ما حكم مشاركة المرأة في العمل السياسي ؟ ..«الإفتاء» تُجيب‎‎

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية

ورد سؤال إلي دار الإفتاء يقول فيه صاحبه : ما حكم مشاركة المرأة في العمل السياسي ؟،  وأجابت دار الإفتاء أن عمل المرأة من حيث المبدأ  لا تمانع منه الشريعة الإسلامية؛ والأصل فيه أنه مباح ما دام موضوعه مباحًا، ومتناسبًا مع طبيعة المرأة، وليس له تأثير سلبي على حياتها العائلية، وذلك مع تحقق التزامها الديني والأخلاقي وأمنها على نفسها وعرضها ودينها حال قيامها به.

وأوضحت دار الإفتاء أن العمل حق من حقوق الأفراد، ولكل واحد الحق في ممارسة ما شاء من أنواع الأعمال المشروعة؛ ليُحَصِّل نفقتَه وينفع مجتمعه ويمكنه العيش بكرامة. والشريعة الاسلامية لم تُفَرِّق بين المرأة والرجل في هذا الحق؛ فقد قال تعالى: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُم﴾ [البقرة: 198]، وروى مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال: طُلِّقَتْ خالتي، فأرادت أن تَجُدَّ نخلها؛ أي تحصد تمر نخلها، فزجرها رجل أن تخرج، فأتت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: «بلى فجُدِّي نخلك، فإنك عسى أن تَصَدَّقِي، أو تفعلي معروفًا».

وأما بخصوص عمل المرأة في المجال السياسي وشؤون الدولة فلفتت دار الإفتاء أنه  داخل فيما سبق تقريره، ويشهد له ما حثَّ عليه الإسلام فيما يتعلق بمبدأ الشورى دون فرق بين جنس وغيره؛ فيقول تعالى: ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾[آل عمران: 159]، وروى البخاري أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد استشار زوجته أم سلمة رضي الله عنها في صلح الحديبية بعدما كتب معاهدة الصلح مع المشركين، وبعدما أمر المسلمين بأن يقوموا ينحروا هديهم ويحلقوا؛ فإنهم لا يذهبون إلى مكة في هذا العام، فلم يقم منهم أحد، فيقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: فلما فرغ من قضية الكتاب قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأصحابه: «قُومُوا فَانْحَرُوْا ثُمَّ احْلِقُوْا». قال : فوالله ما قام منهم رجل، حتى قال ذلك ثلاث مرات.

فلمَّا لم يقم منهم أحد، دخل على أم سلمة، فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت أم سلمة: يا نبي الله، أتحب ذلك، اخرج، ثم لا تكلم أحدًا منهم كلمة حتى تنحر بدنك وتدعو حالقك فيحلقك، فخرج فلم يكلم أحدًا منهم حتى فعل ذلك؛ نحر بدنه ودعا حالقه فحلقه، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضًا.


ومما يؤصِّل حقَّ المرأة في المشاركة السياسية موقف أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها من النزاع القائم بين الإمام علي -كرم الله وجهه- ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما؛ فقد تدخَّلت وقالت برأيها في الخلاف القائم بينهما، وذهبت بنفسها لتصلح بينهما في ميدان القتال، غير أن الله قدَّر هذا القتال. راجع: "مروج الذهب" للمسعودي (2/ 357، ط. دار الهجرة)، و"الكامل في التاريخ" لابن الأثير(3/ 119، ط. دار الكتب العلمية)، و"تاريخ الطبري" (4/ 462، ط. دار المعارف).


وأما تولي المرأة للمناصب السياسية في الحكومة أو مؤسسات الدولة  فأوضحت دار الإفتاء أنه جاءت بعض الآثار في ممارسة المرأة لوظيفة السلطة التنفيذية، أو الشرطة، أو ما يسمى في التراث الفقهي الإسلامي بـ"الحسبة"؛ منها: ما رواه الطبراني في "معجمه الكبير" عن أبي بلج يحيى بن أبي سليم، قال: رأيت سمراء بنت نَهيك، وكانت قد أدركت النبي صلى الله عليه وآله وسلم عليها درع غليظ، وخمار غليظ، بيدها سوط تؤدب الناس، وتأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر.
ومن هنا أجاز بعض علماء الإسلام قيام المرأة بهذا المنصب الحساس.

واختتمت دار الإفتاء فتواها بأن هذه المشاركة الآن قد أصبحت واقعًا لا يُنكَر؛ فالمرأة تشارك الرجل في أغلب الدول الإسلامية والعربية في جميع وظائف الدولة والحياة السياسية والعلمية؛ فالمرأة سفيرة ووزيرة وأستاذة جامعية وقاضية منذ سنوات عديدة، وهي تتساوى مع الرجل من ناحية الأجر والمسمى الوظيفي في كل تلك الوظائف، فالمطلوب هو جعل هذه المشاركة المحمودة في نفسها في إطار الأحكام والآداب الشرعية والأعراف التي تحفظ للمرأة كرامتها، وتصون عرضها، وتعمر بيتها، وترضي ربها.