«30 يونيو» فى عيون خبراء السياسة والاقتصاد:

ثــورة بنـــاء الـوطـن وتصحيــح المســارات!

ثورة «٣٠ يونيو» المجيدة تصوير: سامح مسلم
ثورة «٣٠ يونيو» المجيدة تصوير: سامح مسلم

 كتب :هانئ مباشر     

تدخل ثورة "30 يونيو" عامها الثامن، وهى الثورة التى قام بها شعب مصر لينقذ وطنه من الضياع على يد أهل الشر والظلام، وما زالت الثورة قائمة حتى الآن ومستمرة فى تصحيح كل أخطاء الماضى ورد المسارات التى انحرفت عن طريقها إلى الصواب.

إنها ثورة شعبية عارمة ضد حكم جماعة "الإخوان" الإرهابية، وضد كل محاولات سرقة هوية الدولة المصرية وروحها ومؤسساتها ومقدراتها، فكانت بمثابة تصحيح لمسار ثورة 25 يناير 2011 التى أتت بحكم الجماعة المحظورة، وتصحيح لكل المجالات، على مستوى الاقتصاد والصحة والتعليم والبنية الأساسية التى كادت تنهار.

ثورة مثلت لحظة فارقة فى تاريخ مصر.. ففى عام 2013 وبعد أن قال الشعب كلمته فى" 30 يونيو"، كان لدينا دولة على وشك الانهيار فى مجالات الاقتصاد والصحة والتعليم والبنية الأساسية، وكان تدخل الدولة فى كل القطاعات مطلوباً وبقوة لضمان تدفق السلع والخدمات والحفاظ على الحد الأدنى من الإنتاج والتشغيل، وتسلَّم الرئيس عبدالفتاح السيسي، قيادة البلاد فى 2014 فى تلك الظروف شديدة الصعوبة.

هكذا يبدأ كلام الدكتور محمود السعيد، عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة والذى يضيف قائلا: "خلال سبع سنوات من حكم الرئيس السيسى تحقق الكثير من الإنجازات، منها ما يقرب من 15 ألف مشروع فى مختلف القطاعات بتكلفة تتجاوز 2200 مليار جنيه جزء كبير منها كان مخصصاً لتحسين البنية الأساسية المطلوبة بالمحافظات لتشمل (رصف طرق محلية ـ نظافة وتحسين البيئة- كهرباء وإنارة ـ أمن وإطفاء ومرور- تطوير قرى- تحسين الخدمات العامة). هذه المشروعات التى تكفلت بها الدولة أدت إلى إنجازات هامة فى مجالات الصحة والتعليم والنقل والإسكان ومعايير الأمن والسلامة للمواطنين.

على سبيل المثال، فى مجال الصحة شهدت مصر خلال سبع سنوات العديد من الحملات القومية والمبادرات الرامية إلى تحسين صحة المواطن ومن أهم هذه الحملات وأكثرها تأثيرا كانت حملة 100 مليون صحة. فقد قُدرت التكاليف المباشرة لحملة القضاء على فيروس سى بين عامى 2015 و2030 بـ 4.6 مليار دولار(نفقات كشف وعلاج)، فيما تبلغ التكاليف غير المباشرة 26.9 مليار دولار (من ضمنها الخسائر الاقتصادية) بإجمالى 31.5 مليار دولار. فى غضون 6 أشهر تم فحص 62 مليون مواطن وبلغت تكلفة الحملة 250 مليون دولار، وطبقا للتقارير الدولية، أسفرت الحملة عن انخفاض نسبة المصابين بفيروس "سي" من 7% إلى أقل من 1% من إجمالى عدد السكان، ما يعنى من الناحية الاقتصادية أن ربع مليار دولار تم إنفاقه على الحملة جنَّب الدولة نفقات مباشرة وغير مباشرة تقدر بأكثر من 30 مليار دولار وحسَّن من جودة حياة المواطنين وهو ما سينعكس على إنتاجيتهم. 

