أمس واليوم وغدا

الوعى بــ«المفــــروض».. والتوعية بـ«المـرفوض»

بقلم :عصام السباعى        essamsebaie@yahoo.com
بقلم :عصام السباعى [email protected]

لا توجد مناسبة يخاطب فيها الرئيس عبد الفتاح السيسى الشعب المصرى، إلا ويتناول قضية «الوعي» بمعناها العام ومكونها التفصيلى، وهكذا كانت كلماته للمصريين فى عبارة مركزة جدا أكد فيها أن الوعى أخطر قضية تواجه المجتمع، وكان التفصيل وافيا فى خطابه المباشر لعقول وقلوب الجميع، فقد تناول فيه كل ما هو مفروض وواجب قومى ووطنى وحياتى ووجودى على كل مواطن مصرى، كما ركز أيضا على ما هو مرفوض، سواء من حيث العادات أو السياسات والسلوكيات التى تضر بالمجتمع وتعوق تقدم ونمو الوطن، وما فهمته من كلمات الرئيس السيسى  التى تابعتها على شاشة التليفزيون، هو أن يكون لكل مواطن وعى بما هو «مفروض» وواجب تجاه نفسه وأسرته وعمله والوطن من جهة، وبين ماهو «مرفوض» يحول دون تحسين حياته، ويبطئ من تقدم مؤشرات عمله ويعرقل نمو وطنه، ولست هنا فى مجال تعديد مؤشرات التحسُّن فى المجتمع المصرى، فقد أصبح واقعا ملموسا، ولكن أتحدث عما هو أكبر، وهو تحقيق طفرة واسعة فى النمو تستند على المعجزة الكبرى التى نجحنا فى تحقيقها بشهادة مؤسسات الاقتصاد والمال الدولية، أو بمعنى آخر: كيف تنطلق مصر إلى الآفاق الواسعة بعد نجاحها فى الوصول إلى معدلات استقرار غير مسبوقة، ووصولها إلى  مؤشرات اقتصادية وضعت البلد على طريق تلك الانطلاقة؟
ما أريد أن أقوله إننا لا يمكن أن نستمر فى الحرث فى البحر، فكل مجهود نبذله ومهما كان، لن يستطيع مواكبة مطالب النمو السكانى لو استمر بنفس المعدلات الحالية، أو كما نبّه الرئيس السيسى بضرورة ضبط النمو السكانى وتنظيم المصروفات، لأن الأمر بالفعل كما قال إن «هناك فرقا كبيرا بين التنظير وإيجاد حلول المشكلات، وأن مستقبل الدولة يحتاج إلى جهد وعرق وتضحية»، ولذلك لا يمكن أبدا  أن نترك معدلات النمو السكانى لتلتهم كل ذلك الجهد وتلك التضحيات، لأن «النمو السكانى غير المخطَّط يعيق استراتيجية الدولة فى ظل نقص الموارد، والنمو السكانى الذى يفوق طاقة مصر يترتب عليه سلوكيات مثل التى كادت أن تدمر الدولة فى 2011»،  ومن هنا أصبحت قضية النمو السكانى قضية أمن قومى بالدرجة الأولى، تحتاج  أولا إلى وعى وتوعية وواعين بها، يشارك فيها كل واحد فى موقعه، لأنها مهمة قومية أزعم أن الجميع له دور فيها، ومن هنا تبدأ الانفراجة الكبرى.. من هنا نشهد الانطلاقة العظيمة.. من هنا يبدأ المستقبل.. فتدبروا!

