كنوز الأميرة

حلم هوليوود الذى تحول إلى حقيقة .. جدران السينما تتكلم والممثلون يخرجون من الشاشة!

رسم توضيحى للشاشة الجديدة
رسم توضيحى للشاشة الجديدة

قراءة: أحمد الجمَّال

تحفل أعداد أميرة المجلات "آخرساعة" منذ عقود طويلة بموضوعات شائقة، ربما طاولها غبار الزمن، لكنها لا تزال تحمل رائحة العبق، وحين يقع تحت يدك عدد عتيق منها فهو بمثابة كنز يلقى هالة ضوء على مرحلة مهمة من تاريخ الصحافة، بل وتاريخ مصر عموماً فى ذلك الوقت. وفى السطور التالية نستعرض «كنوز الأميرة» وما فيها من صفحات الماضى الجميل منذ أعوام وأعوام قبل أكثر من نصف قرن من الزمان.

يبدو أن كثيراً من أحلام الإنسان قبل أكثر من نصف قرن من الزمان قد باتت حقائق فى زمننا الحالي، ومن بينها دور السينما التى تعمل بتقنيات حديثة مثل البعد الثالث، وما تلاها من تقنيات لانزال نسمع عنها فى كل يوم.. ففى تقرير كتبه مراسل «آخرساعة» من نيويورك ونشرته المجلة عام 1953  تحدث عن التطور الذى ستشهده دور العرض السينمائي، بحيث تصبح تفاعلية ويتحول فيها المتفرج إلى متابع ومشارك داخل أجواء الفيلم.. يشعر ويسمع ويحس بكل المؤثرات.. ولم تكن تلك سوى تقنية الـ3D التى ظهرت فى شكلها الواضح قبل سنوات.. وتلتها تقنيات أخرى مثل IMAX ثم أخيراً تقنية 4DX التى تحفز الحواس الخمس للمتفرج.. التفاصيل نعيد استعراضها بتصرف فى السطور التالية:

فكرة جديدة تتحدث أمريكا كلها عنها فى هذه الأيام.. والتى أخذت الصحف والمجلات تضع أخبارها وتفاصيلها فى صفحاتها الأولى، هذه الفكرة بدأت فى صفحاتها الأولى الشتاء الماضي، وفى إحدى الحجرات الواسعة التى تحتل الطابق السابع فى إحدى ناطحات نيويورك، جلس هنرى كريتيان يروى القصة منذ البداية ويهمس بفكرته إلى بعض رجال السينما فى هوليوود، وقال وهو يشير إلى الجهاز الذى يربض أمامه: «هل تعرفون معنى هذا الجهاز؟ إنه سينقل المتفرج فى السينما إلى جو آخر، وستصبح الدنيا بين يديه، يراها وهو جالس حوله بحيويتها، وفخامتها وأحداثها وحقائقها الواقعة».

وصمت الرجل قليلاً ثم تابع: «فى الواقع إنها ليست السينما وليست الأفلام المجسّمة، لكنها شيء غريب.. إنها نوع غريب من المشاهد والحوادث على الشاشة بطريقة مبتكرة، فمثلاً هذه الأفلام الجديدة يتم عرضها من عدسات خاصة، وهناك ميكروفونات مثبتة فى كل مكان بقاعة العرض بحيث تنبعث الأصوات بحسب قربها أو بعدها من الأركان الأربعة، وفى وقت واحد.. وبعد هذا فإننى متأكد أن المتفرج سيقوم من مكانه لكى يشترك فى الحوادث التى تجرى أمامه، وباختصار هذه العوامل مجتمعة ستكون للتأثير فى المتفرج من الناحية النفسية، فيفكر ويتحرك ويعيش فى جو الفكرة التى تعرض حوله».

رجل مجنون

وبالطبع لم يصدق رجال السينما فى أول الأمر، وهمس واحد منهم وهو يخطو إلى الباب الخارجى بعد أن استمع إلى الفكرة الجريئة، فى أذن زميله: بالتأكيد هذا الرجل أصيب بالجنون لمجرد تفكيره فى شيء كهذا.

والواقع أن «هنرى كريتيان» من أوائل الذين اشتغلوا بصناعة السينما، وهو الذى ساعد بأبحاثه فى عام ١٩٢٧ على إدخال صناعة السينما الناطقة، وظل الرجل يفكر بعد ذلك فى طريقة جديدة لنقل المتفرج إلى جو حيوى حقيقي، وبدأت عناصر الاختراع الجديد تتجمع لديه، وفى عام ١٩٤٧ انتهى من إعداد الجزء الأول من الجهاز وهو آلة العرض نفسها، وأخذت العناصر الأخرى تكتمل بعد ذلك، وفى النهاية وضع المشروع الكامل للسينما الجديدة وأطلق عليه «مشروع السينما سكوب» ويتلخص فى هذه النقط الثلاث:

> «الهيبر جونار» الذى يضاعف محيط الإبصار، ويعطى للمتفرج الشعور بعمق المنظر.

> «الشاشة المقعرة» الواسعة ذات المساحة الكبيرة من ناحية الطول، ولابد أن تكون لامعة لتعطى نفس النتيجة العميقة.

> «استيريوفوليك» وهى آلة الصوت البارز، ومعنى ذلك أنه سيكون هناك حوالى ١٣ ميكروفوناً فى جميع أنحاء قاعة العرض لتأتى الأصوات مختلفة فى اتجاهاتها وأبعادها ومصادرها، فيعيش المتفرج كأنه واحد من الأفراد الذين يتكلمون أمامه، ويسمع الأصوات وكأنه جالس بينهم حقيقةً.

ولم ييأس هنرى بعد أن فشل فى إقناع بعض مندوبى شركات السينما واستطاع فى النهاية أن يقنع المنتج «سبيرو سكوراس» بفكرته الجديدة، وبدأ العمل فى الحال، وتم إنتاج الفيلم الأول، وكانت قصته تدور حول عباءة المسيح التى سرقها أحد اليهود فحلت عليه اللعنة إلى الأبد، وعلى ذريته، وفى ليلة العرض الأولى ذهب أكثر من ١٢ ألف شخص لكى يشاهدوا الانقلاب الثالث فى صناعة السينما بهوليوود، وخرجوا فى النهاية وهم يمسكون رءوسهم بأيديهم ويفتحون عيونهم بأصابعهم.. لقد كانت المسألة أكبر من أن يصدقها العقل لأول مرة.. تماماً كما حدث فى سنة ١٩٢٧ عندما نطق الممثلون على الشاشة.

(«آخرساعة» 2 ديسمبر 1953)