رسائل مصرية سودانية لحل أزمة سد النهضة

وزير الخارجية سامح شكرى فى جلسة مجلس الأمن
وزير الخارجية سامح شكرى فى جلسة مجلس الأمن

كتب: أحمد الجمال

قدمت مصر والسودان مزيداً من النوايا الحسنة تجاه الانخراط فى مفاوضات جديدة مع إثيوبيا بشأن أزمة سد النهضة برعاية الاتحاد الأفريقي، وأكد البلدان عبر التحركات الدبلوماسية والتصريحات الصادرة عنهما أن جميع الخيارات متاحة للتعامل مع أزمة السد بعد أن أطلعا مجلس الأمن على طبيعة الأزمة ومهدداتها المستقبلية.
ينفتح مصر والسودان على المفاوضات مجدداً وهما لديهما قوة دبلوماسية ودعم دولى كبير، ما يضاعف الضغوطات على إثيوبيا لإنجاح المباحثات هذه المرة، والتى يُتوقع أن تحظى باهتمام دولى واسع بعد أن حازت القضية اهتمام قوى إقليمية عديدة بفعل الخطابات الدبلوماسية القوية لوزيرى خارجية البلدين أثناء جلسة مجلس الأمن وما تبعها من تحركات على مستوى الدول التى قد تلعب دوراً محورياً فى مستقبل التعامل مع أزمة السد.
وشدّد الدكتور محمد عبدالعاطي، وزير الرى خلال لقائه مايكل لوكوند، رئيس وزراء الكونغو الديمقراطية، على حرص مصر على استكمال المفاوضات للتوصل لاتفاق قانونى عادل وملزم للجميع يلبى طموحات جميع الدول فى التنمية، مؤكداً فى الوقت ذاته على ثوابت مصر فى حفظ حقوقها المائية وتحقيق المنفعة للجميع فى أى اتفاق حول سد النهضة.
وأشار إلى طلب مصر والسودان بمشاركة أطراف دولية تقودها جمهورية الكونغو الديمقراطية باعتبارها تتولى رئاسة الاتحاد الأفريقى فى الوقت الحالي، وتشارك فيها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى والأمم المتحدة لدعم منهجية التفاوض بين الدول الثلاث بشكل فاعل، لتعظيم فرص نجاحها، خصوصاً مع وصول المفاوضات إلى مرحلة من الجمود نتيجة التعنت الإثيوبي، مؤكداً أن مصر والسودان لن تقبلا بالقرار الأحادى لملء وتشغيل السد الإثيوبي.
واستطاعت مصر أن تحظى بدعم الاتحاد الأوروبى فى جهودها الساعية للتوصل إلى اتفاق قانونى ملزم، وبحسب وزير الخارجية سامح شكري، الذى التقى وزراء خارجية الاتحاد الأوروبى فى بروكسل الأسبوع الماضي، فإن الاتحاد مستعد لتكثيف التعاون لتيسير الأمر وتجاوز ما وصفه بحالة «التصلب الحالي» فى مفاوضات سد النهضة، مشيراً إلى أن هناك تنسيقاً بين الجانبين المصرى والسودانى «لاتخاذ القرار المناسب للعودة للمفاوضات».
وفى المقابل، حقّقت الزيارة التى قامت بها وزيرة الخارجية السودانية، مريم الصادق المهدى إلى موسكو، قبل أيام، نتائج إيجابية، وأكدت عبر حسابها على موقع «فيسبوك»: «تكللت المباحثات بالنجاح وفتحت آفاقاً أرحب للسودان بشأن توصيل موقفه الثابت حول أزمة سد النهضة، وضرورة الوصول لاتفاق ملزم حول ملء وتشغيل السد».
وأوضحت أن السودان يأمل أن يصل مجلس الأمن إلى مخرج خلال الأيام المقبلة، يعزِّز الاجتماع ويعالج الموضوعات المتعلقة بشواغل الخرطوم، مشيرة إلى أن انعقاد اجتماع فى مجلس الأمن يعد انتصاراً للسودان من حيث الاعتراف بوجود قضية تستحق المناقشة والنأى عن الخطوات الأحادية أو القيام بأى أعمال من شأنها تقويض عملية التفاوض.
من جانبه، أكد العميد خالد فهمي، المتخصص فى الشأن الأفريقي، أن التفاوض هو الطريق الأساسى الذى سلكته مصر فى أزمة سد النهضة منذ البداية، واللجوء إلى مجلس الأمن استهدف توضيح القضية للمجتمع الدولى بما يقود لمزيد من الضغوط على أديس أبابا للوصول لاتفاق قانونى ملزم، مع تأكيد مصر على حصتها الثابتة من المياه والتى من غير المقبول التنازل عنها فى ظل الزيادة المتوقعة فى تعداد السكان.
وأضاف فى تصريحات لـ«آخرساعة»، أن مصر بعثت برسائل مهمة إلى المجتمع الدولى مفادها أنها ليست ضد تنمية دول حوض النيل وأنها مستعدة لأن تكون شريكاً أساسياً فى عملية التنمية، ولديها رؤية واضحة بإمكانية تحوُّل شريان النيل إلى أداة للتوحد والتعاون بدلاً من اللجوء للأساليب العسكرية، ولكن فى كل الحالات فإن الدولة المصرية لديها الاستعدادات الملائمة التى تجعلها قادرة على التعامل مع أزمة السد حسبما تقتضى تطورات القضية.

