إعادة الاعتبار | السيسي يمحو الظلم عن بعض قادة يوليو.. وينصف أبطال أكتوبر

الرئيس عبد الفتاح السيسي
الرئيس عبد الفتاح السيسي

- تكريم نجيب وصديق والشاذلى والجمسى.. ومواقف إنسانية لا تنسى لدعم ضحايا المواقف الصعبة

قائمة من أعاد لهم الرئيس السيسى الاعتبار طويلة ومليئة بالأسماء الكبيرة، يأتى فى مقدمتها الرئيس محمد نجيب أول رئيس للجمهورية المصرية، وكذلك فارس الثورة يوسف صديق، ويمتد الأمر إلى بعض أبطال ومهندسى حرب أكتوبر المجيدة، وفى مقدمتهم الفريق سعد الشاذلي، والمشير محمد عبد الغنى الجمسي.

ولا يقتصر الأمر على القادة الكبار، وتلك الأسماء التاريخية البارزة، بل إن إعادة الاعتبار هى لمسة وفاء معتادة من الرئيس السيسى نحو العديد من أبناء شعبه الذين واجهوا لحظات قاسية، واستشعروا ظلما مؤلما، لكن الرئيس بحسه الإنساني، ووعيه والوطنى كان دائما يسارع إلى التخفيف عنهم، ومد يد الدعم والمساندة، فى لحظة هم أحوج ما يكونون إليها، والقائمة هنا تطول والنماذج لا تكاد تحصى، ونتذكر منهم الطبيب محمود سامي، الذى فقد بصره وهو يتفانى فى علاج ضحايا فيروس كورونا، وكذلك ضحية حادث التحرش بالتحرير، التى حرص الرئيس على زيارتها بنفسه والاعتذار لها، وكذلك السيدة سعاد ثابت، المعروفة إعلاميًا بـ«سيدة الكرم»، وأيضا الطفل جون منتوث الطالب الجنوب سودانى الذى تعرض للتنمر، والقائمة تطول.. هذا الحرص الإنسانى قبل السياسى على إعادة الاعتبار، ليس غريبا على قائد وطنى أعاد الاعتبار لمصر كلها، عندما اختار الانحياز لإرادة الشعب، والوقوف فى وجه الخطر لإنقاذ بلاده من الإهانة والتدمير على يد جماعة إرهابية، فمن يعيد الاعتبار لوطن، لا يصعب عليه إعادة الاعتبار لبعض أبناء ذلك الوطن.

محمد نجيب.. إطلاق اسمه على أكبر قاعدة عسكرية بالشرق الأوسط وأفريقيا

صورة تجمع الرئيسين نجيب وعبد الناصر ومعهم مجلس قيادة الثورة

لم يكن اللواء محمد نجيب رجلا عاديا، لكنه كان شخصية وطنية رفيعة المستوى، امتدت شهرته فى مصر كلها حتى قبل ثورة 23 يوليو 1952، فهو سليل أسرة عسكرية اشتهرت بالشجاعة والإقدام، كان والده ضابطًا فى الجيش المصرى فى السودان، واشترك فى حملة دنقلة الكبرى ضد الثورة المهدية، وقد كان محمد نجيب شخصية نابغة منذ شبابه، فحصل كأول ضابط بالجيش المصرى على إجازة الحقوق فى مايو1927، ثم حاز على دكتوراه فى الاقتصاد السياسى عام 1929، كما نال دبلوم الدراسات العليا فى القانون الخاص ثم شهادة أركان حرب عام 1939. وبدأ فى إعداد الدكتوراة، لكن طبيعة عمله العسكرى حالت دون إتمامها، وكان يجيد اللغات الإنجليزية والفرنسية والإيطالية والألمانية وذكر فى مذكراته انه تعلم العبرية أيضاً.

وكانت المواقف الوطنية العديدة سببا لشهرة «الضابط» محمد نجيب فعندما اندلعت ثورة 1919 فى القاهرة، أصرّ على تحدى رؤسائه من الإنجليز، وسافر إلى مصر سرًا، ولم يخف إعلان تأييده لسعد زغلول عندما ذهب مع مجموعة من الضباط الصغار فى ملابسهم العسكرية إلى مقر إقامة زغلول، فى بيت الأمة ليعبروا عن رفضهم لنفيه إلى جزيرة سيلان.

