أبداعات عربية

أريد أن أعتذر من العالم

أبداعات عربية
أبداعات عربية

علاء‭ ‬حليحل‭ -‬‭ ‬عكا‭  ‬

أريد‭ ‬أن‭ ‬أعتذر‭ ‬من‭ ‬العالم،‭ ‬الغربيّ‭ ‬بالأساس،‭ ‬ومن‭ ‬إسرائيل،‭ ‬لأننا‭ ‬لسنا‭ ‬فوتوجينيك‭ ‬بما‭ ‬يكفى‭ ‬كى‭ ‬تتضامنوا‭ ‬معنا‭. ‬غالبيتنا‭ ‬رجال‭ ‬مع‭ ‬لحى،‭ ‬ونساؤنا‭ ‬يرتدينَ‭ ‬الحجاب‭ ‬والنقاب؛‭ ‬ملابسنا‭ ‬باهتة‭ ‬ولا‭ ‬تحمل‭ ‬ماركات‭ ‬دوليّة‭ ‬برّاقة‭. ‬ملابس‭ ‬‮«‬عربية‮»‬‭ ‬تقليديّة،‭ ‬ترونها‭ ‬فى‭ ‬كلّ‭ ‬تقرير‭ ‬يُبثّ‭ ‬من‭ ‬أحد‭ ‬شوارعنا‭. ‬شاطئ‭ ‬غزة‭ ‬مهمل‭ ‬وبائس،‭ ‬بلا‭ ‬ملاهٍ‭ ‬أو‭ ‬زركشات‭ ‬صيفيّة‭ ‬مليئة‭ ‬بالألوان‭ ‬الفرحة‭. ‬أريد‭ ‬أن‭ ‬أعتذر‭ ‬باسمى‭ ‬وباسم‭ ‬كلّ‭ ‬الفلسطينيّين‭ ‬لأننا‭ ‬نرفض‭ ‬الخضوع‭ ‬للجبروت‭ ‬الإسرائيليّ،‭ ‬ونجبركم‭ ‬على‭ ‬تحمّل‭ ‬صور‭ ‬موتنا‭ ‬وأشلائنا،‭ ‬وأخبارنا‭ ‬المنغّصة‭. ‬كنا‭ ‬نلعب‭ ‬على‭ ‬الشاطئ‭. ‬كنا‭ ‬أربعة‭ ‬أطفال‭. ‬سئمنا‭ ‬المكوث‭ ‬فى‭ ‬البيت‭ ‬وعدّ‭ ‬الطلعات‭ ‬الجويّة‭ ‬والصواريخ‭ ‬الذكيّة‭ ‬التى‭ ‬تشهد‭ ‬على‭ ‬تقدّم‭ ‬الحضارة‭ ‬البشريّة‭ ‬التى‭ ‬ما‭ ‬زلنا‭ ‬متخلفين‭ ‬عنها‭. ‬الدنيا‭ ‬صيف،‭ ‬والصيف‭ ‬يحبّ‭ ‬البحر‭. ‬بحرنا‭ ‬مالح‭ ‬كسائر‭ ‬البحور،‭ ‬والشاعريّون‭ ‬منا‭ ‬يقولون‭ ‬إنه‭ ‬مالح‭ ‬بسبب‭ ‬دموعنا‭. ‬أمى‭ ‬تقول‭ ‬ذلك‭ ‬الآن‭. ‬أسمعها‭ ‬من‭ ‬داخل‭ ‬كفنى‭ ‬المرتجل‭ ‬الصغير‭ ‬وأنا‭ ‬لا‭ ‬أصدّق‭ ‬أننا‭ ‬لم‭ ‬نكمل‭ ‬لعبتنا‭ ‬عند‭ ‬الشاطئ،‭ ‬فقد‭ ‬كنت‭ ‬على‭ ‬وشك‭ ‬أن‭ ‬أنتصر‭ ‬على‭ ‬أخى‭ ‬نصرًا‭ ‬غير‭ ‬مسبوق‭ ‬فى‭ ‬‮«‬الزُّقيطة‮»‬‭ (‬الاستغمّاية‭). ‬ركضنا‭ ‬بسرعة‭. ‬الأطفال‭ ‬يركضون‭ ‬بسرعة،‭ ‬فأجسادهم‭ ‬خفيفة‭ ‬والانفعال‭ ‬عادةً‭ ‬ما‭ ‬يسيطر‭ ‬على‭ ‬حركاتنا‭. ‬نحن‭ ‬معتادون‭ ‬على‭ ‬الركض‭ ‬بسرعة‭ ‬بين‭ ‬أزقة‭ ‬غزة‭ ‬الضيقة‭. ‬نعرف‭ ‬كل‭ ‬منحنياتها‭ ‬والمناطق‭ ‬العصيّة‭ ‬فيها‭. ‬نحفظ‭ ‬عن‭ ‬ظهر‭ ‬قلب‭ ‬كلّ‭ ‬الأماكن‭ ‬الصغيرة‭ ‬والغائبة‭ ‬عن‭ ‬النظر‭ ‬التى‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نختبئ‭ ‬بها‭ ‬أثناء‭ ‬لعبة‭ ‬‮«‬الغميضة‮»‬‭. ‬نعرف‭ ‬أصحاب‭ ‬كلّ‭ ‬البيوت‭ ‬المهترئة‭ ‬المتراكمة‭ ‬على‭ ‬بعضها،‭ ‬رغم‭ ‬أنها‭ ‬متداخلة‭ ‬وجميعها‭ ‬متشابهة‭: ‬بناؤها‭ ‬لم‭ ‬يكتمل‭ ‬ولونها‭ ‬كالإسمنت‭ ‬الجافّ‭. ‬صدقوني،‭ ‬نحن‭ ‬نعرف‭ ‬بالجماليّات‭ ‬ودرّسونا‭ ‬فى‭ ‬الصفّ‭ ‬عن‭ ‬ليوناردو‭ ‬دى‭ ‬فينشي،‭ ‬لكنّ‭ ‬غزة‭ ‬تفتقر‭ ‬للإسمنت‭ ‬والطلاء،‭ ‬وحتى‭ ‬إن‭ ‬وُجدا‭- ‬فالفقر‭ ‬أقوى‭. ‬أريد‭ ‬أن‭ ‬أعتذر‭ ‬من‭ ‬الطفل‭ ‬الخائف‭ ‬فى‭ ‬سديروت‭ ‬وأشكلون،‭ ‬وأن‭ ‬أقول‭ ‬له‭ ‬إننى‭ ‬لم‭ ‬أقصد‭ ‬أن‭ ‬أسرق‭ ‬منه‭ ‬أضواء‭ ‬العالم‭ ‬التى‭ ‬تحبّ‭ ‬أن‭ ‬تضيئه‭ ‬24‭ ‬ساعة‭ ‬يوميًّا‭. ‬صدّقنى‭ ‬أيّها‭ ‬الطفل‭ ‬الخائف‭ ‬أننى‭ ‬لم‭ ‬أقصد‭ ‬ذلك،‭ ‬فقد‭ ‬كنا‭ ‬نلعب‭ ‬‮«‬الزقيطة‮»‬‭ ‬لا‭ ‬أكثر‭. ‬وكنتُ‭ ‬أتمنى‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬أموت‭ ‬أن‭ ‬أعرف‭ ‬ما‭ ‬يشعره‭ ‬المرء‭ ‬فى‭ ‬ملجأ‭ ‬آمن‭ ‬بالإسمنت‭ ‬المسلّح،‭ ‬أو‭ ‬وهو‭ ‬ينام‭ ‬تحت‭ ‬غطاء‭ ‬‮«‬القبة‭ ‬الحديديّة‮»‬‭. ‬يقولون‭ ‬إنّها‭ ‬تعمل‭ ‬بشكل‭ ‬ساحر،‭ ‬إنّها‭ ‬أخّاذة‭ ‬ومثيرة‭ ‬للخيال‭. ‬صواريخها‭ ‬تسرح‭ ‬وتمرح‭ ‬فى‭ ‬السماء‭ ‬بدقّة‭ ‬مُخيفة‭. ‬ليت‭ ‬لى‭ ‬طائرة‭ ‬ورقيّة‭ ‬أستطيع‭ ‬التحكّم‭ ‬بها‭ ‬فلا‭ ‬يعلق‭ ‬خيطها‭ ‬فى‭ ‬شجرة‭ ‬ولا‭ ‬تتمزق‭ ‬على‭ ‬عمود‭ ‬كهرباء‭. ‬أريد‭ ‬أن‭ ‬أعتذر‭ ‬عن‭ ‬وقاحتنا،‭ ‬نحن‭ ‬الفلسطينيّين،‭ ‬لأنّنا‭ ‬نرفض‭ ‬اتفاقيّات‭ ‬الهدنة‭ ‬المُهينة،‭ ‬ولأننا‭ ‬لا‭ ‬نتعلّم‭ ‬أبدًا‭. ‬يدكّوننا‭ ‬بالمدافع‭ ‬والصواريخ‭ ‬الذكيّة‭ ‬والثقيلة،‭ ‬يقتلون‭ ‬منا‭ ‬15‭ ‬شخصًا‭ ‬وطفلاً‭ ‬كى‭ ‬يغتالوا‭ ‬شخصًا‭ ‬واحدًا‭- ‬ولا‭ ‬نتوب‭. ‬أعرف‭ ‬أننا‭ ‬عنيدون‭ ‬مثل‭ ‬صخرة،‭ ‬وأنّ‭ ‬العقل‭ ‬المتنوّر‭ ‬العقلانيّ‭ ‬الذى‭ ‬يستطيع‭ ‬حساب‭ ‬تكلفة‭ ‬الآيفون‭ ‬الجديد‭ ‬بالأقساط‭ ‬المريحة‭ ‬بـ‭ ‬36‭ ‬شهرًا،‭ ‬فى‭ ‬أقلّ‭ ‬من‭ ‬ثلاث‭ ‬ثوان،‭ ‬لا‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يفهمنا‭ ‬تمام‭ ‬الفهم‭. ‬فنحن‭ ‬عصيّون‭ ‬على‭ ‬الفهم‭. ‬نحن‭ ‬لسنا‭ ‬عقلانيّين‭ ‬بما‭ ‬يكفي‭. ‬اِسمحوا‭ ‬لى‭ ‬أن‭ ‬أعتذر‭ ‬من‭ ‬جميع‭ ‬من‭ ‬أفسدْنا‭ ‬عليه‭ ‬فرحة‭ ‬العملية‭ ‬‮«‬العقلانيّة‮»‬‭ ‬والمحسوبة،‭ ‬وقدرة‭ ‬إسرائيل‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬إنسانيّة‭ ‬وهى‭ ‬تقتلنا‭. ‬لقد‭ ‬أفسدنا‭ ‬عليكم‭ ‬فرحة‭ ‬‮«‬التضامن‭ ‬الدوليّ‮»‬‭ ‬مع‭ ‬ألم‭ ‬إسرائيل،‭ ‬وها‭ ‬نحن‭ ‬ثانية،‭ ‬كما‭ ‬تروْن،‭ ‬نُصرّ‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬نموت‭ ‬فى‭ ‬الوقت‭ ‬غير‭ ‬المناسب‭. ‬حتى‭ ‬عندما‭ ‬نموت‭ ‬نكون‭ ‬غير‭ ‬منطقيّين‭ ‬وغير‭ ‬عمليّين‭. ‬أيوجد‭ ‬عدوّ‭ ‬مثلنا،‭ ‬قاسٍ‭ ‬وغليظ‭ ‬لهذه‭ ‬الدرجة؟‭ ‬