النيابة العامة انتهت من فحص 400 قطعة أثرية

أسرار كنز الباشوات فى الزمالك!

كنز الباشوات
كنز الباشوات

هبة بيومى

«الصدفة» وحدها هى التى كشفت كنز الزمالك  أو "شقة على بابا"، فلم يكن هناك بلاغ عن محتويات الشقة ولم تقع بها جريمة، فقط كانت مُغلقة وسافر صاحبها منذ أكثر من 20 عامًا!..

وحدة تنفيذ الأحكام داهمت الشقة لفتحها، لتكتشف ما بداخلها من منقولات ثمينة، تُشير الإحصاءات الأولية لها أن قيمتها تصل لمليار جنيه، وتتضمن آثار ترجع إلى بعض العصور المختلفة.

مالك الشقة، زعم أنه ورثها عن أجداده الذين كانوا يتقلدون مناصب وزارية مهمة وقت الحكم الملكى فى مصر، بينما تمكنت جهات التحقيق من حصر 400 قطعة اثرية، مقرر أن يصدر قرار بشأنها وفقا للقوانين المصرية المعمول بها من خلال اللجان المشكلة من الجهات المعنية بناء على التحقق من مدى مشروعية الاحتفاظ بهذه المقتنيات ووصولها ليد حائزها.

المستشار عمر مروان، وزير العدل، وصف القضية بـ"الكبيرة"، وقرر ندب عدة لجان من الجهات المتخصصة من وزارات السياحة والآثار والمالية والثقافة لحصر وفحص المضبوطات تحت الإشراف المباشر اليومى لعدد من قضاة التنفيذ، على أن يتم إعداد تقرير بما تنتهى إليه، وقررت إدارة التفتيش تشميع الشقة، وتعيين حراسة مشددة عليها.

وتواصل النيابة العامة تحقيقاتها بشكل موسع فى القضية حتى تتمكن من تحديد المسئولية الجنائية إذا ما انتهت التحقيقات إلى وجود مسئولية جنائية على مالك الشقة ونجله، أما فى حالة عدم وجود مسئولية جنائية فإن النيابة ستكشف أيضًا عن تفاصيل التحقيقات عقب انتهائها.

التحقيقات

وكشفت التحقيقات مبدئيا عن وجود نزاع قضائى بين النائب الأسبق بمجلس الشعب، خالد محمد حامد محمود، ونجل شقيقته كريم أحمد عبدالفتاح حسن، على معاملات مالية بينهما بملايين الجنيهات، حيث حصل الخال على أحكام قضائية بأداء المبالغ المالية المطلوبة "13 مليون جنيه"، ثم أمر قضائى بالحجز على بعض ممتلكات نجل شقيقته، وبناء على العنوان الذى تم ذكره فى التحريات لشقة المدعى عليه كريم، توجهت وحدة تنفيذ الأحكام إلى الشقة المذكورة لفتحها.

وعندما اضطرت القوة لكسر باب الشقة لتنفيذ الحكم، تم اكتشاف ما بداخلها من منقولات وكنوز أثرية نادرة ومجوهرات ثمينة وتحف نادرة وعملات تاريخية وكمية من المشغولات والذهب الخالص، ومقتنيات لملوك مصر السابقين فى عهد أسرة محمد على باشا مطعّمة بالماس وتحف فنية بأشكال مختلفة ومطعمة بالأحجار الكريمة والياقوت وكميات كبيرة من النياشين والأوسمة التاريخية التى يعود بعضها للأسرة العلوية، و"دبابيس صدر ذهبية"، ومجموعة من العلب بغطاء مستديرة الشكل بحافات مطعمة بالأحجار الكريمة، ومجموعة من الأقراط والخواتم الذهبية ومطعمة بألوان مختلفة مثل الأخضر والأحمر ومجموعة من السلاسل الذهبية القديمة كل هذه القطع ملأت أعدادها أرجاء الشقة بالكامل بالإضافة إلى دهاليز سرية، وأبواب خلفية، وصناديق محكمة الغلق، تضم تماثيل فرعونية، أصلية بكميات ضخمة.