وعقب حادثة 4 فبراير1942، حين حاصرت الدبابات البريطانية قصر الملك لإجباره على إعادة مصطفى النحاس إلى رئاسة الوزراء أو التنازل عن العرش، قدم استقالته من الجيش احتجاجًا على التدخل الإنجليزى السافر فى شؤون مصر الداخلية. لكن الملك رفض الاستقالة، واشترك فى حرب فلسطين وجرح ثلاث مرات، كان آخرها فى معركة التبة فى دير البلح فى 23 ديسمبر 1948، وهى أهم المعارك التى خاضها فى فلسطين، وعددها 21 معركة.

وفى عام اقترن اسم محمد نجيب بأولى شرارات الثورة، التى تمثلت فى فوزه بانتخابات نادى الضباط عام 1951، فى مواجهة مرشح الملك، حسين سرى عامر باشا، الذى سبق وأن عينه الملك مديرا لسلاح الحدود بدلًا من نجيب، فقد استقر رأى الضباط الأحرار على ترشيح نجيب رئيسا لمجلس إدارة النادى ضد مرشح الملك، وهى المواجهة التى عجلت بقرار الثورة.

ويقول ثروت عكاشة وزير الثقافة الأسبق، وأحد الضباط الأحرار - فى كتابه «مذكراتى بين السياسة والثقافة»: «كان اللواء محمد نجيب أحد قادة الجيش المرموقين لأسباب ثلاثة: أولها أخلاقياته الرفيعة، وثانيها ثقافته الواسعة، فهو حاصل على ليسانس الحقوق، وخريج كلية أركان الحرب ويجيد أكثر من لغة، وثالثها شجاعته فى حرب فلسطين التى ضرب فيها القدوة لغيره وظفر بإعجاب الضباط كافة فى ميدان القتال».

وكان اختيار تنظيم الضباط الأحرار لمحمد نجيب سر نجاح التنظيم داخل الجيش، فكان ضباط التنظيم حينما يعرضون على باقى ضباط الجيش الانضمام إلى الحركة كانوا يسألون من القائد، وعندما يعرفوا أنه اللواء محمد نجيب يسارعون بالانضمام.

وأشار المؤرخ العسكرى اللواء جمال حماد وهو أحد الضباط الأحرار إلى أن الحركة لم تكن لتنجح لولا انضمام محمد نجيب إليها لما كان له من سمعة طيبة فى الجيش، ولما كان لمنصبه من أهمية، إذ إن باقى الضباط الأحرار كانوا ذوى رتب صغيرة وغير معروفين.

وعند قيام الثورة كان نجيب هو الوجه الشعبى للثورة، فعموم المواطنين يعرفون جيدا شخصيته، وسبق أن اطلعوا على بطولاته، وبالفعل كان وجوده أحد أبرز أسباب الالتفاف الشعبى حول حركة الضباط الأحرار، وجاء انتخابه أول رئيس للجمهورية منطقيا ومتوقعا، لكن سرعان ما دبت صراعات السياسة بين أعضاء مجلس قيادة الثورة بعد وقوع أزمة 1954، وخرج اللواء نجيب من المشهد، حيث تقرر تحديد إقامته فى قصر زينب الوكيل بالمرج، ومنعت عنه الزيارة، وبقى هناك حتى أفرج عنه الرئيس أنور السادات عام 1971، وفى عهد الرئيس الأسبق حسنى مبارك، تقرر تخصيص فيلا فى القاهرة لإقامة نجيب، كما أطلق اسمه على واحدة من محطات الخط الثانى لمترو الأنفاق، وعندما توفى عن عمر يناهز ٨٤ عامًا، أمر مبارك بتشييع جنازته عسكريا من مسجد رابعة العدوية بمدينة نصر.

إلى هنا كان يمكن أن تنتهى القصة، فالرجل ربما حصل على بعض التقدير فى نهاية حياته، إلا أن الرئيس عبد الفتاح السيسي، ابن المؤسسة العسكرية المصرية، كان يدرك أن الرئيس الراحل محمد نجيب لم ينل ما يستحق من تقدير، وأن ما قدمه من خدمات وتضحيات لوطنه، ينبغى أن يبقى حاضرا فى وجدان كل مواطن مصرى محب لوطنه، ومن هنا جاء قرار الرئيس السيسى بالاحتفاء به وتكريمه، بل وتخليد اسمه بين قادة مصر الكبار، من خلال إطلاق اسمه على أكبر قاعدة عسكرية فى الشرق الأوسط وأفريقيا، وإحدى أكبر القواعد العسكرية الاستراتيجية الشاملة فى العالم، ليكون ذلك بمثابة رد اعتبار من جانب زعيم وطنى ومن جانب المؤسسة العسكرية، لأحد أبنائها المخلصين، وأحد أبرز الفاعلين والمؤثرين فى الانتقال التاريخى لمصر من المرحلة الملكية للنظام الجمهورى.

