شومان: لا اغتصاب في الزواج وعقد النكاح لم يشترط الرضا لإستمتاع الرجل بزوجته

عباس شومان وكيل الازهر الاسبق
عباس شومان وكيل الازهر الاسبق

كتبت ايمان عبد الرحمن

اكد الدكتور عباس شومان وكيل الازهر الاسبق ان الاغتصاب جريمة في شرعنا ،حيث إنه سلب ما ليس مستحقا لسالبه، كالاعتداء على عرض الغير من دون عقد شرعي ،أو سلب ماله أو أرضه من دون رضاه ، وحيث إن الاغتصاب جريمة فهو يوجب عقوبة فاعله عقوبة تختلف باختلاف الواقعة ، فمع أن الاغتصاب لم ترد في شأنه عقوبة محددة شرعا وإنما ترك للقضاء يجتهد القاضي في ضوء نصوص قانونية في إنزال العقوبة الملائمة على الفاعل، و شدد شومان على  أن عقوبة الاغتصاب قد تزيد على العقوبة  المقدرة شرعا لنفس الجريمة إن ارتكبت من دون غصب، فالاعتداء على العرض بالزنا جريمة حديّة متى وقعت تراضيا بين طرفيها: يجلد فاعلها إن لم يكن متزوجا ،ويرجم حتى الموت إن كان محصنا بالزواج ،أما مرتكب نفس الفعل قهرا ودون موافقة الطرف الآخر فهو مغتصتب ، قد تصل عقوبته للإعدام إن رأى القاضي ذلك ،وكذلك أنواع الغصب الأخرى فقد تركها الشرع بلا عقوبة محددة ليتمكن القاضي من تطبيق العقوبة الرادعة بالغة مابلغت، فغصب بعض مال قد يكتفي بالحكم على الغاصب برد المال المغصوب مع بعض توبيخ حتى لايعود للفعل ثانية، وهو يختلف عن غصب أرض شعب يجيز لأهلها شن حرب على الغاصبين لاستردادها.

اقرأ أيضا| وكيل الأزهر الأسبق يحسم معركة السوشيال ميديا بشأن الافطار عمدا

و اشار الدكتور عباس شومان عبر صفحته على الفيس بوك  أن كلمة الاغتصاب أو الغصب ليست من الكلمات الهينة ؛التي يجوز أن نرددها في مجال مخالفة المرؤة أو ارتكاب ما يلام عليه من المخالفات التي لا تدخل في دائرة الجرائم الموجبة للعقاب، وهذا ما يفعله بعض الناس في الفترة الأخيرة فيما يعرف بالاغتصاب الزوجي، هذا المصطلح الوافد مع مصطلحات كثيرة تسللت إلى ثقافتنا وقيمنا ،وحلت بأحكامها محل ما جاءت به الشرائع السماويّة ومنها شريعتنا الغراء، ففي بلاد الغرب يمكن للزوجة أن تتقدم شاكية زوجها ومتهمة له باغتصابها لمجرد أنه عاشرها معاشرة الأزواج في وقت لم تكن راغبة في المعاشرة ،وهنا يحق للقاضي أن يعاقبه غير معتبر لعقد الزواج الذي وقع الفعل تحت مظلته، وإذا كان للغرب أن يفعلوا ما يحلوا لهم ،حتى في عقد الزواج نفسه حيث إنه عقد مدني لا علاقة له بالشرع عندهم، فإن  من التجني على شريعتنا وثقافتنا التسوية بين المعاشرة تحت مظلة عقد مدني لا تعرفه شريعتنا ولا تعترف به ،وبين المعاشرة التي يضمنها عقد الزواج في شريعتنا ،وهي مقصود أساس من مقاصده ،لما فيه من تعطيل لأثر من آثار عقد الزواج في شريعتنا الذي بني على المودة والرحمة ،ويختلف عقده عن عقود المعاملات المادية  الأخرى ،ولذا ذكرنا الخالق عند الإقدام عليه بهذه المعاني الراقية حيث قال :{ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} فالمودة والرحمة لا يناسبهما اعتبار فعل من آثار عقدهما جريمة من الجرائم ، وكيف يوصف الفعل المباح بالعقد والذي هو أحد مقاصد ه بوصف مجرم في شريعتنا قبل القانون؟ ألم يقل ربنا في كتابه :{ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ ... }؟ فهل ورد في الآية اشتراط الرضى لتحقق اللباس حتى يكون من دونه اغتصابا؟ أم يقل في آية أخرى :{ نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}؟  فهل يرى هؤلاء محذوفا في الآية تقديره متى رضيت الزوجة؟! ،ولست أدري موقف هؤلاء من قوله – تعالى - :{ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} ؟وهل علموا أن النشوز منه إعراض الزوجة عن زوجها أو لا؟ وهل علم هؤلاء بقول رسولنا الأكرم في الحديث المتفق عليه : «إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَأَبَتْ فَبَاتَ غَضْبَانَ عَلَيْهَا لَعَنَتْهَا المَلاَئِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ » ؟ .

