فرفيش كده | يوميات الست كوثر 

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

جلست الست كوثر موظفة الحكومة العتيقة تضرب أخماسا فى أسداس فماذا لو تركت موقعها فجأة من مكتبها فى شئون العاملين!، مين سيعطل اجازة الأستاذ ممتاز، ومن سيعرقل صرف مستحقات المدام مديحة بعد إحالتها للتقاعد، ومن ستفقعه زمبة تقضى على مستقبله الوظيفى بالكل، ومن ستمشوره بين ادوار المصلحة الحكومية طالع نازل حتى يجف ريقه، ومن ومن ومن..


سرحت الست وتذكرت ذاك النهار الذى دخل عليها الأستاذ مسعد مكفهرا من أثر قيظ الحر، يتساءل بينما يجفف وجهه بمنديل قماش قطنى برسمته كاروهات سمبوسكة، وترجاها ألف مرة أن تحن عليه وتلطع امضاءها الكريمة على استمارة تأذن له بالخروج الى المعاش والحصول على مستحقاته الا أنها أبت أن تفعل، فليس أقل من المجيء للمصلحة ٢٠ مرة يزور خلالها جميع الأدوار طالع نازل، مرتين أو ثلاثة، ووزعت العشرين مرة على مدار ٦ شهور كاملة، يكون بين كل مرة ومرة قد زار هيئتين ومصلحتين وثلاث وزارات خدمية وذلك طبعا لجمع ما تيسر من استمارات ومستخرجات لانهاء اجراءاته، حتى ولو كانت هذه الأوراق مجرد حبر على ورق، ولا أهمية لها،  لكن لا مفر من الشحططة والمرازية فى خلق الله.


وبينما كانت سارحة فى ملكوتها الروتينى الباهت أفاقت على جثمان ضحية قديمة ملقى على بطنه اسفل مكتبها، يقبل تراب رجليها أن تعيد له الختم الذى سبق ولطعته قبل ذلك لكن بدهاء شديد لم تضعه فى علبة الحبر قبلها حتى لا تكون حجبته عنه ولا تكون انجزت آخر ختم بلا عودة للرجل، هكذا يجب ان تضمن ولاء الموظف السابق حتى بعد خروجه للمعاش، فلا يجب ان تنقطع زياراته حتى بعد وفاته يجب ان يستمر الورثة فى الزيارة.


مصمصت الست كوثر شفايفها ثم زفرت هواء كثيفا من فمها وقالت: أيااااام.


كانت الست كوثر فى كل مرة تسمع نشرة الأخبار بلا مبالاة مفرطة، فلا تظن أن يوما قريبا حتى أو بعيدا سيأتى عليها وتضطر آسفة لمغادرة أكوام الورق المتلتلة، وتترك هذا الكم الهائل من الملفات الورقية التى غرقت بينها على مدار سنوات طويلة.


إلى أن استفاقت فى لحظة على حركة غريبة من عامل المصلحة يضعها على تلك الرافعة التى يجمع عليها قمامة المصلحة للتخلص منها، ولما سألته الست كوثر بضجر وغرور: على فين يا رجب!


رد عليها: أخيرا ربنا خلصنا منكم.. ع العاصمة الجديدة يا ست كوثر.. روحى الله لا يرجع أيامكم.