سد النهضة


وأشار إلى أن النجاح الدبلوماسى المصرى كان سبباً فى تغيير مواقف أطراف دولية عديدة من الأزمة وتلك القوى دعمت العودة للمفاوضات ما يعنى أن أى مباحثات مقبلة ستكون تحت أنظار قوى دولية عديدة لديها مصلحة فى عدم إثارة التوتر فى منطقة القرن الأفريقي، ويُتوقع أن تكون نتائج هذا الاهتمام عبر قيام الاتحاد الأفريقى بدور أكثر فاعلية فى المباحثات المقبلة بما يعزز وجود حل يضمن حقوق الأطراف مختلفة من داخل القارة الأفريقية.
وقبل أيام أعرب المتحدث باسم الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية للاتحاد الأوروبي، بيتر ستانو، فى حوار أجراه مع قناة «النيل للأخبار» عن تقدير الاتحاد الأوروبى للدور المصرى فى الملفات الإقليمية، معرباً عن أسف الاتحاد عن الخطوة الأحادية التى اتخذتها إثيوبيا بالملء الثانى للسد بدون اتفاق مسبق بين الأطراف المعنية.
وشدّد على ضرورة أن يكون تشغيل السد الإثيوبى بناء على اتفاق متبادل بين جميع الأطراف، مؤكداً أن الخطوات الأحادية لا تؤدى سوى لنتائج سلبية لا تسهم فى استقرار وأمن المنطقة، وأوضح أن التطورات الأخيرة التى قامت بها إثيوبيا والملء الثانى للسد تشكل مصدر قلق للاتحاد الأوروبي.
وأكد السفير على يوسف، الدبلوماسى بوزارة الخارجية السودانية، أن إثيوبيا خرجت بانطباع خاطئ بعد جلسة مجلس الأمن الأخيرة بأنها حققت انتصاراً دبلوماسياً وهو ما يشكل إحدى الأزمات التى ستواجه المفاوضات الجديدة حال اللجوء إليها، فى حين أن الذى حدث هو أن مصر والسودان وضعا المجتمع الدولى أمام مسئولياته حال اتخذت إثيوبيا قراراً انفرادياً وتعرضت لمصالحهما المائية.
وأضاف: إن إلقاء الكرة للمرة الثانية فى ملعب الاتحاد الأفريقى من جانب مجلس الأمن يؤكد أن على جميع الأطراف أخذ الموضوع بجدية هذه المرة بعد أن كان هناك تحذير واضح من مصر والسودان بعدم المساس بمصالحهما حتى لا تتعرض المنطقة لأخطار كبيرة.
ويرى أن هناك مسارين للحل خلال الفترة المقبلة؛ أولهما، الاستجابة لمطلب مجلس الأمن والدخول فى مفاوضات جادة والالتزام بوساطة الاتحاد الأفريقى الذى سيكون من واجبه وأد أى تطورات قد تؤثر فى مستقبل القارة مع ضرورة عدم تعرض مصر والسودان لأى أضرار أثناء المفاوضات فى ظل إقدام إثيوبيا على الملء الثانى منفردة مع استمرار رفض البلدين لهذه الخطوة.