يوسف صديق.. «قلادة النيل» تمحو سنوات التجاهل

 العقيد أركان حرب يوسف صديق

66 عاما كاملة تفصل بين 22 يوليو 1952، وبين نفس اليوم من عام 2018، وبين التاريخين أحداث كثيرة وكبيرة مرت فى نهر حياة العقيد أركان حرب يوسف منصور صديق عضو مجلس قيادة الثورة، الملقّب بـ»فارس ثورة يوليو ومنقذها»، ففى 22 يوليو 1952، وقبل أن ينتصف ليل ذلك اليوم الكبير فى تاريخ البلاد، تحرك الضابط يوسف صديق بقواته من منطقة «الهايكستب» مبكرًا عن الموعد المتفق عليه بين قادة حركة الضباط الأحرار، وهو التحرك الذى كان بمثابة منحة من القدر لإنقاذ الثورة من الفشل، فقد مكّن ذلك التحرك المبكر صديق، من السيطرة على مقر قيادة الجيش بعد إلقائه القبض على قيادات الجيش الملكى قبل تحركهم للقبض على الضباط الأحرار.

وفى 22 يوليو2018، وبعد أكثر من 40 عاما كاملة على رحيل الفارس والشاعر يوسف صديق، كانت ابنته «ليلى» تتحرك تحركا آخر، لكن هذه المرة وفق الموعد المقرر، لتلتقى الرئيس عبد الفتاح السيسي، الرجل الذى قرر أن يستعيد ذكرى والدها من دهاليز التجاهل والنسيان، ويمنحه «قلادة النيل» أرفع وسام مصرى على الإطلاق، تقديرا لجهوده فى خدمة وطنه، وكلمسة وفاء نادرة لرجل أعطى وطنه فى صمت، ولم يتاجر بمواقفه، بل إنه ظل محتفظا طوال حياته باحترام متبادل حتى لمن اختلف معهم.

تكريم العقيد أركان حرب يوسف صديق جاء خلال الاحتفال بتخرج دفعة جديدة من طلبة الكليات والمعاهد العسكرية فى الكلية الحربية، وكأن القيادة السياسية أرادت أن يكون ذلك التكريم درسا عمليا وتجسيدا واقعيا لقيمة النبل والوفاء، النبل من جانب رجل حمل روحه على كفه، وقرر أن ينحاز لوطنه وتغييره للأفضل، وحتى عندما اختلفت الرؤى وافترقت المصائر، لم يكن عبئا على بلده أو قيادته، بل كان دائما داعما لها وسندا فى كل المناسبات والمواقع فى إنكار للذات، أما الوفاء فكان من القيادة التى لا تنسى جهود المخلصين، حتى لو تواروا تحت ثرى الوطن الغالى منذ أكثر من أربعة عقود.

قبل تحركه وبدء مشاركته البطولية فى الثورة خطب يوسف صديق فى ضباطه وجنوده قائلا إنهم مقدمون هذه الليلة على عمل من أجل الأعمال فى التاريخ المصرى، وسيظلون يفتخرون بما سيقومون به تلك الليلة هم وأبناؤهم وأحفادهم وأحفاد أحفادهم، وكم كان صادقا ذلك الشاعر النبيل وهو يلقى بتلك الكلمات أجمل قصائده فى حب وطنه، فقصيدته لم يصغها بالكلمات، بل بروحه وحياته التى وضعها فى تلك الليلة فداء لوطنه.

ولد يوسف صديق فى بنى سويف، فى 3 يناير 1910، وسط عائلة عسكرية بالوراثة، فوالده وجده عملا ضابطين بالجيش المصرى، وبعد تخرجه فى المدرسة الثانوية، التحق صديق بالكلية الحربية ليتخرج فيها عام 1933 وتخصص بعد ذلك فى التاريخ العسكرى وحصل على شهادة أركان الحرب عام 1945.

