وداعًا الضاحك الباكى

هالة العيسوى
هالة العيسوى

وداعًا أبو ذكرى.. وداعًا أيها الضاحك الباكى المقاتل الصابر المحتسب.. رحيلك المفاجئ أوجع قلوبنا.. أصابك المرض وانتصرت عليه بصبرك وإيمانك.. قابلت كل آلامك بجلد حسدت عليه، واجهت مراراتك وإحباطاتك بضحتك الساخرة المعهودة.


كثيرًا ما جمعتنا جلسات طويلة فى مكتبى بين جدران دارنا الحبيبة تناقشنا فيها فى أحوال الدنيا وتبادلنا النصائح حول أحدث قراءاتنا وأمتعها، كنت تضحك وتبكى فى آن واحد، تغلبك موهبتك فى التمثيل فتتقمص أداء مشاهير الفن المليجى والقصرى والنابلسى، تهيم مع خواطرك فترتجل زجلًا فى ذات اللحظة، تبث لواعج نفسك؛ زهوك ببنوتك  الوحيدة «نور» التى تعلمت العزف على البيانو، وترمى إلىّ بمخاوفك من احتمال عدم قدرتك على إكمال المسيرة معها، يلهج لسانك بالامتنان لزوجتك التى ساندتك وتحملت معك صعاب الحياة، حزنك على رحيل والدتك وفقدان الأمان من بعدها.


كنت الشيء وعكسه، البهجة والأسى، الجد والهزل، الجموح والتروى، الخفة والوقار.. كثيرًا ما أصابتنى الحيرة وكنت أسألك: من أنت من كل هؤلاء حقا؟  كيف أنت؟ فيكون ردك: أنا كل هؤلاء!


عندما بلغت سن الستين قبل عدة شهور أصابك الهلع.. نظرت إلى الوراء، تأملت حياتك وانتابك شعور بأن كل ما أنجزته كان قبض الريح، لكن ما نزل على فؤادك بردا وسلاما أنك كنت مرتاح الضمير، وكما قلت لى أنك لم تدخل معركة لم تؤمن بها، ولم تجابه شخصًا أو فكرة، إلا وكنت راضيًا عن نفسك.. 
مع السلامة يا أبو ذكرى.. طب نفسا وارقد فى سلام فقد استودعت الله أهلك وأحباءك وغادرت الدنيا بكل أفراحها وأتراحها وانعم بنفسك الراضية فى مقعد صدق عند مليك مقتدر.