فرفيش كده | أصل الدراويش أنواع

أصل الدراويش أنواع
أصل الدراويش أنواع

محمد إسماعيل عمر

للذهاب للحلاق طقوس خاصة، فهو يستلزم التفرغ التام. بعكس أى نشاط اخر يمكنك إتمامه وأنت تأكل أو تتحدث فى الهاتف أو حتى تتصفح برامج التواصل الاجتماعى. 


بيد أن للحلاقة فائدة اكتشفتها حديثًا وهى التأمل. فإن سلبتك تلك اللحظات كل الملهيات فهو الوقت المناسب للتدبر ولا شيء آخر. تعلمت تلك العادة من زياراتى الأخيرة لصالون قريب من بيتى، فرغم تعلقى بالحداثة لازلت أحبذ جلسة الحلاق العتيدة. بعكس الكوافير كثيف الأضواء الذى تستقبلك فيه حسناء لتسألك بصدق: حضرتك تحب تعمل إيه؟ تتردد قليلًا قبل أن تخبرها كاذبًا: أحلق.


أرتاح أكثر فى الصالونات العتيقة بمروحة السقف وكراسيها الجلدية الخضراء وإضاءتها الفلورسنت. ففضلًا عن كولونيا اللافندر التى ترسلك للطفولة رأسًا، هناك الزبائن المستديمين وعلى رأسهم: عم درويش، الذى يحرص على جلسته اليومية فى الصالون رغم تساقط أغلب شعره.


تشرب قهوة يا عم درويش؟


لا ماشربهاش الصبح، بالليل بس علشان بتنيمنى.


ياعم درويش باقوللك قهوة مش مرمرية.


يخلع عم درويش نظارة قراءته ليرى محدثه بزغللة أقل ثم يخبره بثقة العالِم:


أصل أنا من النوع اللى يشرب القهوة ينام، ويشرب الينسون يسهر. إعمللى ينسون خلينى أصحصح.


تسحبنى تلك الجملة من اندماجى مع فيلم عالم عيال عيال مبثوثًا على روتانا زمان لأفكر فيها مليًا. فبغض النظر عن صحة ما قاله علميا عن النوم بالكافيين والسهر بالينسون.

هل حقًا هناك نوع كامل من البشر يتحلى بهذه الميزة؟ ومن أين أتت لعم درويش تلك الثقة فى وصف حالته بأنها منتشرة لدى نوع من الناس؟ ومن سمح له بتقسيم الأنواع بناء على المشاريب بدلًا من الجينات والأعراق والموروث الحضاري؟


كم معلقة سكر يا عم درويش؟


معروف طبعًا معلقتين.


أعود لشرودى ثانية، معروف لمين؟ مين يعرف ومتابع عدد معالق السكر فى ينسونك أيها الرجل؟ أحاول التوقف عن التأملات فأطلب من مساعد الحلاق رفع صوت التلفاز لمتابعة الفيلم، فينطلق عم درويش:


أنا مراتى من النوع ده، تحب تعلى التليفزيون وهى بتشوف الأفلام، توطيه لما يجيب الأخبار.


تقسيم آخر لنوع جديد من البشر تتغير حاسة السمع لديه بحسب المتكلم. ما سر تلك الجرأة على التصنيف؟ لا تقل ثقته بمعلوماته عن ثقته ببيجامته المقلمة التى لا يخجل من نزول الشارع بها وكأنها بذلة العيد. 


تهبط بى أفكارى لمنتصف القرن التاسع عشر فى إنجلترا لأتخيل تشارلز داروين وهو يشذب سوالفه فى صالون ريتشارد إليجانص ويستمع لعم درويش وأحاديثه فيكتب كتابه الذى أحدث جلبة علمية لم تتوقف حتى الآن: أصل الأنواع. 


تأخذنى الجلالة فأقول:


عايز أعمل فتلة يا عمر. ثم أستدرك: أصل أنا من النوع إللى لما شعر ودانه يطول بيشيله. (أكيد فى نوع كده)