فور تخرجه فى منتصف الثلاثينيات، التحق صديق بالجيش، لكنه دخل ساحة العمل السياسى المتوهج فى تلك الفترة، ومال باتجاه الأفكار الاشتراكية وانخرط فى منظمات يسارية، كما شارك فى بعض معارك الحرب العالمية الثانية بالصحراء الغربية، قبل أن يلتحق بالقتال على الجبهة فى حرب فلسطين 1948، وهناك قاد كتيبته، واستطاع أن يحتل نقطة مراقبة على خط الدفاع بين المجدل وأسدود، وكان الضباط يطلقون على المنطقة التى دخلها «شريط يوسف صديق».

انضم يوسف صديق للضباط الأحرار فى أكتوبر 1951، وعقب نجاح الثورة بأيام انضم إلى الهيئة التأسيسية للضباط الأحرار مع محمد نجيب وزكريا محيى الدين فى أغسطس 1952، وجاءت عواصف أزمة 1954 لتبعد الفارس الشاعر عن المشهد، لكنه لم يبتعد يوما عن الميدان، فقد ظل مساندا لوطنه وللثورة، رغم الخلاف الحاد وقتها مع الرئيس جمال عبد الناصر.

وحسبما تقول ابنته «ليلى» التى تسلمت «قلادة النيل» من الرئيس السيسى تكريما لاسم والدها، فقد كان خلاف والدها مع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر «خلاف فرسان»، فقد احتفظ الطرفان بكامل التقدير للطرف الآخر رغم الاختلاف فى الرأى، ولم يشكك أى منهما فى وطنية الآخر، بل عندما جاءت أزمة النكسة فى يونيو 1967، تصالحا عندما اتصل عبدالناصر برفيق الثورة يوسف صديق وذهب إليه وتصالحا، فكلا الرجلين يدرك أنهما لم يبتغيا سوى الصالح العام.

وتجسدت أخلاق الفرسان حقا فى لحظة وفاة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، فقد كان وقتها العقيد يوسف صديق يُعالج فى الاتحاد السوفيتى من سرطان الرئة، وعندما وصله الخبر قطع رحلة علاجه وعاد إلى مصر على وجه السرعة، وكتب قصيدة رثاء فى صديقه الراحل جمال عبدالناصر، وقد توفى صديق فى 31 مارس 1975، وبعد 43 عاما على رحيله كان مشهد آخر لأخلاق الفرسان يتجدد بتكريم صديق، من جانب رئيس مصر الذى يعرف جيدا قيمة الوفاء، ويقدر الرجال حق قدرهم.

الفريق سعد الشاذلي الرئيس أطلق اسمه على دفعات «الحربية» وأحد المشاريع القومية الكبرى

 الفريق سعد الشاذلي

«أنا واثق من أن مصر سوف تكرمنى فى يوم من الأيام بعد أن تعرف حقائق وأسرار حرب أكتوبر، ليس التكريم هو أن أمنح وسامًا فى الخفاء، لكن التكريم هو أن يعلم الشعب بالدور الذى قمت به، سوف يأتى هذا اليوم مهما حاول السادات تأخيره ومهما حاول السادات تزوير التاريخ»، هذه الكلمات كتبها الفريق سعد الدين الشاذلى، رئيس أركان حرب القوات المسلحة فى مذكراته، التى حاول أن يقدم فيها الكثير من أسرار حرب العبور، كان أحد صّناع النصر العظيم يشعر بالمرارة، بعدما أهدرت خلافات السياسة ما أنجزه الرجل بإخلاصه للسلاح.. ويبدو أن الفريق الشاذلي، صاحب العبقرية العسكرية التى يعرفها ويقدرها له الجميع، كان يدرك أن مصر لا تنسى أبناءها المخلصين ولو طال الزمن، وأن بعض الظروف التى تلقى بظلالها أحيانا على المواقف، لابد أن تتغير يوما ما طالما أن هناك رجال يجيدون تقدير المواقف، ويثمنون أصحاب البطولات، وتحققت بالفعل نبوءة الشاذلي، بعدما كرمّه الرئيس عبد الفتاح السيسى فى أكثر من مناسبة، حتى قبل أن يتولى رئاسة البلاد.

