يحيى أبوصافي.. مخيم البقعة - الأردن
لا أفقه كثيراً بقضايا الفيمنست، ولمّا سُئلت مرة عن نموذج يحتذى به فى حرية المرأة قلت: - سارة بنت جيرانا.. ثم توقفت عن الكلام، فى حين غرقت فى ذكريات طيبة تحوم حولها: سارة فتاة بلا عمر، ولا مواصفات أنوثوية، أو ذكورية، تسوق وحدها عرباية بغل والدها السمين» السمين هنا تعود للبغل» من الحسبة لسوق الخضار حيث بسطة والدها فى قلب السوق، فى حين يبقى هو يبيع ويشترى الخضار فى نفس الحسبة، وكانت تشترى حليب المؤن الجاف من نسوة المخيم وقت توزيع وكالة الغوث الأونروا للمؤن ، وتبيعه للرعيان، ومربى المواشى على طرف المخيم، منافسة شرسة فى سوق الحليب الجاف لامرأة سمينه (بثلاثة أثداء) كما أكد لى رفيقى فى الشقاء محمد فضيلات ( ثديان للحليب السائل، وثدى لصرة الأموال المتحصلة من بيع الحليب الجاف). كانت سارة ترافق صيادى الحساسين إلى نبعة أبونصير وتشاركهم متعة صيد الحساسين، والبلابل إن شحت الحساسين فى بساتين التين والعنب قرب النبعة. كما أنها رفيقة (خميس أبو الذينين) فى كش الحمام على سطوح أهل الأخير، وتذهب معه إلى سوق الحمام فى عمان لبيع الحمام الكشيش، أو المتحصل عن الكش، ويقال أنها كانت تذهب معه لحضور أفلام هندية فى سينما الحسين، كما أسر مرة لصديقه خالد القطاوي. كانت سارة تشارك فى كل أعراس الحارة كأمهر راقصة، وتشارك فى كل مآتم الحارة كأصدق نائحة، ورأيتها فى عدة مواقف طريفة ربما يندى لها جبين أزعم ولد فى الحارة، كأن تبول على جدران المدرسة الإعدادية وهى واقفة متحدية أقرانها من الولاد والبنات، ولما يحتج على نزقها الأرعن أحد ما، ترميه بالحجارة كأى صاحب خطيئة. كُسرت هيبتها لما قُبض عليها متلبسة تمارس القبل والأحضان فى الهزيع الأخير من الليل فى حوش الجامع مع أحد معاتيه الحارة، حيث اشتلق عليهم المؤذن وهو يهم برفع أذان الفجر، فى حين اختبئت مع رفيقها المعتوه داخل نعش مقلوب أسفل دكة غسل الموتى المفصلة من خشب الطوبار، وتم القبض عليها وحدها داخل النعش، فى حين تمكن رفيقها فى الفضيحة من الفرار. وقد آثر والدها إثر تلك الحادثة المشؤومة أن يهج من المخيم فى ليلة ما فيها ضو قمر، مذاك أفل قمر سارة عن عتمة المخيم الكالحة، ربما تخبأ فى النعش (للنعش فعل الحياة وفعل الحب، فى النعش هروب الخوف واختفاء التردد، وأثر سارة أيضاً) فاتنى أن أقول أن سارة كانت قاسية، ربما لأن بيوت الصفيح بطبيعتها قاسية.