كلام صاحب الكنز

المستشار السابق بمجلس الدولة، أحمد عبدالفتاح حسن، أصدر بيانًا تحدث فيه عن كواليس العثور على تحف نادرة ومقتنيات أثرية ومجوهرات ثمينة داخل شقة الزمالك بالمصادفة أثناء تنفيذ حكم قضائى ضد نجله كريم، مالك الشقة جاء فيه: "تصحيحًا لما تم تداوله من وقائع ذات صلة بحقيقة ما يجرى بخصوص الشقة المضبوط بها كنوز، والكائنة بمنطقة الزمالك، فإن الشقة المشار إليها التى جرى التنفيذ عليها يشغلها المستشار أحمد عبد الفتاح حسن، وحرمه، وجميع المقتنيات الموجودة بها مملوكة بالكامل لهما، ولا صلة لابنه كريم بها ولا يوجد فى الشقة أى منقولات أو أثاث خاص به"، وأوضح أن صاحب الشقة المضبوط بها الكنوز هو نجل عبد الفتاح باشا حسن، وزير الداخلية ووزير الشئون الاجتماعية فى حكومة الوفد فى سنة 1951 فى عهد الملك فاروق، وكان من رجال القضاء، ثم عضوًا فى مجلس الدولة فى أول تشكیل له سنة 1941، وهو حفيد أحمد باشا على وزير الحقانية فى عهد الملك فؤاد الأول، وعمل وكيلا لمجلس الشيوخ فى عهد الملك فاروق، وأن حرم المستشار أحمد عبد الفتاح حسن، هى ابنة السيد محمد حامد محمود - وزير الحكم المحلى فى عهد الرئيس الراحل محمد أنور السادات الذى له بصمات مضيئة من خلال عمله الوزاري، وهو حفيد المغفور له أحمد باشا محمود.

وتابع: "محتويات الشقة تضم مقتنيات تم توارث معظمها من الأسرة، والباقى بطريق الشراء منذ الخمسينيات والستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، وهى مقتنيات لم يفرط فيها صاحبها ولم يقم بالاتجار فيها، بل ظل محتفظا بها به داخل البلاد"، واستطرد: "المقتنيات الملكية معظمها متوارثة من الأسرة، والباقى بطريق الشراء من المزادات التى أقامتها الدولة فى الأزمنة السابقة بطريقة رسمية، دون حظر على بيعها".

وكشفت تحقيقات النيابة العامة أن كنوز شقة الزمالك ترجع أصولها للملك فاروق وأوضحت التحقيقات أن الشقة "إيجار قديم"، لأحد المستشارين الكبار، والذى يقيم خارج البلاد منذ مدة طويلة وأنه من أسرة عريقة، وتقتنى التحف النادرة دائما ويشارك فى المزادات الخاصة بالتحف، والأحجار الكريمة واللوحات النادرة فى العالم، لشرائها وأن الجزء الآخر من المضبوطات موروث من الأسرة وأشارت التحقيقات إلى أن لجان تنفيذ الأحكام بوزارة العدل، عثروا على 400 قطعة أثرية فى الشقة، تم التحفظ عليها من قبل النيابة العامة وشكلت لجان خاصة لإعداد تقرير عن قيمتها والاستعلام عن سندات الملكية الخاصة بها وتفحص أجهزة الأمن بالقاهرة مصادر الحصول على الكنوز الأثرية، ويقوم رجال المباحث بعمل التحريات وفحص القطع الأثرية للوقوف على ملابسات الواقعة حيث تتخطى قيمة الكنوز مئات الملايين من الجنيهات.

الوضع القانونى

من جانبه، قال الدكتور أيمن رمضان الزيني، أستاذ القانون الجنائى بكلية الحقوق جامعتى طنطا والسادات، إنه من المقرر قانونا أن يتم اقتضاء الديون الصادر بشأنها أحكام قضائية، والتى تم بناء عليها دخول الشقة وضبط المضبوطات، وإذا افترضنا أن المقتنيات المضبوطة ملك لمالك الشقة، واستطاع إثبات سند ملكيته لها، فستسلم لمالكها إلا إذا كانت ذات طابع أثرى، ووفقاً لنَصَّ المادة الأولى من قانون حماية الآثار رقم 117 لسنة 1983، فإنه يعتبر أَثَرا كلُّ عقار أو منقول أنتجته الحضارات المختلفة، أو أحدثته الفنون والعلوم والآداب والأديان من عصر ما قبل التاريخ وخلال العصور التاريخية المتعاقبة، حتى ما قبل مائة عام، متى كانت له قيمة أو أهمية أثرية أو تاريخية، باعتباره مظهرًا من مظاهر الحضارات المختلفة التى قامت على أرض مصر، أو كانت لها صلة تاريخية بها، وكذلك رفات السلالات البشرية والكائنات المعاصرة لها.

