صراع البطالمة على حكم مصر «2»

اشتعال نزاع «الضُرّتين» كليوباترا.. وبطليموس العاشر يقتل أمه

 بطليموس الثامن مع زوجتيه كليوباترا الثانية والثالثة
بطليموس الثامن مع زوجتيه كليوباترا الثانية والثالثة

تزوج بطليموس الثامن كليوباترا الثالثة، وهى ابنة زوجته الأولى كليوباترا الثانية، وأنجبت كل منهما ولدا ليشتد الصراع فى القصر الملكى.

من الطبيعى أن ترغب كل منهما فى أن يكون ابنها وريث العرش. رغم ما يطرحه هذا الموقف من احتمالات لسيناريوهات دموية، إلا أنه أفرز مشهدا عبثيا يقترب من الكوميديا، فالملكة الأم انحازت لابنها فى مواجهة حفيدها، بينما راهنت الزوجة الجديدة على وليدها ضد أخيها، الذى يعد فى الوقت نفسه شقيق ابنها!! متاهة من العلاقات الشائكة، فرضتْها زيجات منافية للمنطق اتسم بها العصر البطلمى.

عموما لم يستطع بطليموس الثامن أن ينتزع من كليوباترا الثانية مكانتها، وزادتْ جرائمه التى ساهمت فى فقدانه الدعم الشعبى وبدأت الثورات عليه، لدرجة أن أنصار كليوباترا الثانية تجرأوا، وصمّموا على حرق الملك الظالم فى قصره. هنا اضطر بطليموس للهروب مع» الثالثة» إلى قبرص، وأخذ يتودد إلى روما ويجمع المرتزقة حوله. فى هذه الأثناء أعلنت كليوباترا الثانية نفسها ملكة منفردة. النهاية ليست حاسمة مثلما يحدث فى أفلام السينما، فالخلاف بين ملكين يخلق أنصارا لكل منهما، والهروب لا يعنى آخر المطاف، فى وجود» مُشجّعي» الطرف الآخر.

رغم إنجازاتها إلا أن كليوباترا الثانية لم تنجح فى استرضاء كافة طبقات الشعب، لأن أهم مؤيديها كانوا من اليونانيين ويهود الإسكندرية، وهكذا تمكّن الملك الهارب من العودة لمصر لكنه فشل فى دخول الإسكندرية، واستقر مع زوجته فى منف. ولأن الشعب المصرى والكهنة لا يُقرون حكم امرأة مُنفردة، فقد تمكّن بطليموس الثامن من العودة للإسكندرية، لكنه أصبح أكثر طيبة وتسامحا، غير أن كليوباترا الثانية لم تعد تأمن له، وفرّت خارج البلاد إلى ابنة أخرى لها تعيش فى سوريا منذ أن تزوّجت ملكها.

بعد فترة اضطرابات قرّر بطليموس أن يعقد صُلحا مع الزوجة الهاربة، وبالفعل عادت كليوباترا إلى الإسكندرية عام 124 قبل الميلاد، وجلست مع زوجها و» ضُرّتها» على عرش مصر وبدأ الجميع اتباع سياسة أكثر حكمة، تعتمد على الإصلاح وتخفيف الأعباء عن المظلومين والاهتمام بمصالح الشعب، حسبما يؤكد الدكتور ممدوح الدماطى فى كتابه» ملكات مصر».

بعدها بسنوات قليلة مات الملك وقد ترك وراءه أزمة حقيقية، لأنه لم يحسم اسم خليفته فى الحكم، وهكذا بدأ صراع مُتوقّع بين الملكتين، كل واحدة منهما تحاول تنصيب ابنها. فى النهاية نجحت كليوباترا الثانية فى تولية ابنها بطليموس التاسع، ليستمر نظام الحُكم الثلاثى الغريب على مصر، والذى يجمع بطليموس الجديد مع الملكتين كليوباترا! ثم استأثرت «الثانية» بالحكم مع ابنها واستبعدت ابنتها وضرتها، لكنها توفيت لتعود كليوباترا الثالثة وتتسلط على أخيها بطليموس التاسع بعد مشاركته فى الحكم، ولم تكتف بذلك بل حاولت بكل الطرق أن تنقل المنصب لابنها بطليموس العاشر.

وضاق الملك بممارساتها واستشعر الخطر، فهرب فى النهاية إلى قبرص، وأرسلت الملكة المنتصرة تستدعى ابنها من خارج البلاد، غير أن ولعها بالسيطرة جعلتها تفرض هيمنتها على ابنها نفسه، واستمرتْ فى محاولة لعب الدور الأساسى فى إدارة أمور البلاد، وسلبتْ منه وظيفة كاهن الإسكندر الأكبر التى كان توليها قاصرا على الملك، بل وقادت بنفسها حربا ضد سوريا فى 103 ق.م.! وفى النهاية شعر ابنها بطليموس العاشر بأنه تحمّلها أكثر مما ينبغى، فقتلها لينفرد بالحُكم!