سعد الشاذلى.. تكريم وطنى مستحق بعد «سنوات المحنة»

حرص الرئيس السيسى على إعادة الاعتبار لقيمة وشخص الفريق الشاذلى كان واضحا منذ توليه منصب القائد العام للقوات المسلحة، وزير الدفاع والإنتاج الحربي، فقد قرر فى تلك الفترة إطلاق اسم الفريق سعد الدين الشاذلى رئيس أركان حرب القوات المسلحة الأسبق، على الدفعات 109 حربية، و67 بحرية و82 جوية و54 فنية عسكرية، و44 دفاع جوى، وهو تكريم له قيمته فى التقاليد العسكرية العريقة، فتلك الدفعات لا تحمل سوى أسماء كبار القادة الذين تفانوا فى خدمة بلادهم، وقدموا تضحيات مقدرة من أجل حماية أراضيها وتطوير قدراتها.

وقام السيسى آنذاك بتكريم أسرة الفريق سعد الدين الشاذلى كما تم عرض فيلم تسجيلى يستعرض قصه حياته، وعقب تولى الرئيس السيسى مقاليد قيادة البلاد، تواصل هذا التقدير والتكريم، حيث أشار هشام أكرم حفيد الفريق الشاذلى إلى أن تكريم اسم جده تواصل بموافقة الرئيس على طلب الأسرة بإطلاق اسمه على أحد شوارع القاهرة، وبالفعل تم إطلاق اسمه على أحد المحاور الرئيسية التى تربط طريقى السويس والإسماعيلية الصحراوى، ويخدم عددا كبيرا من سكان المدن الجديدة ومدينة نصر، وكل ما نتمناه كأسرة من تكريم لاسم الفريق تحقق وزيادة، فإدارة الشئون المعنوية بالقوات المسلحة أعدت فيلما تسجيليا عن حياة الفريق، ودوره فى انتصار أكتوبر، كذلك عاد المتحف الحربى وبانوراما أكتوبر لإعادة توثيق دور الفريق خلال الحرب.

هذا التكريم والتقدير المستحق من جانب القيادة السياسية والعسكرية للبلاد يمثل تعويضا لرجل أفنى حياته فى خدمة بلاده، وكان واحدا من نجباء المؤسسة العسكرية المصرية، وكانت معركة العبور صفحة ناصعة فى تاريخه العسكرى، فهو أحد أبطالها الكبار، الذين أسهموا فى تحقيق النصر، ليس فقط بحكم منصبه كرئيس للأركان، لكن لأنه كان أحد الخبرات العسكرية الفريدة، فقد خاض الشاذلى العديد من الحروب.

ولد الفريق أول سعد الدين الشاذلى فى 1 أبريل 1922، بمركز بسيون بمحافظة الغربية، والتحق بالكلية الحربية فى فبراير 1939، وكان أصغر طالب فى دفعته حيث كان عمره وقتها 17 سنة، ثم تخرج برتبة ملازم فى يوليو 1940، تم انتدابه للخدمة فى الحرس الملكى من 1943 إلى 1949، وشارك فى حرب فلسطين عام 1948 ضمن سرية ملكية مرسلة من قبل القصر، بدأت علاقته بالرئيس الراحل جمال عبدالناصر قبل ثورة 23 يوليو، بسبب علاقاتهما الأسرية، فضلاً عن كونهما ضابطين مدرسين فى مدرسة الشئون الإدارية، ثم انضم للضباط الأحرار فى 1951، وخاض بعدها كل معارك الوطن فى 1956، و1967، وحرب الاستنزاف، وصولا إلى معركة العبور، التى كان أحد أبرز قياداتها.

ينسب كثير من المراجع العسكرية للفريق الشاذلى دوره البارز فى وضع خطة العبور، التى اشتهرت بخطة «المآذن العالية»، وتجسدت فيها قدرة الشاذلى على استخدام التكتيك العسكرى والقيادة والمناورة، وفهمه لطبيعة العدو وحدود قدراته، وسارت الأمور وفق الخطة المرسومة حتى حدوث «ثغرة الدفرسوار» التى تسببت فى خلاف بينه وبين الرئيس الراحل محمد أنور السادات، وبالتالى بدأ فصل جديد من حياة الشاذلي، حيث تفرقت به السبل، واضطر فى مرحلة لاحقة إلى الحياة خارج مصر.