تابع، وفقاً لنص المادة السادسة من قانون حماية الآثار رقم 117 لسنة 1983، فإن المضبوطات المعثور عليها إذا ثبت لها وصف الأثر تعد من قبيل الأموال العامة وبالتالى لا يجوز تملكها أو حيازتها أو التصرف فيها، إلا فى الأحوال وبالشروط المنصوص عليها فى هذا القانون والقرارات المنفذة له، وبالتالى اعتبر القانون المصرى الآثار التى يعثر عليها فى أرض مصر من الأموال العامة التى لا يجوز للفرد تملكها أو حيازتها أو التصرف فيها بغير تصريح من الدولة؛ سواء عثر عليها فى أرض تملكها الدولة أو يملكها الأفراد، وبالتالى سيتم مصادرة المضبوطات التى تعد لها قيمة تاريخية وثبت لها وصف الأثر وفقاً لنص المادة الأولى من القانون.

وأشار إلى أن إثبات القيمة التاريخية للمضبوطات هو عمل فنى ستقوم به اللجان المعنية فى وزارة الاثار، ووفقاً لنص المادة 24 من قانون حماية الآثار رقم 117 لسنة 1983، فإن كل من يعثر مصادفة على أثر منقول، أو يعثر على جزء أو أجزاء من أثر ثابت فيما يتواجد به من مكان، أن يُخطِر بذلك أقرب سلطة إدارية خلال ثمانٍ وأربعين ساعة من العثور عليه، وأن يحافظ عليه حتى تتسلمه السلطة المختصة، وإلا اعْتُبِرَ حائزًا لأثر بدون ترخيص، وعلى السلطة المذكورة إخطار الهيئة بذلك فورًا، ويصبح الأثر ملكًا للدولة، وللهيئة إذا قدرت أهمية الأثر أن تمنح من عثر عليه وأبلغ عنه مكافأة تحددها اللجنة الدائمة المختصة، ووفقاً لنص المادة 32 من قانون حماية الآثار رقم 117 لسنة 1983، فإن من اقتنى أثرًا وتصرف فيه على خلاف ما يقضى به القانون، يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن ثلاث سنوات، ولا تزيد على خمس سنوات، وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه، ولا تزيد على خمسين ألف جنيه، أما إذا أجرى أعمال الحفر بقصد الحصول على الآثار دون ترخيص أو اشترك فى ذلك؛ فقد نصت المادة 44 من ذات القانون على أنه يعاقب بالسجن المشدد، وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه، ولا تزيد على مائة ألف جنيه.

الاحتمالات

ويقتضى الأمر أولاً أثبات حائز تلك المضبوطات لمشروعية لسند حيازته لتك المضبوطات، ثم فى مرحلة تالية التحقق من مدى مشروعية الاحتفاظ بهذه المقتنيات، وفقا لأحكام قانون حماية الآثار رقم 117 لسنة  1983، وذلك من خلال اللجان المشكلة من الجهات المعنية بفحص تلك المضبوطات، أما إذا ثبت أن هذه المنقولات غير مملوكة للمحكوم ضده، فسوف يتم تغيير مسار القضية تماما، حيث سيأخذ الفحص منحى آخر للتعرف على أصل ملكية هذه المنقولات التى أصبحت فى حكم الأشياء المتحفظ عليها، خاصة أن المقتنيات تتضمن تحفاً وأنتيكات ولوحات فنية وأوسمة وميداليات ونياشين ومجوهرات، لم تُعرف كميتها على وجه التحديد حتى الآن، وسيعلن عنها فور انتهاء التحقيقات.

واختتم، أنه وفقاً لأحكام قانون حماية الآثار، فقد صارت أغلب صور التعدى على الآثار من قبيل الجنايات، وبالتالى تم تشديد العقوبة بصورة تحقق الردع، كما أقر القانون قاعدة غاية فى الأهمية مفادها أن جرائم الاعتداء على الآثار أو الاتجار فيها لاتسقط بالتقادم.