بدون أقنعة

من فاتهم القطار

مؤمن خليفة
مؤمن خليفة

ادعو معى أن يعطيك ربك القدرة على مقاومة نفسك الأمارة بالسوء.. جهاد ما بعده جهاد.. فهى النفس التى تأمر الإنسان بفعل السيّئات والتى أخبر عنها القرآن الكريم فى قوله تعالى: ﴿ وَمَا أُبَرِّىءُ نَفْسِى إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّى غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ يوسف: 53.  

فهى تأمر صاحبها بفعل كل رذيلة، تسيطر عليها الدوافع الغريزية وتبرز فيها الدوافع الشريرة، فهى توجّه صاحبها بما تهواه من شهوات. وتدفع به إلى مشاكل لا يعرف مداها وقد تنبئه بأن ما يفعله هو الصواب بينما هو قد وضع نفسه فى موضع السوء.. لذا فمن الضرورى ألا تسقط فى فخ عدم تقدير الأمور وأن تعلم أن سوء التصرف يوقعك فى الخطأ الذى قد لا تستطيع معه أن تتراجع وتودى بنفسك إلى التهلكة.

لست واعظا ولا أعلم الناس ما لا يدركونه لكننى أحيانا ألاحظ بعض الأشياء التى تستوجب التنبيه والحذر.. وهناك من القصص والحكايات التى نتعلم منها الكثير، فحياة الإنسان هى عبارة عن تجارب ومخزون بشرى عظيم.. من حق كل إنسان أن يبحث عن ذاته وأن يحقق أحلامه فى الحياة بشرط ألا ينخدع وأقول هذا تحديدا لبعض من فاتهم القطار بالتعبير البلدى الدارج وكانوا أعلاما فى فترة ما دون الأخري.. وبالنسبة لى أتعجب ممن لا يزن الأمور والذى يريد أن يبقى مسيطرا طوال الوقت على الدنيا بما فيها.. وأن سنة الحياة تقتضى أن تترجل يوما ما من على صهوة حصانك ليصعد عليها آخرون وهكذا هى الحياة بكل آلامها ومآسيها وأفراحها.

والعاقل من يعى هذا الدرس جيدا فلا يتهور أو تغره الدنيا أو يعارض لحاجة فى نفسه فتاريخ الأمم هو صعود وأفول وتراجع وأمم وأمبراطوريات جديدة تعلو وأخرى إلى زوال.. والإنسان جزء من هذه الدائرة يتحرك ويتفاعل فى كل الأوقات.

لا تبك على منصب فاتك أو شغلته وآن أوان أن تتركه لغيرك فليس كل الأمور تدار لصالحك وتصالح مع نفسك واكبح جماحها وتحلى بالفطنة والكياسة واعلم أنك مربوط بحبل القدر والمصير وإذا دعتك نفسك الأمارة بالسوء فلا تجرى فى مناكبها واعلم أن الله لا يريد لك سوى الخير وأن الشرور تأتى من سيئات عملك ولا تلومن إلا نفسك وقتها.

أعرف صديقا بعد أن خرج من الهيلمان والسلطة يناطح لكى يعود إلى صولجانه فقد كان يوما تهتز له الدنيا فهو لا يرضى بما قدره الله له.. أصبح ناقما على حياته واتخذ من المعارضة سلاحا لكى يفسح الجميع له مكانا فى السلطة الجديدة وهو الذى كان يسبح بحمد نظامه القديم ليلا ونهارا.. لا يسمع نصيحة ولا يقاوم غرور نفسه فكان مصيره سيئا وهو يظن أنه على صواب.. وأحيانا أتذكره وهو ينكر عوامل الزمن ويرفض مصيره الذى آل إليه وأتعجب من طريقته فى الحياة وهو يعلم أن الزمن لم يعد زمنه وأنه لم يقرأ تاريخ الأمم والشعوب وأنه رغم سنوات عمره الكثيرة لم يتعلم منها شيئا.

مثل هؤلاء الأشخاص لديهم مشكلة مع أنفسهم.. لا يؤمنون بالتغيير ويفتقدون حسن التقدير ويبحثون عن دور لم يعد لهم ويعتقدون أنهم وحدهم القادرون على تغيير مسار الأيام.. هؤلاء فى ظنى مرضى يحتاجون إلى العلاج!