وإذا كان جميع قادة حرب أكتوبر يمثلون صفوة العسكرية المصرية آنذاك، وقد ضرب كل منهم فى ميدانه مثالا نادرا على التضحية والفداء، إلا أن الفريق الشاذلى قد حظى بتقدير خاص، لاسيما من القادة الإسرائيليين، وربما خير شهادة لعبقرية قائد عسكرى هى التى تأتى من عدوه، فقد قال عنه الجنرال موشيه ديان (وزير الدفاع الإسرائيلى الأسبق): «المصريون كانوا يملكون قائدا عظيما يعرف باسم الشاذلى كان قائداً للهيئة العامة لأركان حرب القوات المصرية إنه حقاً من أذكى القادة العسكريين إننى أقولها للتاريخ فقط وليس لمصلحة فهو من أشجع الضباط المصريين.»، ووصفه الجنرال أرييل شارون (قائد فرقة ضباط احتياط أثناء حرب أكتوبر1973، ورئيس وزراء إسرائيل الأسبق: «إن الشاذلى من أذكى الضباط المصريين عسكرياً إنه محترف بكل المقاييس يجب علىّ أن أعترف بذلك».

ويأتى مشهد الختام فى حياة الراحل الكبير فى وقت تشهد البلاد بالفعل مفترق طرق حقيقيا، فقد تُوفى الفريق سعد الشاذلى يوم الخميس الموافق فى 10 فبراير 2011، بالمركز الطبى العالمى، عن عمر بلغ 89 عامًا بعد معاناة طويلة مع المرض، وقد شيّع فى جنازة عسكرية وشعبية مهيبة بحضور الآلاف من المواطنين ومن الضباط والجنود بعد صلاة الجمعة يوم 11 فبراير، وهو يوم تنحى الرئيس الأسبق حسنى مبارك عن الحكم.

كرمّه السيسى بإطلاق اسمه على الدفعة الأولى من كلية طب القوات المسلحة

المشير الجمسى.. «مهندس حرب أكتوبر»، يعود إلى النور

المشير الجمسى

«مهندس حرب أكتوبر»، «الجنرال النحيف المخيف» ألقاب ارتبطت بواحد من أبرز عقول مصر العسكرية، وأحد أكثر القادة عطاء وإخلاصا فى الميدان، وهو المشير محمد عبد الغنى الجمسى رئيس هيئة العمليات للقوات المسلحة خلال حرب أكتوبر المجيدة، وآخر وزراء الحربية فى مصر التى تم استبدال اسم الوزارة ليكون وزارة الدفاع.

أدى المشير الجمسى واجبه الوطنى بمنتهى الإخلاص والتفاني، حربا وسلما، فعندما تطلب الواجب الوطنى المواجهة العسكرية كان المشير الجمسى فى مقدمة الصفوف، مسخرا خبراته العسكرية القتالية التى جناها من ميادين المعارك المتعددة التى خاضها لخدمة بلاده، وساهم بعقليته العسكرية المنظمة، ودأبه الفريد فى جمع المعلومات وتوظيفها لإدارة العمليات، وعندما اقتضى الأمر التفاوض، كان المشير الجمسى رئيس وفد مصر العسكرى فى مفاوضات فض الاشتباك، التى عُرفت بمفاوضات الكيلو 101، وواصل الجمسى دوره الوطنى كوزير للحربية.

ورغم هذا الدور الوطنى الكبير والعطاء المتميز، إلا أن الرجل عانى طويلا أيضا ولسنوات من تجاهل دوره المهم والحيوى وبخاصة فى حرب أكتوبر، لصالح التركيز فقط على أهمية الضربة الجوية، وهو ما كان سببا لإحساس «الجنرال النحيف المخيف» بالمرارة، وقد لمستُ الأمر شخصيا فى حوار صحفي، كان لى شرف إجراؤه مع المشير الجمسى قبل رحيله بأربعة أعوام، لكن الرجل الذى اعتاد العطاء، لم يطلب لنفسه شيئا، ولا حتى ارتضى أن يشكو من ذلك التجاهل والنسيان.

وإذا كانت سنوات التجاهل لدور وتاريخ المشير الجمسى قد امتدت حتى رحل الرجل عن دنيانا فى صمت بعد معاناة مع المرض فى 7 يونيو 2003 عن عمر يناهز 82 عامًا، إلا أن إعادة الاعتبار لذكرى الرجل، والإشادة بتاريخه العسكري، وعدائه الوطنى جاءت من جانب الرئيس عبدالفتاح السيسى الذى كرّم مهندس حرب أكتوبر بإطلاق اسمه على الدفعة الأولى من كلية طب القوات المسلحة، التى شهد الرئيس بنفسه حفل تخريجها من كلية طب القوات المسلحة الجديدة، فى أكتوبر 2019 فى مركز المنارة بالتجمع الخامس، وقد شاهد الرئيس خلال الاحتفال فيلما تسجيليا يرصد جوانب مضيئة من تاريخ الرجل، ودوره العسكرى والوطنى الحافل بالإنجازات.

