«خلى بالك من عزيزة»

بريشة: د. محمود يوسف
بريشة: د. محمود يوسف

حمودة شاب فى مطلع الثلاثين من عمره، لديه أسرة صغيرة تتكون من 3 أبناء، وصابرين زوجته ومكفّرة سيئاته.. يعمل حمودة مدرس كمبيوتر وفنى كهرباء، وألعاب وتاريخ لحد ما يجيبوا مدرس تاريخ.
عايشها بالدراع والصوت العالى.. الصمت فى وجوده يكفيك شر لسانه وألفاظه التى تجرح ولا تداوي، وبالطبع عندما تصمت مش هيسيبك فى حالك، يجب أن تشاركه فى «تقطيع فروة» الجميع، وإلا ستكون شخص متعالى ومتكبر وعندها تقع تحت سيف لسانه.
حمودة ينادى الجميع بأوصافهم، الشخص الثمين «أنبوبة بيتوجاز»، أما المُرفه «نايتى أو بسكوتة»، وأحيانًا «علبة زبادي»، والشخص المتعلم والمثقف يناديه «لبيسة قلم».. أما عن أسماء النساء حدث ولا حرج، الاسم حسب الحجم «خلة سنان، جيلى بالفراولة، عود قصب أفرنجي» والست الفلاحة «مانجاية مستوية».
وهذا الكائن الحمودة لا يقدر على إيقافه سوى صابرين زوجته، ولا أحد يعلم هذا السر الإلهي، رغم أنها قليلة الكلام وضعيفة الجسم «سُفيفة»، إلا أنها بمجرد أن تناديه «بأبو عزيزة» حتى يخمد بركانه، ويستمر فى موضعه، ووشه يضرب ألوان وعينه تبقى فى أفاه من الخجل.
بات الجميع يعلم أن عزيزة هى السوط الذى يوقف لسان حمودة، إذا نظر إلى فتاة أخرى تفاجئه صابرين «أجيبلك رقمها يا أبو عزيزة»، وعندما تجده يمسك فى خناق أحد، تنطق: «سيب ياقة الراجل يا أبو عزيزة»، فيتوقف وكأنه «قامت قيامته».. ومع الوقت بدأ الجميع يتساءل عن عزيزة، وحقيقة ذلك الاسم الذى شقلب كيانه.
عزيزة دى حكايتها حكاية، ومفتاحها فى إيد صابرين.. قبل 20 عامًا كان حمودة فى الصف الرابع الابتدائي، كان فاشلا وحاله ما يعلم بيه إلا ربنا، إلا أنه كان ينجح على كل حال.. أحب زميلته التى يتهافت عليها كل تلاميذ الفصل، إلا أنهم لا يملكون الجرأة فى الحديث عن الأمر خشية لكمات حمودة.
كان صاحبنا يسهر الليالى يحلم بها، وبإنقاذها من الموت عدة مرات ثم تكافئه بقبلة طويلة تطبعها على جبينه.. يغازلها بالنظرات والبسمات واللفتات أثناء الدروس وابتسمت فى أحد المرات، فاعتقد أنها تبادله مشاعر الحب ذاتها.
اتخذ قراره وقرر صاحب العشرة سنوات الاعتراف لها بحبه، ورغبته فى الزواج منها، ماذا يحتاج الزواج سوى قلبين، وغرفة للعب، «غير كدا شكليات».. وفى أحد الأيام رن جرس الفسحة، وانتظر حتى خرج آخر طالب من الفصل ولم يتبقى سوى فتاته، وبينما تهم بإخراج ساندوتشات الفول بالبيض حتى انقض على يديها ولسانه حاله يقول «بحبك وعايز أتجوزك».
هلعت الفتاة من الموقف وجرت الدموع من عينيها، وأفلتت يديها بشكل مفاجيء وأسرعت للخارج.. تملك الرعب من حموده، وركبه خطبت عندما فكر فى ذهاب الفتاة إلى المديرة، ووجد نفسه أمام العصاة عزيزة التى لا ترحم.
ومرت أيام الفسحة صعبة، فكر حمودة فى الانتحار ألف مرة أو قتل الفتاة قبل الاعتراف بخطيئته.. وانتهت الفسحة وتجمع الطلاب فى طابور الظهر، وقبل أن ينتهى الطابور سمع حمودة اسمه يدوى فى الميكروفون وتبعه جملة «تعالى يا دنجوان عصرك وحبّيب زمانك».
كانت الصاعقة التى قلبت حياة حمودة.. خرج وأقدامه تجر تراب الأرض، وعلى بُعد خطوات يقف الأستاذ ومعه العصاة «عزيزة» التى يتوارثها المدرسون أجيالًا بعد أجيال وهى صامدة لا تعرف الانكسار.. تلقى علقة سخنة فى تلك الليلة، إلا أنه لم يفلت من الفضيحة إلا بالانتقال من المدرسة.
ومرت الأيام وتزوج حمودة ولم يكن يعلم أن زوجته كانت فى تلك المدرسة إلا بعد الزواج منها، ليفاجيء بتلك الحادثة تعيش أمام عينيه طوال العمر، لتكون رادعا أمام سيف لسانه الذى يُقطع فى الصالح والطالح.