بعد ديناصور المنصورة وحوت الفيوم.. كيف خرجت الحفريات المصرية من الإهمال للعالمية؟

الحوت البرمائي فيومسيتس أنوبيس
الحوت البرمائي فيومسيتس أنوبيس

تعد مصر من أغنى بلاد العالم في الحفريات الفقارية، لكن عدم الاهتمام بعلم الحفريات جعل عدد الدراسين قليل، ولكن الاكتشافات التي يعلن عنها مؤخراً جعل هناك اهتمام كبير بالعلم، والتفتت وسائل الإعلام المصرية والعالمية إلى فرق الباحثين في علم الحفريات، وألقت الضوء على جهودهم والاكتشافات التي تنشر يوماً تلو الأخر، والتي تفتح أولى خطوات الطريق للسياحة الجيولوجية في مصر وتعزيزها بشكل قوي، فمصر بها خريطة جيولوجية مميزة موضح بها أعمار المناطق وما تحمله كل منطقة من حفريات لكائنات حية كانت تعيش بها.

ويضع المصريون لآن بصمتهم في تسمية الأكتشافات الجديدة، وفرض الهوية المصرية على أسماء الاكتشافات في مجامع العلم، بعدما كان جميع أسامي الحفريات التي يتم دراستها أجنبية، بعدما نجح فرق علماء الحفريات في اكتشاف حفريات عديدة تغير من مفهوم العالم عن الكائنات الفقارية، فبدأت الرحلة بأكتشاف حفريات  ديناصور تعود إلى أواخر العصر الطباشيري، ليسمى بـ (منصوراصورس )، لإكتشاف الحوت البرمائي (فيومسيتس أنوبيس)، ومازالت الأراضي المصرية تحمل المزيد.

"بوابة أخبار اليوم" تتحدث مع علماء علم الحفريات وأهمية العلم في فهم التغيرات المناخية التي يمر بها العالم:

حوت لم يكتشفه أحد

الباحث بجامعة المنصورة وعضو سلام لاب والمؤلف الرئيسي للدراسة الحوت الجديد "عبدالله جوهر" يقول ان بدأ دراسة علم الحفريات في جامعة المنصورة، في إطار بروتوكول تعاون بين بيئة وجامعة المنصورة، لتخريج فرق متخصصة في علم الحفريات تعمل على عديد من الاكتشافات تحت قيادة الدكتور "هشام سلام". 

وتابع، أن الحفريات التي تكتشف في بداية الأمر قد يعتقد البعض أنها حجارة ليس لها قيمة، وذلك لأنها تكتشف في صحراء وفي الصخور، ولكن ينصف علم الحفريات من أهم علوم البيولوجية. 

ويوضح"جوهر" أن حفرية الحوت تم اكتشافها في مصر من عام 2008، بواسطة متخصصين من وزارة البيئة المصرية، بقيادة دكتور محمد سامح، مدير عام محميات المنطقة المركزية لإدارة البيئة، ثم البدأ العمل على دراسة بحثية و تشريح الحفرية بشكل دقيق عام 2017.

ويضيف جوهر أن الحوت المكتشف في الفيوم عمره 43 مليون عام، ويعد من أقدم الحيتان التي عاشت في قارة أفريقيا، ويوضح مرحلة مهمة جدا من تطور عالم الحيتان من اليابسة إلى الماء.. بالإضافة إلي نمط غذائه المختلف عن باقي الحيتان، والذي يجعل هذا نوع من الحيتان مختلف تماماً عن حيتان الموجودة في العالم ولم يكتشفه أحد من قبل. 

ووفقا لجوهر، فقد عاش فيومسيتس عندما كانت مساحة شاسعة من الأراضي المصرية مغطاة ببحر هو البحر المتوسط القديم، حيث عاشت كائنات بحرية من بينها أسلاف الحيتان التي تعيش اليوم.

وكان برمائي المعيشة، حيث كان قادرا على المشي على اليابسة والسباحة في البحر، كما أنه تميز بقدرات شم وسمع قوية، مثل تلك التي تمتلكها الثدييات التي تعيش على اليابسة.

ومن خلال الدراسة التشريحية المفصلة لهيكل الحوت، ينوه"جوهر" أن الحوت يختلف جذريا عن كل أقرانه من الحيتان المعروفة من قبل، خاصة في حجم الأسنان وأبعاد الجمجمة.