وكان هذا الاحتفاء الرئاسى بأحد رموز العسكرية المصرية نقطة نور تعيد التركيز على نموذج وطنى متميز ولإعادة تقديم المشير الجمسى من جديد لأجيال من المصريين، فالرجل منذ نشأته يمثل قصة كفاح إنسانية تستحق الاقتداء بها، فمن ابن لأسرة مصرية بسيطة بمحافظة المنوفية، استطاع بجده واجتهاده أن يدخل ضمن تصنيف أبرع 50 قائدا عسكريا فى التاريخ.

وعقب انتهاء حرب ٧٣ اختاره الرئيس أنور السادات قائدا للمفاوضات مع الإسرائيليين، ورقى وقتها إلى رتبة الفريق أول مع توليه منصب وزير الحربية عام 1974 وقائد عام للجبهات العربية الثلاث عام 1975.

أدرك المشير الجمسى أن الطريق إلى الانتصار لا يكون سوى بالتعليم والعمل الاحترافى والتخطيط السليم، وظهرت فى تلك المرحلة قدراته التنظيمية والاستخباراتية، ولعل من أكثر المفردات التى ارتبطت باسم «مهندس حرب أكتوبر» تعبير «كشكول الجمسي» حيث حرص الجمسى على تدوين كل كبيرة وصغيرة تتعلق بالعدو والإعداد للمعركة بيده فى كشكول صغير حرصًا على تطبيق أعلى درجات السرية، وهذا الكشكول الآن معروض بالمتحف الحربى بالقلعة كواحدة من الوثائق النادرة التى تشهد على حجم الإخلاص والدقة التى كان يتمتع بها الرجل، الذى وصفته جولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل خلال المفاوضات التى أعقبت حرب أكتوبر بأنه «الجنرال النحيف المخيف».

.. وللبسطاء نصيب من «جبر الخاطر»

الرئيس زار ضحية التحرش بنفسه واعتذر لسيدة «الكرم» واستضاف «طفل التنمر»

 الرئيس السيسى يقدم باقة ورود إلى سيدة «التحرير» التى تعرضت للتحرش

لا يقتصر حرص الرئيس عبد الفتاح السيسى على إعادة الاعتبار على كبار القادة، والشخصيات التاريخية التى تعرضت لظلم تاريخي، أو لم تلق ما تستحق من تكريم وتقدير، بل إن حرص الرئيس الرئيس على إعادة الاعتبار يمتد إلى كل من تعرض لموقف قاسٍ، أو تجربة مؤلمة، حتى لو كان مواطنا بسيطا أو طفلا صغيرا.

وتشهد السنوات السبع الماضية على العديد من المواقف الإنسانية التى تضيق المساحة هنا عن سردها كاملة، لكننا نكتفى بمجموعة من المواقف التى كان الرئيس فيها أول من يمد يد المساندة والدعم وإعادة الاعتبار لنماذج متباينة من المواطنين، وفى مواقف قاسية، كان تدخل الرئيس فيها بمثابة اليد الحانية التى تجبر الخاطر، وتطيب النفوس، وتعيد الأمور إلى نصابها الصحيح..ولعل من أبرز المواقف التى يمكن التوقف أمامها، مسارعة الرئيس السيسي، وبعد أيام قليلة من تنصيبه رئيسا للجمهورية إلى زيارة السيدة ضحية التحرش بميدان التحرير، والتى انتشرت فيديوهات الاعتداء عليها على وسائل التواصل الاجتماعي، يومها لم يكتف الرئيس بإصدار توجيهاته للأجهزة المعنية بضبط الجناة، بل سارع فى لفتة إنسانية غير نادرة فى حياة الرئيس السيسى بزيارة ضحية التحرش يوم 11 يونيو 2014 فى المستشفى الذى تعالج به، واعتذر الرئيس لها باعتباره إنسانا قبل أن يكون رئيسا، ومواطنا قبل أن يكون قائدا، وقدم الرئيس باقة ورود لها قائلا: «أعتذر وأعدك بأننا كدولة لن نقبل مثل هذه الحوادث فى المستقبل». وأضاف: «سوف نتخذ إجراءات صارمة وسنقف بقوة فى وجه أى متحرش».

