشف تبدو مفتعلة أو مبالغًا فيها بعض الشيء، بالنظر إلى أن الصورة التي سبق أن قدمتها الممثلة البريطانية والزوجة الثانية لروث، كلير بلووم فى مذكراتها عنه كانت قاتمة وأوحت بأنه شخصية مركبة والوجه المعلن له يختلف عن وربما يتناقض مع وجهه الحقيقى.


غنى عن الذكر أن الأهم، بعد رحيل الكاتب، هو قيمة أعماله وقدرتها على الصمود والبقاء بدونه، لكنّ كثيرين يبحثون عن درجة ما من الانسجام بين العمل وكاتبه، ويُفاجأون المرة تلو الأخرى بمقدار الهوة بين الاثنين. وفى كل الأحوال، تسعى دور النشر للتسويق لإصداراتها بكل الطرق الممكنة، وهذا مفهوم طالما لم يصل الأمر إلى حد الاختلاق واختراع فضائح غير موجودة، كما حدث سابقًا فى بعض الحالات.


فمن المألوف أن تتحول حياة الكُتّاب المعروفين، بمجرد رحيلهم، إلى ملكية عامة، إذ يغوص فيها الباحثون والدارسون وكتاب السيرة ليخرجوا بكتب ودراسات تحلل وتناقش أدق الخصوصيات سعيًا لفهم أعمق لنتاج هؤلاء الأدباء الراحلين أو لكشف المسكوت عنه فى ما يخصهم.
لكن فى بعض الحالات، يصبح مشاهير الكتاب والمثقفين على وجه الخصوص، فريسة مثالية لكتاب السيرة الطامحين لإثارة فضول القراء بسيل لا ينتهي من الحقائق والافتراضات والتخمينات والشائعات، وكلما كان المكشوف عنه مثيرًا زاد الاهتمام به والإقبال عليه.


وقد سبق للكاتبة جانيت مالكولم أن طرحت تساؤلًا عن إن كانت «السيرة» نوعًا أدبيًا معيبًا بطبعه. وربما يكون الدافع الكامن خلف هاجس مماثل أن الموضوعية تظل هدفًا صعبًا، فالانحياز لطرف ضد آخر فخ ماثل باستمرار، كما أن كاتب سيرة مفكر أو أديب ما قد ينزلق إلى دور القاضي الأخلاقى المنشغل بالحكم على الشخصية بناءً على ما توصل إليه من معلومات وخفايا، ويتجاهل (يعجز عن؟) استغلال ما يكتشفه من خبايا لإلقاء مزيد من الضوء على عمل الكاتب وفكره.


تبقى حقيقة أن القدرة على طرح المسكوت عنه وإخراجه إلى العلن وعدم الركون لأيقنة أو تصنيم المشاهير أمر محمود، وصحى.