معادلات الإقناع والاقتناع بتنظيم النسل
 

قضية النمو السكانى من التحديات التى تحتاج إلى وعى بخطورتها، وإقناع واقتناع، والنظريات والتطبيقات فى ذلك المجال متعددة وناجحة، ومن أبرزها التغيير بالنتائج، فكل التجارب الناجحة فى تنظيم الأسرة تقوم على نماذج واقعية نجحت فى تغيير وتحسين حياتها بتنظيم الأسرة، وأحسب أننا بحاجة إلى منتدى أو مؤتمر، أو أيًا ما كان الاسم لمناقشة خطورة القضية ووسائل التعامل والرسائل الإعلامية المحترفة التى سيتم الترويج لها، ويجب أن  نكون واعين بأن هناك العديد من المعوقات التى ستقف أمامنا، وأخطرها تلك العقول التى ستستخدم الدين وتطوِّعه من أجل عرقلة تلك القضية القومية، وقد حدث وخضت حوارا ساخنا مع بعض هؤلاء، ولم يكن إقناعى لهم سوى بنماذج من الواقع وبنتائج إيجابية حقّقها البعض فى الدوائر التى تحيط بنا، أتحدث هنا عن أخين قسما إرثهما، وهو عبارة عن أرض مليئة بشجر النخيل من أنواع التمور وألوانه المختلفة، الأخ الأول كان كثير الأولاد، لا يتذكر النخيل إلا وقت التقليم وينتظر موسم الجنى ليبيع محصوله بالجملة لأحد التجار ليستطيع تسديد ديونه التى أثرت فى مستوى رعايته وتعليمه لأبنائه، أما الثانى فقد كانت زوجته مكتفية بولدين وبنت، وكان الأخ مهتما بالنخيل والعناية به، وكان يحرص على بيع المحصول بنفسه فى السوق بدون وسيط، ونجح فى ادخار مبلغ من المال استثمره فى إنتاج قوالب العجوة وشحنها لبعض التجار فى عاصمة المحافظة، وتوسع فى نشاطه، وحوّل جزءا من البيت لمصنع صغير للعجوة فزادت القيمة المضافة لمحصوله، ثم أصبح مالكا لمصنع كبير فى المنطقة الصناعية بمحافظته، ونجح فى تعليم أولاده تعليما راقيا، وأصبح الفرق كبيرا بين مستوى حياته، مقارنة بحياة شقيقه صاحب العيال «الكثير» والدخل «القليل».. التطبيقات متعددة والأفكار كثيرة فتدبروا!
 

الأمل .. فى أخلاق العمل  
 

سأظل من الداعين إلى تطبيق آليات أخلاق العمل، فلا نجاح يمكن أن يتحقق أبدا عندما تغيب، وأخلاق العمل أصبحت مكتوبة فى كل العالم، فلا يمكن أن نترك الناس لضمائرها فقط، فهى قابلة للضعف فى ظروف متعددة، وما أضعف الإنسان!
أتمنى لو سادت أخلاقيات العمل فى كل مكان، فيعرف الكل ما له وما عليه، ويكون على علم كامل بـ «المفروض» عليه، وعاقبة كل «مرفوض» قد يفعله، أتمنى لو عرف كل متعامل مع أى جهة حكومية حقوقه، وكيف يتعامل مع أى موظف، والوقت المحدد لإنهاء كل معاملة، والمدير والمكان الذى يستطيع أن يشكو فيه الموظف، والوقت الذى سينتظره ليتلقى الرد على شكواه.
أتمنى لو راعت شركات القطاع الخاص أخلاقيات البيزنس، فلا تضر بصحة المستهلك ولا البيئة، تحترم الوزن والمكونات، تعتذر لو أخطأت، وتسحب منتجها من السوق لو كانت فيه أى مشكلة، والأهم أن تلتزم بسداد ما عليها من التزامات ضريبية، فلا تتهرب منها، وأن تحترم مسئوليتها الاجتماعية، فلا نجد على سبيل المثال شركة دواء استثمارية أرباحها بمئات الملايين، والشوارع حول مقرها غاية فى السوء من حيث انتشار القمامة وسوء الرصف، لأنها لا تقوم بإنفاق جزء على صيانة وحماية وتجميل البيئة التى تعيش فيها.
الأمنيات كثيرة.. ولكنها تحتاج لرأى عام كفء، يعرف ويقدِّر المحترمين ويعاقب من لا يتعاملون بأخلاق البيزنس، أو يتجاهلون مسئوليتهم الاجتماعية.. فتدبروا!