«واسطة العقد».. هديتنا فى المعرض

 د.أيمن فواد سيد
د.أيمن فواد سيد

المؤرخ الكبير ومحقق التراث القدير د. أيمن فؤاد سيد، خص «الأخبار» بهذا المقال الذى يزف عبره بشرى ننفرد بها إلى الأوساط الثقافية المصرية والعربية، ويتحدث خلاله عن مشروعه الجديد الذى يجئ على مشارف افتتاح العاصمة الإدارية الجديدة وقبل أيام من انطلاق الدورة الاستثنائية لمعرض القاهرة الدولى للكتاب، ويعد صدور هذه الموسوعة التى عكف على استعادتها من ظلمة الإهمال هدية إلى آلاف الباحثين والقراء، وقد اختارت مكتبة الإسكندرية نافذة معرض القاهرة الدولى للكتاب لتطل منها بهديتها على القراء والباحثين وعشاق القراءة والمعرفة.


 أزلنا غبار القرون عن ذلك الأثر التراثى الخالد، الذى يعتبر موسوعة فى التعريف بالمدن المصرية الكبيرة، واستقصاء أسماء المراكز والقرى ومساحاتها، حيث ينتمى كتاب «الانتصار لواسطة عقد الأمصار» لابن دقماق إلى مجال الجغرافية التاريخية، وهو نوع من التأليف ازدهر فى مصر اعتبارا من العصر الأيوبى، واعتمدت هذه المؤلفات على عمليات «الروك» أو فك الزمام التى كانت تجرى كل ثلاثين سنة من أجل التوفيق بين السنة الهلالية والسنة الخراجية، من أجل تعديل ما هو مفروض على البلاد من الأموال الخراجية، وعلى الرغم من أن هذا الكتاب الموسوعة وصل إلينا منه الجزءان الرابع والخامس بنسخة من خط المؤلف نفسه «صارم الدين ابراهيم بن محمد بن ايدمر العلائى» وهو أمر نادر الحدوث فى عالم المخطوطات، إلا انه نشر على يد المستشرق الألمانى «كارل فولرز» فى طبعة سقيمة صدرت عام 1893، لا يمكن الاعتماد عليها، لذلك عكفت على تلك الموسوعة الرائعة التى توثق لمدننا وقرانا، وتلقى الأضواء على خطط الفسطاط عاصمة الوجه القبلى أو الصعيد، والقاهرة عاصمة الوجه البحرى أو أسفل الأرض وأهم معالمها من مساجد ومدارس ودور وحمامات، ويجسد كتاب ابن دقماق - الذى حاولنا استعادته من جديد- طبيعة التنظيم الإدارى لمصر فى العصر الإسلامى المعتمد على النظام البيزنطى وبمناسبة قرب افتتاح العاصمة الإدارية الجديدة إيذانا ببدء مرحلة جديدة من عمر الوطن، تصدر مكتبة الإسكندرية تلك الموسوعة بعد أن أزلنا عنها غبار الدهور، وأعدنا إليها بريقها، وصنعنا له نشرة علمية يستطيع الباحثون الاعتماد عليها والثقة بها، إذ ضبطنا النص ضبطا كاملا، وعلى الأخص أسماء الخطط والمواضع والكور والقرى التى يتسرب إليها التصحيف والتحريف، ووضعنا خطا فوق أسماء مؤلفى المصادر التى أحال عليها مؤلف الكتاب الموسوعة، ليستدل عليها القارئ بوضوح وألحقنا بالكتاب -الذى تُعيد إليه الاعتبار اليوم- عدداً من الكشافات التحليلية للخطط والمواقع الأثرية، والمراكز والقرى والأنهار، والأعلام والمصطلحات النوعية ولمصادر الكتاب والآيات القرآنية والأحاديث النبوية والقوافى الواردة فيه.
وقد قدم للكتاب المفكر الكبير د. مصطفى الفقي، ويصدر خلال أيام ليزين أرفف جناح مكتبة الاسكندرية فى معرض القاهرة الدولى للكتاب كهدية من مركز دراسات الحضارة الاسلامية التابع لمكتبة الإسكندرية إلى رواد معرض الكتاب، وللباحثين فى كل مكان، وآلاف القراء الذين افتقدوه طويلا، ومنى حيث قابلته بأصوله وأعددته للنشر وذلك الأثر الفريد الذى ظل مجهولا من الجميع كمخطوط منذ عام ١٤١٨ ميلادية، ولم يخرج إلى النور مطبوعا إلا فى نشرة سقيمة لا يعتمد عليها علميا صدرت عام ١٨٩٣ وأحسب أن اعادة الاعتبار إليه الآن جهد يسعد الباحثين الجادين والقراء الشغوفين فى كل مكان.