خبراء: سياسات إثيوبيا تعكر صفو شعوب النيل

سياسات إثيوبيا تعكر صفو شعوب النيل
سياسات إثيوبيا تعكر صفو شعوب النيل

حسن حافظ

مع مرور الأيام تزداد أزمة سد النهضة الإثيوبى تعقدا وحدّة، فتعنت الحكومة الإثيوبية تحول إلى صخرة تحطمت عليها كل الجهود الأفريقية والدولية من أجل التوصل إلى اتفاق ملزم ويحافظ على مصالح الدول الثلاث مصر والسودان وإثيوبيا، فوقفت أديس أبابا حجر عثرة أمام أفق التعاون بين دول حوض النيل الشرقى على الرغم من تقديم القاهرة والخرطوم حسن النية ومد الأيادى للعمل المشترك، إلا أن النهج الإثيوبى دمر كل هذه المحاولات وأدى نظام أديس أبابا بأساليبه الملتوية إلى تعكير صفو العلاقة التى تجمع بين شعوب وادى النيل.


رفعت مصر والسودان شعار حسن النية فى مفاوضات سد النهضة، حفاظا على علاقات تاريخية صنعت منذ آلاف السنين، عبر نهر يربط كالشريان بين شعوب وادى النيل، وافقت الدولتان على مبدأ تقاسم الضرر الناتج عن بناء سد النهضة من أجل جنى الشعب الإثيوبى ثمار التنمية، طالبت القاهرة والخرطوم بأن يتم الأخذ فى الاعتبار مصالح الشعبين المصرى والسودانى أيضا وحقهما فى مياه النيل، وهنا ظهر التعنت الإثيوبى الذى حول فرصة سانحة للتعاون إلى نقطة فراق بين الشعوب الثلاثة، فتراكمت العدائية بسبب إجراءات نظام لم يعبأ بمستقبل العلاقات بين الشعوب.


ويسعى النظام الإثيوبى إلى استخدام ملف سد النهضة لتحقيق مكاسب ضيقة فى الداخل الإثيوبى حتى ولو أدى الأمر إلى توتير العلاقات مع مصر والسودان، فإثيوبيا الدولة متعددة العرقيات تواجه أزمة تنافر بين مكوناتها، وهو ما يظهر عبر الصراع بين عرقيات الأورومو والتيجراى والأمهرة، الأمر الذى قاد آبى أحمد من قومية الأورومو إلى سدة الحكم، لكنه واصل سياسة القمع لبقية العرقيات الإثيوبية، ولم يجد أفضل من استثمار سد النهضة وتحويله إلى قضية وطنية باعتباره المشروع الذى يمثل وحدة البلاد ونهضتها المقبلة، مع تشويه مصر والسودان، وتصوريهما فى صورة العدو الخارجى الذى يريد تعطيل مسيرة نهوض الشعب الإثيوبي.


سياسة حكومة آبى أحمد تتحمل مسئولية تعكير صفو العلاقات بين شعوب حوض النيل الشرقي، مرة عندما حاول دفع ميليشيات إثيوبية لتثبيت احتلال أراض سودانية، ما أدى إلى اشتباكات بين الجانبين انتهت بهزيمة إثيوبية وتحرير سودانى للأراضى المحتلة، لكن الضرر وقع وتوترت العلاقات بين الشعبين السودانى والإثيوبي، فى وقت حولت الأبواق الإعلامية للنظام الإثيوبى مصر إلى صورة العدو الذى يرث سياسات استعمارية يهدد بها استقرار وأهداف إثيوبيا فى التنمية، ورغم أن هذا الخطاب كاذب فى الصميم، فمصر رسميا وشعبيا ليست ضد أى خطط تنموية فى بلاد الحبشة، طالما لم تؤثر على حصة القاهرة المائية، إلا أن مفعول الخطاب الإثيوبى الرسمى والإعلامى أدى إلى تردى العلاقات بين الشعبين المصرى والإثيوبي.


ورأى الدكتور عباس شراقي، أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة، فى حديث لـ"آخر ساعة"، أن العلاقة بين الشعبين المصرى والإثيوبى ليست بالقوة التى يتخيلها البعض ويرجع ذلك للبعد الجغرافى، وعدم وجود أنشطة اقتصادية كبيرة بين البلدين، فالعلاقات محدودة على المستوى الشعبي، وعدد الإثيوبيين المتواجدين فى القاهرة محدود ومتعلق بعدد الطلاب الذين يدرسون فى جامعة الأزهر، وبعض رجال الأعمال المصريين الذين لهم نشاط فى إثيوبيا، لكنها لم تعرف التوتر إلا بعد الإجراءات التى اتخذتها الحكومة الإثيوبية وأدت إلى حالة عدائية ضد مصر، والإعلام له دور فى توتر العلاقات بين الشعبين، وأعتقد أن هناك توترا كبيرا من خلال تصوير الحكومة الإثيوبية لشعبها أن مصر ضد التنمية وأنها لا تريد مصلحة الشعب الإثيوبي، وأنها العدو للإثيوبيين".


