كانت منظمة الأمم المتحدة قد أدخلت مصطلح التنمية المستدامة منذ عام (1987)للانخراط بعملية التنمية في سلك الحفاظ علي حق الأجيال القادمة المكتسب من الموارد الطبيعية، والذي يتطلب التوفيق بين احتياجات البشر، الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، مع الحسم البيئي بمختلف مراحل التنمية، وتبقي إشكالية وصعوبة الاتفاق علي تعريف بعينه لأن مكاسب حقل تنموي لابد وأن تقابلها خسائر في غيره، وأن الاستدامة خرجت من عباءة السياسة الدولية لتجميل وجه الرأسمالية وتستخدم كورقة ضغط علي الدول الفقيرة المختنقة بتحسين أوضاع شعوبها.
وأذكر نصيحة شيخ البيئة الراحل عبد الفتاح القصاص نحو تصويب شيوع استخدام لفظة المستدامة واستبدالها بالمستديمة لتقترب من روح وموسيقي اللغة العربية، حيث كان من ترجمها وهو عربي متجنس وراء انتشارها علي المستوي الدولي، وقد تمسكت الجهات الحكومية ومعها منظمات المجتمع المدني بالمستدامة لزوم قروض وهبات الدول المانحة برقابة دولية.
هذه الدول الصناعية الكبري ومسئوليتها المباشرة في تلويث الكرة الأرضية، والتي أعادت توطين صناعاتها الملوثة للبيئة بعد تفكيكها في دول مكبلة بالفقر والديون، لتوفر لشعوبها منتجا نهائيا خاليا من فاتورة التلوث، مستغلة حاجة هذه الدول في عائد من صناعات قذرة ذات تكاليف بيئية باهظة. وتنظر التنمية المستديمة لاحتياجات الأجيال الحالية دون الإخلال بقدرات الأجيال المقبلة علي تلبية احتياجاتها، وتؤكد علي ضرورة حماية الموارد الطبيعية وإدارتها بشكل متواصل خدمة لأغراض التنمية الاقتصادية والاجتماعية ووقاية الصحة العامة للإنسان والبيئة، وهي تقوم علي الاستخدام الأمثل للموارد وميزات الحيز المكاني النسبية. بشرية كانت أو مادية أو طبيعية، بشكل فعال ومتوازن من كافة النواحي البيئية والعمرانية وذلك لتحقيق التنمية المتواصلة والحفاظ علي حق الأجيال القادمة من الموارد الطبيعية. ولابد أن يكفل أي تجمع عمراني حياة صحية وبيئات للعمل ويوفر بنية تحتية للخدمات الأساسية مثل مياه الشرب النظيفة والصرف الصحي وإدارة المخلفات الصلبة وأن يكون في حالة توازن مع النظم البيئية ولا يتسبب في خلل في مناسيب المياه الجوفية وزيادة الأحمال البيئية من التلوث.
هذا وتساعد الدراسات البيئية بالمخططات العمرانية علي: اختيار مواقع التوطن الصناعي المناسبة في منصرف الريح السائدة لحماية السكان من أخطار احتمالات التلوث، وتخطيط اتجاهات الطرق والشوارع وتوجيه المباني والاستعمالات السكنية بما يضمن تجدد الهواء، وتوزيع استعمالات الأراضي بشكل لا تتناقض فيه وظائفها المختلفة ولا تتعارض أو تسفر عن تأثيرات سلبية، وتوزيع الخدمات العامة بعدالة وكفاءة واتاحتها لكل المناطق الجغرافية، وكذلك توفير المساحات الخضراء المناسبة علاوة علي الأحزمة الخضراء من الأشجار العالية للفصل بين الكتلـة السكنيـة للمدينـة وبعض الاستخدامـات الأخري الملوثة للبيئة أو لحماية المدينة من الأتربة العالقة والعواصف الترابية الموسمية. وتتطلب هذه التنمية العمرانية المتواصلة العمل علي تغيير أنماط الاستهلاك وتعديل السلوك الجمعي للحد من مشاكل التلوث البيئي، وزيادة كفاءة معالجة مياه الصرف الصحي وتغطية المناطق والقري المحرومة منها، والتخفيف من معدلات التلوث بكافة أشكاله، والمحافظة علي المناطق البيئية البكر مثل الصحراء الغربية وسيناء، وتوفير الحماية من الأمطار والسيول وسبل الاستفادة منها، والإدارة المتكاملة للمخلفات الصلبة، والتوسع في استخدام المخلفات الزراعية لتوليد غاز الميثان، والارتقاء بالقري وتحسين الظروف البيئية فيها، والتكامل بين المناطق السياحية والبيئة العمرانية الملاصقة لها، وغير ذلك، وتقتضي الضرورة ترشيد السحب من الخزان الجوفي والتوسع في الإنتاج النظيف والصناعة المتواصلة بيئياً، والأخذ بعين الاعتبار تلبية احتياجات الفئات الفقيرة من المجتمع، والتوعية والتعليم بخسائر التلوث والمفاهيم البيئية الآمنة للفرد والمجتمع وأهمية الإدارة المحلية والمشاركة المجتمعية في كافة مراحل عملية التنمية.