فى ملف الاقتصاد، بدأت الحكومة فى 2016 فى تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادى بالاتفاق مع صندوق النقد الدولى من 2016 حتى 2019 بهدف تحقيق معدلات نمو مرتفعة مع زيادة تدريجية ومستدامة فى معدلات الاستثمار والادخار، وقد نجح البرنامج فى تحقيق أهدافه ولولا هذا البرنامج الإصلاحى لعانى الاقتصاد المصرى ويلات تبعات جائحة كورونا كما عانى منها معظم دول العالم التى أصيبت بخسائر اقتصادية غير مسبوقة وحققت معدلات نمو اقتصادى هى الأسوأ منذ الأزمة العالمية الكبرى. وقد أُشيد بتجربة مصر الإصلاحية المؤسسات الدولية وصُنِّفت مصر ضمن أكثر عشر دول جاذبة للاستثمار فى عام 2018.

هكذا كانت شعارات المصريين بعد عام من حكم الجماعة الإرهابية

وفى ملف السياسة، استعادت مصر مكانتها ودورها المحورى بعد ما تسببت فيه بعض السياسات السابقة من تقليص دورها خاصة على صعيد قارة أفريقيا. ولعبت مصر دورا محوريا فى حفظ الأمن القومى العربي، وتجسد هذا بشكل واضح وقوى طوال السنوات الماضية خاصة فى مسألة ليبيا وفلسطين، وفى حالة ليبيا وضع الرئيس خطاً أحمر للتدخلات الخارجية فيها من قبل دول وجماعات معينة، وهذا أسهم بشكل مباشر فى انتهاء المخاطر على أمن ليبيا ومصر فى نفس الوقت.  وأيضا مصر كانت الدولة العربية والإقليمية الوحيدة التى تحركت دبلوماسياً لإنهاء الهجوم الغاشم من إسرائيل على غزة ونجحت فى وقف إطلاق النار. وإجمالا يمكن القول بأن مصر استطاعت منذ 2014 تحقيق نجاح ملموس فى سياستها الخارجية فى دوائرها المختلفة العربية والإسلامية والأفريقية والدولية.

إنهاء الفوضى

إن ثورة "30 يونيو" لم تكن تصحيحاً لمسار الشعب المصرى فقط، بل كانت علامة فاصلة فى تحديد مستقبل الوطن العربى، والشرق الأوسط.. هكذا يبدأ كلام الدكتور شحاتة غريب، أستاذ القانون ونائب رئيس جامعة أسيوط، موضحاً: لقد أنقذت شعوب المنطقة من مخططات وأجندات كانت تستهدف قلب المنطقة رأساً على عقب لتغيير كل ملامح الحكم، لننتقل إلى أنظمة شمولية تحكمها الحركات الدينية، لتستمر الفوضى وعدم الاستقرار إلى مالا نهاية!

ويمكن القول أيضاَ إن "30 يونيو" لم تكن فقط ضد نظام حكم فاشٍى تحت إدارة حركة الإخوان، بل كانت الثورة تهدف إلى أبعد من ذلك، وهو استرداد الوطن، والحفاظ على الهوية المصرية، وحماية التماسك الاجتماعى، ومنع تمزيق النسيج الواحد، لتعود من جديد كل الخيوط التى تمثل كل أطياف الشعب، لتشكل نسيجاً واحداً قوياً ومتماسكاً، ضد محاولات نشر الفتن، وعدم الاستقرار، وإزهاق روح المواطنة، والقضاء على سلطات الدولة، لتفقد سيادتها، وهيبتها، وتحل محلها الميليشيات، والمرتزقة، فقد حالت بالفعل ثورة " 30 يونيو" بين الشعب المصرى وبين نشوب نزاعات مسلحة داخلية، لا نعرف مداها، ولا نعرف عواقبها، ولا نعرف متى ستنتهي.