وتابع شراقي: "الخطاب العدائى تستفيد منه حكومة أديس أبابا على اعتبار أنها توحد الشعب معها ضد الخطر الخارجي، وهذا أسلوب سياسى متبع من بعض السياسيين عند انخفاض الشعبية، بخلق عدو خارجى من أجل إجبار الشعب على نسيان خلافاته الداخلية، ومع ذلك رأينا فى السنة الأخيرة زيادة الاضطرابات فى الداخل الإثيوبى وأزمة إقليم التيجراى التى تهدد بتفكك إثيوبيا بشكل كامل، وفى العشر سنوات الأخيرة حولت الحكومة الإثيوبية مشروع سد النهضة إلى مشروع قومى وشحنت الشعب بأن هناك عدوا خارجيا، وروجت أن مشروع النهضة سينهض بالشعب واقتصاد إثيوبيا والدولة كلها، وهو خطاب تهويلى يقوم على تزييف الحقائق، وخلق قضية كبرى من مجرد مشروع عندما ينتهى ستكون هناك صدمة كبرى للإثيوبيين من أن المشروع لن تجد له فوائد حقيقية ولن ينقلهم النقلة الكبرى التى تتحدث عنها الحكومة، وسيدركون بعد فوات الأوان أنه مشروع فنكوش".


بدوره، قال الدكتور ضياء القوصي، مستشار وزير الرى الأسبق والخبير المائي، لـ"آخر ساعة"، إن موقف المفاوض المصرى طوال سنوات التفاوض لم يتعرض لحق الشعب الإثيوبى فى التنمية، بل احترم هذا الحق واعترف به، "لكن المفاوض المصرى متمسك بالحفاظ على الحقوق المائية للقاهرة، ولن يسمح بالتفريط فيها، فى ظل المحاولات من قبل الحكومة الإثيوبية لفرض الأمر الواقع، وكل ما يجرى حاليا يفضح العدائية الإثيوبية، فخلال جولات المفاوضات السابقة يتكشف أمام المجتمع الدولى حجم التعنت الإثيوبي، وهو أمر يقوى من الموقف المصرى أمام المجتمع الدولي، ويعطى القاهرة القدرة على بحث كل خياراتها بحرية حال استمر الموقف الإثيوبى الذى يكشف عن رغبة مبيتة من قبل أديس أبابا فى عدم التوصل إلى اتفاق".


وتابع القوصي: "إثيوبيا الرسمية مستمرة فى إلقاء أى أزمة داخلية على طرف خارجى ويكون المقصود به عادة مصر، فى محاولة كاذبة ومؤسفة لتحقيق مكاسب داخلية على حساب العلاقات مع القاهرة، فهناك هاجس إثيوبى بأن أى تطور يحدث فى الداخل الإثيوبى سببه مصر، لكن الواقع أن القاهرة لا تتورط فى التدخل فى الشئون الداخلية لأى دولة، وهذه سياسة معلنة، فى مقابل سياسة إثيوبية معلنة تقوم على العدائية الشديدة لمصر، فإثيوبيا بها 80 مجموعة عرقية لها عاداتها وتقاليدها ولغاتها المنفصلة، وهناك صراعات مزمنة بيت الأورومو والأمهرة والتيجراي، أدت إلى استقالة رئيس الوزراء الأسبق مريام ديسالين قبل عامين، ووقتها ردد الإثيوبيون نفس الاتهامات الباطلة ضد مصر".


وأردف: "تم ربط المظاهرات بملف سد النهضة لأن الأخير تحول إلى أداة حكومية لحشد الشعب الإثيوبى خلف ما يعتبرونه المشروع القومى الذى سينهى جميع مشاكلهم، لكن مع تأجيل الانتخابات العامة بسبب جائحة كورونا، واجهت حكومة آبى أحمد، اضطرابات سياسية تقودها المعارضة، وبدلا من معالجة الأزمة ألقت المسئولية على مصر التى لا علاقة لها بما يجرى فى الشارع الإثيوبى من أحداث تعبر عن عمق الأزمة فى الداخل الإثيوبى فى المقام الأول".