 و طالب شومان هؤلاء بدلا عن تحريض المرأة وإيهامها بأن استجابتها لرغبة الزوج في معاشرتها محض فضل وتكرم منها، لا تلام إذا ما ضنت به ليرفعوا من درجات تمرد المتمردات منهن، كان الأولى بهم توجيه المرأة إلى الاجتهاد في تحقيق حاجة الزوج الذي تزوج ليُحصن نفسه ويشبع حاجته في إطار مشروع، وإذا كان هؤلاء والنساء معهن يسعون لتقليل حالات تعدد الزوجات ،فإن بحثا تجريه جهة مختصة سيثبت أن كثيرا من الرجال يتزوجون ثانيا وثالثا لفشل الزوجات في إشباع حاجة الأزواج وإهمالهن في زينتهن نتيجة أعباء منزليّة ؛وربما وظيفية ضاغطة على الناحية العاطفية، ولأن كثيرا من الأزواج لا يحسن التماس العذر لهن يفر باحثا عن هذا الذي ينقصه بعيدا عنها في إطار زوجية أخرى، وأحيانا لضعف الوازع الديني  يبحث عنه في إطار غير مشروع أصلا،  و حذر شومان من   الآثار  المترتبة على هذه الكلمات التي تخرج من أفواههم ويحسبونها تطويرا ورقيا لمواكبة المعمول به في دول يحلوا لهم وصفها بالمتحضرة؟ وهل انتبهت المرأة العاقلة إلى خراب بيوتها القادم متى صدقت هذا الكلام الذي ما أنزل الله به من سلطان؟ أم أنها تظن أنها ستعود من المحكمة بعد أن عوقب زوجها بالسجن لاغتصابها تنتظر زوجها ليعود لها بعد انقضاء العقوبة ليغدق عليها حنانا متمسكا بها إلى الرمق الأخير! ما أسهل الكلام الذي يدغدغ المشاعر خاصة إذا كان موجها للنساء متى كان مؤلبا لهن على الرجال حيث يرين قهرهن لحسابه حتى في الأحكام الثابتة شرعا.

 و اكد الدكتور شومان إن العشرة بين الزوجين يجب أن تكون في ظل التراحم ومراعاة كل طرف لحالة شريكه، والتماس العذر له، وأن المرؤة الحقة لايناسبها أن يكره الرجل زوجته على معاشرته وإن كان حقه ،لأنه حتى إن فعل فلن تتحقق له حاجته من الإشباع خلافا لمباشرة الفعل في وجود الرغبة من الطرفين معا، ولذا لا أقول للأزواج واقعوا زوجاتكم ولاتلتفتوا لرضاهن من عدمه، ولكن أقول: إن المرأة إنسان لها مشاعرها وكرامتها، وإن الحرص على صونها واحترام مشاعرها هو الذي يحقق لك حياة سعيدة فاحرص على ذلك في أم أولادك فاعذرها بما نقص من حقك لانشغالها ببيتك وأولادك، فليست الحياة كلها متعة جسدية ،وتذكر وصية رسولنا بها : «اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ، فَإِنَّ المَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلاَهُ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ» ولكن أرفض التمادي مع هؤلاء فأجعل الرضى التام من شروط حل المعاشرة وإلا كانت اغتصابا.

و تساءل شومان ..إذا كان هؤلاء يرون معاشرة الزوجة من دون رضاها اغتصابا لها ،فهل سيغيرون حكم رجعتها وإن لم ترض إن هي طلقت طلقة رجعية، حيث أجمع العلماء على صحة رجعتها واستئناف الزوجية وإن لم ترض بالرجعة، ومن الرجعة معاشرة المطلقة رجعيا ،فهل إذا عاشرها من غير رضاها تبقى مطلقة ولاتعود لزوجيته؟ وهل تعدونه مغتصبا لمطلقته فتوجبون عقابه، وهل يعقل أن المعاشرة ولو من دون رضا من المطلقة مستأنفة للزوجية التي هي الأصل، بينما توصف إذا وقعت بعد الرجعة بالاغتصاب؟!،وهل يرى هؤلاء أن اغتصاب الزوجات الذي يدعونه مساويا لاغتصاب غير الزوجات ؟،أو أنه نوع آخر من الاغتصاب مع أن الفعل واحد في الحالين؟فإن اعتبروا اغتصاب الزوجة كغيرها من النساء فماذا يفعلون بعقد النكاح الذي أحل لكل واحد من الزوجين الاستمتاع بالآخر من دون نص على اشتراط الرضى؟،وإذا فرقوا بين اغتصاب الأجنبية واغتصاب الزوجة فمعناه اعتبار عقدا الزوجية نصف اعتبار ، حيث خفف من وصف الفعل وفرق بينه وبين مثله مع الأجنبية ،وفي نفس الوقت اعتبروا شيئا من اغتصاب الأجنبية حيث حرموه على الزوج، وهذا تفريق عجيب لم نسمعه عن عاقل من فقهاء السلف ولا الخلف،  و طالب شومان  هؤلاء ان اتقوا الله قبل أن تنطلق الكلمات من أفواهكم تحسبونها هينة وهي عند الله عظيمة.

أخيرا وليس آخرا: يجب التأكيد على أن ماقيل عن معاشرة المرأة هنا ليس مقصورا عليها بل كله ينطبق على الأزواج الرجال، فكما يحق لزوجها الاستماع بها متى شاء مالم يكن مانع معتبر، فكذا للزوجة الحق في الاستمتاع بزوجها وإن لم يكن راغبا في المعاشرة ، فالمعاشرة بين الزوجين من الحقوق المشتركة بين الزوجين وليست للزوج دون الزوجة، وإن امتنع الزوج عنها في حال رغبة الزوجة مع قدرته فهو آثم كما لو امتنعت عنه الزوجة. فإن أردتم انصاف المرأة حقا فأظهروا الأحكام كما جاءت في شريعتنا فهي أنصف لها من شرائع العالم الوضعية التي ترونها متحضرة، وتغفلون عمدا أو جهلا أن تلك الشرائع الوضعية الغربية لم تحقق سعادة ولم تكون حتى أسرة مترابطة، إلا إذا كنتم تحبون تحطيم مفهوم الأسرة التي نُحسد عليها وتمثل غصة لهذه المجتمعات الماديّة البحتة.