فقد جسّدت ثورة يونيو عظمة الشعب المصرى، وأوضحت للعالم كله، أنه شعب صاحب تاريخ وحضارة، ومصدر لكل القيم المتعلقة بالانتماء والولاء للوطن، حيث رسم ملايين المصريين الذين شاركوا فى الثورة أجمل صورة تعبِّر عن رفض كل محاولات الإقصاء والتمييز، وتعبر عن رقى شعب يغيِّر بسلمية بحثاً عن دولة عصرية جديدة، تكون أرضها للجميع، وتكون عنوانا للمحبة والسلام وقبول الآخر.

ولا شك أن نجاح ثورة "30 يونيو" لم يكن بلا ثمن، بل دفع الشعب الثمن، حيث التهديد بأن يعم الإرهاب كل مكان، وقدوم المرتزقة من دول مجاورة إلى سيناء، لتنفيذ مؤامراتهم ضد الجيش والشرطة، والشعب بأكمله، ولكن لم يخشَ الشعب بكل طوائفه هذه التهديدات، وحمل الأكفان على الأكتاف، دفاعا عن الوطن وهويته، ودفاعا عن السلام، وقد أثبت الشعب المصرى للعالم أجمع، أنه لن يتخلى عن دعم جيشه، وشرطته، وتقديم التضحيات من أجل مصر، ومن أجل الحفاظ على الوطن.. لقد كانت ثورة " 30 يونيو" صاحبة الفضل فى منع اختطاف الوطن، وحماية الهوية المصرية، وتصحيح كل المسارات سواء كانت سياسية، أو اجتماعية، أو ثقافية، أو اقتصادية، لتعود مصر من جديد إلى حضن شعبها، ويعود شعبها من جديد إلى حضن مصر.

استقرار المنطقة

فى السياق ذاته، يقول الدكتور جمال سلامة، عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة السويس، المتخصص فى شئون الشرق الأوسط السياسية: بمجرد استقرار مصر بعد "30 يونيو" شهدت المنطقة العربية نوعاً من الاستقرار النسبي، لكن يظل تصحيح المسار الأهم هو فضح الصورة الذهنية الوهمية التى ظلت جماعة الإخوان الإرهابية مستترة وراءها طيلة 80 عاماً وأعنى صورة "الجماعة الدعوية الاصلاحية والظهور فى صورة المظلومين وأن الحكومات المتعاقبة تضطهدهم"، فكانت سنة تواجدهم فى الحكم كاشفة لهم أمام الشعب، الكل وجد نفسه أمام فئة تريد سرقة الأوطان العربية والإسلامية لا مصر فحسب، فبدأ تصحيح المسار للوعى الشعبى فحدث نوع من الاستفاقة ومعها بدأت خطوات النهاية لهذه الجماعة التى أصبحت فى عداء مع الشعب.. كما كانت ثورة "30 يونيو" بداية لتصحيح مسار علاقاتنا مع الخارج التى كانت أيام الإخوان "عبثية" بكل ما للكلمة من معنى، تقريبا العالم كله على قطيعة معنا، فبدأ الإصلاح من منطلق أن مصر ليست دولة تابعة بل هى دولة لها دور وتعى أين تقف وأين تسير وأين تتجه مصالحها، بالتالى أعتقد أن هذه الملفات لم يكن متصوراً إعادة ترتيبها بهذا الشكل فى هذا الوقت القصير، ومن خطوات تصحيح المسار هنا استعادة مصر دورها فى أفريقيا، وإحياء هذا الدور اليوم هو نجاح بامتياز يحسب لثورة 30 يونيو، وكذلك علاقة مصر وتشهد مصر اليوم تعدد محاور السياسة الخارجية بداية من تنويع مصادر السلاح، وتعدد محاور الاقتصاد، وإقامة علاقات سياسية تتسم بالتوازن.