وتابع "جوهر" أن خصائص الحوت التشريحية توضح  أنه كان يتميز بمهارات افتراس كبيرة، وعضلات فكين قوية وضخمة، مكَّنت هذا الحوت من الهيمنة على البيئة التي عاش فيها آنذاك، بما يشبه الحوت القاتل (حوت الأوركا) الذي يعيش اليوم.

بالإضافة إلى أن ضلوع حوت "فيومسيتس" تظهر عليه علامات عض وآثار أسنان، ويعتقد أنها تشكلت بواسطة أسماك القرش الصغيرة التي من المحتمل أنها لم تكن كبيرة بما يكفي لتتمكن من افتراس  "فيومسيتس"، لذا يرجح أن أسماك القرش هذه تغذت على جيفة الحوت بعد مماته.

حفرية سمك القرموط

بينما "سناء سعيد" أحدى الباحثين النابغين في علم الحفريات وأحدى العلماء المتميزين في المجال ذو باحثين قليلون، تبدأ مشوار جديد من تعزيز دراستها عبر بعثة علمية لاكتساب الخبرات اجنبيه، بعدما  أكتشفت حفرية لـ " سمك قرموط" من وادي الحيتان في الفيوم، وعمرها 38 مليون سنة، وتمثل أيضا إحدى أهم اكتشافات فى مجال الحفريات الذي يكتشف على أيادي مصرية. 

مدرسة سلام للحفريات

الدكتور هشام سلام، أستاذ الحفريات بالجامعة الأميركية، ومؤسس مركز جامعة المنصورة للحفريات الفقارية وقائد الفريق المصري يقول لبوابة أخبار اليوم، أن علم الحفريات في مصر بدأ يأخذ خطوات إيجابية نحو العالمية منذ عام 2018، وذلك بعد اكتشاف ديناصور "منصوراصورس"، وإبهار العالم بأنه يوجد فريق مصري يعمل في مجال الحفريات وقادر على المشاركة في مزيد من الأكتشافات بعدما كان المصريين والعرب بشكل عام أبعد مايكون عن ذلك العلم.
 
ويتابع سلام، أن علم الحفريات نال دعم من قبل الدولة وجامعة المنصورة، لأهميته في دراسة الكائنات الحية التي سبقت الإنسان بملايين السنين، وقدرة العلم في فهم تغيرات المناخ وتأثير تلك التغيرات على البشر وجيولوجيا الأرض والحيوانات للتنبؤ بالمستقبل.

ويشير سلام إلى إنجازات فرق علم الحفريات، حيث يعمل كل فرد في الفريق على تجهيز أكتشافات جديدة في كنوز أراضي مصر المدفونة، مثل الصحراء الشرقية، والواحات البحرية، وواحة الداخلة والخارجة، ومنخفض الفيوم، وفق خطة منهجية موضوعه بشكل منظم.

مضيفاً أن الاكتشافات لا تحدث في يوم وليله، ولكن يظل البحث عنها لعشرات السنين، بجانب الأبحاث والدراسات، حتى يتم إيجادها.

ويوضح سلام أن البحث عن الحفريات لا يتم عن طريق أجهزة استكشافية أو تقنية، ولكن عن طريق جولات تستمر لشهور أو أعوام، طبقاً للخرائط الجيولوجية التي توضح الأماكن التي كان يعيش بها الكائنات الحية قبل ملايين السنين.

يحاول هشام سلام وفريقه التواصل مع العلماء بالخارج لاكتساب خبرات جديدة والاستفادة منهم في طرق البحث عن الحفريات المصرية القديمة، لذلك بعد الدراسة المتخصصة يتم إرسال بعثات للخارج.

ويشرح سلام، أطلق اسم "فيومسيتس أنوبس" على الحوت في مركز الحفريات الفقارية، وذلك نسبة إلى منخفض الفيوم في جنوب القاهرة أما أنوبيس فهو اسم إله الموت في مصر الفرعونية، بسبب شراسة ذلك الحوت البرمائي عن باقي الحيتان التي كانت موجودة من قبل، ويبلغ طول حفرية الحوت المكتشفة عام 2008 ثلاثة أمتار وتزن نحو 600 كيلوغراما، ويعتبر جنس جديد من الحيتان.