قضية ورأي

الهِبَة المناخية في المنطقة العربية

د. حمدي هاشم
د. حمدي هاشم

بقلم/ د. حمدي هاشم

يدعم كتاب "تقلبات المناخ العالمي" (نيويورك، 1977) نظرية تبريد الأرض وقيامها فى عصر جليدى جديد، حيث يتبدل مناخها بين البرودة والدفء بشكل دوري، شبه منتظم، مرة واحدة بالفترة الدفيئة مقابل ثمانية مرات متتالية للفترة الباردة. وأن الأرض تعيش نهاية فترة دفيئة بلغت ذروتها الحرارية بين عامى خمسة آلاف وثلاثة آلاف قبل الميلاد، بعد نحو 90 ألف سنة من طغيان الجليد، وهى الفترة التى تكونت خلالها أغلب الصحارى الرئيسية بصورتها الحالية، كالصحراء الكبرى وشبه الجزيرة العربية وصحراء منغوليا وغيرها. ومن المتوقع تغير مناخ الأرض بصورة درامية ومباغتة، بدلالة تحول الغطاء النباتى (خلال ما لا يجاوز مائة عام مضت) بمناطق شمال أوروبا، من أشجار البلوط إلى أشجار الحور الباردة، ثم غابات الصنوبر والشربين، لينتهى الأمر بسيادة نباتات التندرا.

وقد لا يستغرق ذلك التحول المناخى الجذرى أكثر من مائتى سنة، باستثناء المنطقة العربية وبعض تخومها. وتؤكد الدراسة وجود ارتباط قوى بين الظروف المناخية السائدة خلال حقبة زمنية وحالة العالم بين الاستقرار والاضطراب.

خلافاً لتسبب حمل التلوث الغازى فى ارتفاع درجة حرارة الطبقة السفلى من الغلاف الجوى للأرض، فإنه إذا فقدت الأرض درجة مئوية واحدة من حرارتها ستنخفض معها إنتاجية الأرض الزراعية بمقدار الثلث، وسينتظر سكان أوروبا المجاعات والأوبئة. وفى العصر الجليدى القادم ستمحى كثير من دول نصف الكرة الشمالى لدخولها فى بيات شبه قطبي، وسيضرب الجفاف الشديد مساحات شاسعة بمناطق جنوبى الصحراء الأفريقية وشرقى أمريكا الجنوبية، إلا أن المنطقة العربية ستحظى بالهبة المناخية، فى الوقت الذى سيزيد فيه معدل سقوط المطر بصحارى أفريقيا وجنوب غربى أسيا، بما فى ذلك تجدد الأمطار الغزيرة بالأودية الجافة فى جنوبى مصر ليعود الفيضان لنهر النيل.

المعضلة الوجودية فى تقلص محاصيل الحبوب الزراعية والمراعى الطبيعية، وعدم كفايتها، مع التزايد السكانى المستمر، ولاسيما بالدول الأقل نمواً، والمرشحة لمواجهة المجاعات والتدهور البيئى والانقلابات السياسية، وتفشى ظاهرة المهاجرين البيئيين من أجل البقاء والحياة. ويرسخ ذلك الكتاب بقاء الولايات المتحدة "سلة خبز العالم"، ومشكلتها فى موافقة شعبها على تخفيض مستواه المعيشى لإطعام الجائعين حسب درجة ولائهم لأمريكا، والرهاب من مواجهة هجوم عسكري من الدول الجائعة، على غرار أفلام هوليود. ولما كان المستفيد المناخى الأول مشروع الشرق الأوسط الجديد، فهل هناك رؤية مستقبلية لاستغلال فرصة الهبة المناخية العربية القادمة؟

خبير بيئي