سيدة الكرم

وخاطب الرئيس ضحية التحرش مجددا اعتذاره باسم كل المصريين: «بعتذر لك وكدولة لن نسمح بده تاني، ولينا إجراءات فى منتهى الحسم، وجاى أقولك ولكل ست مصرية أنا أسف، بعتذرلكم كلكم، سامحوني، وإن شاء الله تخفى وتبقى زى الفل، والموقف ده تتجاوزيه بأمان».

هذا الموقف لم يكن الوحيد، بل تجدد مرة أخرى عندما أعاد الرئيس الاعتبار فى مايو 2016 لسيدة مصرية أخرى وقعت ضحية الجهل والوحشية من جانب قلة من الموتورين، فقد توجه الرئيس السيسى بالاعتذار للسيدة المصرية، التى تعرضت للتعرية والسحل فى قرية «الكرم» بالمنيا..وأكد الرئيس، أن القانون سيطبق على الجميع، قائلا: «القانون سيأخذ مجراه على الجميع، ومن يخطئ سيحاسب».

الأمر لم يقتصر على المواطنين المصريين، بل امتد الأمر إلى إعادة الاعتبار لكل إنسان على أرض مصر، ومن هنا جاءت اللفتة الإنسانية التى قدمها الرئيس فى 13 ديسمبر 2019 عندما اصطحب الطفل جون منتوث الطالب الجنوب سودانى الذى تعرض للتنمر، وأجلسه إلى جواره خلال انطلاق فعاليات مسرح شباب العالم فى نسخته الثانية ضمن فعاليات منتدى شباب العالم، بمدينة شرم الشيخ.
الطبيب البطل

موقف آخر يجسد حرص الرئيس على «جبر الخواطر» وإعادة الاعتبار لمن قدموا تضحيات لوطنهم فى كل المجالات، وربما ظنوا أن بلدهم نسيتهم، أو أن ما قدموه من تضحيات قد ذهب هباء، لكن القيادة الحقيقية هى التى تتدخل فى الوقت المناسب فتعيد الأمور إلى نصابها الصحيح، هذا الموقف كان بطله الطبيب محمود سامى قنيبر، الذى فقد بصره نتيجة الإجهاد والعمل المتواصل لمدة 7 أيام، لمجابهة فيروس كورونا، فأصيب بعدها بتلف العصب البصرى فى العين، ولم ير طفله الرضيع، فبعد الاهتمام الجماهيرى الكبير بقصة هذا الطبيب، عقب الكشف عن قصته تراجع الاهتمام الرسمى والإعلامى بحالة الطبيب، وربما ظن ذلك الطبيب البطل أن ما قدمه ذهب طى النسيان، وبدأ الرجل مواجهة أعباء الحياة ورحلة العلاج وسط ظروف غاية فى الصعوبة.

وجاء تدخل الرئيس عبد الفتاح السيسي، وحرصه على تكريم الطبيب وأسرته خلال حضور الندوة التثقيفية الثالثة والثلاثين للقوات المسلحة بعنوان «لولاهم ما كنا هنا» بمناسبة الاحتفال بيوم الشهيد، بمركز المنارة الدولى للمؤتمرات بالتجمع الخامس، ليعيد الاعتبار لتضحيات طبيب لم يتوان عن تقديم كل ما يستطيع لأداء واجبه المهني، وليكون تكريم هذا الطبيب بمثابة رسالة شكر وعرفان من جانب القيادة لجيش مصر الأبيض الذى قدم الكثير من أجل المساهمة فى مواجهة أزمة فيروس كورونا.

وخلال التكريم، أصر الرئيس السيسي، على اصطحاب الطبيب محمود، للنزول من منصة التكريم موجها له التحية، وهو ما كان له أكبر الأثر - كما يقول الطبيب البطل- فى إخراجه من ظلمات اليأس إلى آمال التفاؤل، خاصة أن أعباء الحياة بدأت فى التكالب عليه، مع طول رحلة العلاج، وعدم قدرته على الوفاء بالكثير من المتطلبات الضرورية نتيجة ظروفه الجديدة، ليتغير الحال بين ليلة وضحاها بتكريم الرئيس عبدالفتاح السيسي، وتوفير المسئولين فى محافظة كفر الشيخ التى ينتمى إليها وحدة سكنية له بإيجار رمزى.