حروف ثائرة

القاهرة - كابول بين واشنطن والصقور!!

محمد البهنساوي
محمد البهنساوي

أتعجب من المندهشين مما يحدث فى أفغانستان وعودة طالبان لصدارة المشهد، إنها قواعد التاريخ، قوى عظمى تتصارع وتدير ما يحدث بالكون بحسبة المصلحة الشخصية، وليذهب ما دونها للجحيم، أما بحكم الحاضر فما يحدث فمتوقع لمن يتابع المشهد الدولى ويركز قليلا على أفعال وفكر العام سام، وسعيه ليظل القوة الأوحد دوليا.

ما يحدث فى كابول لا يهم الأفغان والأمريكان فقط إنما يؤثر فى العالم كله ومنطقتنا بالقلب من هذا التأثير، وبنظرة سريعة لما يحدث نجد أن عودة طالبان لحكم أفغانستان يخدم أهدافا أمريكية عديدة، بداية فهو بمثابة زرع قنبلة موقوتة فى وجه الدول المحيطة بأفغانستان وهم المنافسون الأقوى لأمريكا خاصة الصين وروسيا، ومفتاح تفجير هذا اللغم بيد واشنطن تستخدمه متى وكيفما تشاء، وهذا اللغم يمكنه تعطيل المشروع الصينى الكبير «طريق الحرير أو الحزام والطريق» كما يمكن أن ينفجر فى وجه روسيا، أو يشكل مع بعض الدول الإسلامية المحيطة بأفغانستان مفرغا للإرهاب والتطرف ينقل إنتاجه حول العالم خاصة بدول الشرق الأقصى والأدنى، ناهيك عن وجود خط ـ حتى الآن وهمى ـ يصل أفغانستان بإقليم الإيجور الصينى ويمتد إلى الشيشان بحدود روسيا، ولن يكون هذا الخط بعيدا عن عواصم الشرق الأوسط سواء تمويليا وتنسيقيا مع اسطنبول والدوحة وتل أبيب مثلا، أو تهديديا لباقى العواصم خاصة التى لا ترضى عنهم واشنطن وترضاهم.

وأمريكا تحت حكم بايدن أو الأصح الديموقراطيين وبينهم أوباما ورموز حكمه يحيون فكرتهم فى رعاية التطرف ونشره بمسميات وأيديولوجيات مختلفة، وتتسارع الخطى فى لملمة شمل أعوان الأمس الذين تمزقوا وتشتتوا وبدأوا طريق الاندثار بإرادة شعوبهم لتنتحر معهم الفكرة، فلابد من بوتقة تجمعهم من جديد أولا لحماية الفكرة الجهنمية أمريكية المولد والنشأة لعلها تكتمل هذه المرة، وثانيا حتى لا تهتز صورة أمريكا أمام أعوانها الجدد حول العالم وهم يشاهدون أعوان الأمس يتيهون فى الأرض تنبذهم دولهم وشعوبهم، فتخلق لهم ملاذا آمنا يجمع شتاتهم وبيئة خصبة لفكرتهم ومخططاتهم الشريرة، كما أن هذا الملاذ الجديد مخرج مهم للدول الداعمة بالمنطقة للمخطط الأمريكى ليتخلصوا فيه من تجمعات المتطرفين والمنبوذين لديهم، وانتظروا رحلات مكوكية من الدوحة واسطنبول إلى كابول!!

وبصراحة نقف متعجبين بل مبهورين بالقدرة الأمريكية على رسم المخططات وتنفيذها وتغيير قناعاتنا وربما معتقداتنا حولها بما يخدم مصالحهم، فطالبان عندما استخدمتهم أمريكا ودعمتهم فى حربهم ضد الاتحاد السوفيتى السابق كانوا رسل الجهاد الذين يجب أن ندعهم، وكلنا نتذكر حملات التبرعات بالدول العربية والإسلامية لمجاهدى أفغانستان وجند الله ومبعوثيه لحماية الإسلام من الكفار السوفييت!!، وعندما امتدت أيادى طالبان والقاعدة وما شابههما من تنظيمات متطرفة بالسوء للعم سام، بدأت حملات وصفهم بالإرهابيين، ونحن لتلك الحملات مؤيدون ومهللون!!

نصل للسؤال الملح، هل سيؤثر ما يحدث فى أفغانستان على مصر والمنطقة؟، الإجابة واضحة، فإن لم نكن هدفا أساسيا مثل الصين وروسيا، فعلى الأقل لن ننجو من تبعاته ونيرانه، فقد قلنا إن ما يحدث إحياء لمخطط أوباما ونظامه، وهل ننسى أن لهؤلاء ثأرا مع مصر التى هدمت مخططاتهم على الجدار القوى لثورة 30 يونيو؟، ثم إن أغلب التنظيمات الإرهابية التى عانينا من عملياتها قتلا وتدميرا ولدت من رحم من أرسلناهم طواعية للجهاد فى أفغانستان سابقا استجابة للدعاية الأمريكية وعادوا قنابل انفجرت ببلادنا، ولأن الفكرة يعاد إنتاجها بنفس السيناريو والحبكة الدرامية والتغيير فقط فى الأبطال فمؤكد سنجنى ثمارها العلقم إرهابا وتطرفا.

لكن ثقتنا أولا فى الوعى المتزايد لشعبنا وثانيا فى يقظة أجهزتنا الأمنية تجعلنا نطمئن ونأمن من خوف وقلق، وما فعله صقور مصر فى مواجهة الخطر بمهده وتأمين حدودنا عن بعد ليس ببعيد ولنراجع جيدا وبتركيز «القاهرة كابول» و «هجمة مرتدة» حتى ندرك الرسالة.