أما الخيار الثاني، فمن المتوقع اللجوء إليه، بحسب السفير على يوسف، حال تضرُر البلدين من الملء الثانى المنفرد أثناء المباحثات التى قد تطول إذا استمرت إثيوبيا فى تعنتها، وفى تلك الحالة سيكون هناك حلول خشنة لحماية مصالح البلدين، وقد تكون هناك مواجهة أكيدة وهو ما تحاول مصر والسودان تجاوزه عبر تكثيف الضغط الدبلوماسى على إثيوبيا لإرغامها على الوصول لاتفاق.
وفند يوسف طبيعة الاتفاق الذى قد يكون مرضياً لمصر والسودان بحيث يؤكد على حقوق جميع الأطراف فى وصول معدلات المياه السنوية كما هى قبل بدء بناء السد وتشييده والحصول على التعويض المناسب حال حدوث أضرار لأى من الدولتين، مع أهمية توقيع اتفاق فنى بين الدول الثلاث ينظم الملء والتصرف فى مياه السد بصورة لا تضر بمصر والسودان.
وشدَّد على أن الوضع الحالى بحاجة لضغط فنى وسياسى من جانب قوى إقليمية عديدة لإرغام إثيوبيا على الإجابة عن سؤال: «لماذا ترفض أديس أبابا الوصول إلى اتفاق قانونى ملزم؟»، وهو أمر لم يتطرق إليه مجلس الأمن فى جلسته الأخيرة، تحديداً وأن إثيوبيا ليست بحاجة لـ74 مليار متر مكعب من المياه لتوليد الكهرباء، ويكفيها سنوياً 15 إلى 20 مليار متر مكعب، بالتالى هناك أهداف أخرى وراء السد على رأسها سعى إثيوبيا لبيع المياه لمصر والسودان سواء كان ذلك بصورة مباشرة أو عبر أطراف وسيطة.. وأكد يوسف، وهو رئيس اللجنة التنفيذية عن الجانب السودانى فى مبادرة تعزيز العلاقات المصرية السودانية، أن التعاون الإقليمى بين دول حوض النيل هو الحل الأمثل للاستفادة من المياه والكهرباء التى تمتلكها إثيوبيا بعد بناء السد وكذلك من الأراضى الشاسعة التى يمتلكها السودان ومن الثورة الصناعية الكبيرة فى مصر، وقد يكون الأمر قابلاً لدخول بلدان أخرى مثل إريتريا وجيبوتى والصومال وأوغندا وجنوب السودان لكن شريطة الوصول لاتفاق قانونى ملزم.
وأوضح أن القارة الأوروبية خاضت عشرات الحروب فيما بين دولها وراح ضحيتها آلاف من الأبرياء وفى النهاية لم تجد مفراً سوى التعاون بين دولها وتحديداً التعاون الاقتصادى الذى بدأ باستغلال الفحم والحديد، وأن دول القارة السمراء عليها أن تستفيد من هذه التجربة حتى لا تقع فى نفس الأزمات التى لم يدفع ثمنها سوى الشعوب.
المصدر: مجلة آخر ساعه