الـ"سوشيال ميديا" تهدد عرش كبريات الصحف العالمية

الـ"سوشيال ميديا" تهدد عرش كبريات الصحف العالمية
الـ"سوشيال ميديا" تهدد عرش كبريات الصحف العالمية

بقلم: محمود أبو حبيب 

المصداقية الصحفية هي أهم ركائز العمل الصحفي لتصبح الصحيفة مرجعًا لأي خبر يراد التأكد منه، والأمر بالنسبة للصحف الأكبر في العالم أكثر من ذلك بكثير، تستطيع أن تقول إنه سيطرة ونفوذ وأرقام في عالم المعلومات.

الـ "نيويورك تايمز" الأمريكية و"هآرتس" العبرية، لم تجدا أمامهما من سبيل في التحلي بالمصداقية إلا أن تنقل الحقيقة كما هي على وسائل التواصل، فأثارتا غضب الكيان الصهيوني بعدما نشرتا صور لـ 67  طفلا فلسطينيا قتلوا في القصف الأخير على غزة، في خطوة نادرة وسابقة عجيبة لهذه الكيانات الصحفية الكبرى، فجاءت صورة الأطفال في صدر الـ "نيويورك تايمز" عدد 28 مايو الجاري بعنوان: "كانوا مجرد أطفال" مع الحديث عن  أحلامهم وطموحاتهم، فمنهم من كان يحلم أن يكون طبيبًا أو مهندسًا أو فنانًا، وكأنها تتساءل ما سبب قتلهم؟ فهل من مجيب! 

ونشرت نظيرتها العبرية "هآرتس" صور الأطفال على صدر صفحتها تحت عنوان "67 طفلاً قُتلوا في غزة.. هذا هو ثمن الحرب" ما جعل بعض الإسرائيليين يصفون الجريدة بأنها جريدة "حماس" نتيجة كشفها عن بشاعة الجرائم التي يمارسها جيش الاحتلال ضد الفلسطينيين. 

الـــ "سو شيال ميديا" أجبرت الصحف الكبرى على التحول في التناول للقضية الفلسطينية، ولو بمقدار يسير، واستخدام مفردات لم تكن تستخدم من قبل مثل " قوات الاحتلال بديلًا لدولة إسرائيل"، وهذه هي المرة الثانية لصحيفة الـ "نيويورك تايمز" هذا الأسبوع التي تنشر شيئًا تحمي به ماء وجهها أمام العالم، حتى لا تظهر أنها تغض الطرف عن جرائم إنسانية بشعة، فقد نشرت في عدد الأحد 23 مايو الجاري مقالا تحت عنوان "البؤس في قلب حياة الفلسطينيين تحت الاحتلال" تحكي فيه ما يتعرض له الفلسطينيون يوميًا من أمور مهينة وقيود تكاد تكون مستحيلة تفرضها عليهم قوات الاحتلال، مستدله بصورة لمواطن فلسطيني وسط ركام منزله، وهو ما يعكس أن الـ "سو شيال ميديا" باتت لاعبا رئيسيا ومحركا أساسيا للرأي العام العالمي والذي تبنى عليه المواقف، وتطور الأمر من كونها غرفا "للشات" مع عائلاتنا، أصدقائنا، زملائنا؛ إلى منصات تنطلق منها أصوات وآراء قادرة على فرض وجهة نظر لا يستطيع أن يوقفها أحد، وكأن الواقع الافتراضي أرغم الجميع أن يستسلم للأمر الذي يفرضه. 

وعلى ذلك، يجب أن تفطن مجتمعاتنا لأهمية هذه الوسيلة في طرح قضاياها والتناول المناسب مما يساعدها في الضغط في اتجاه القرارات التي تريدها، وأصبح من الضروري أن ندرك أن الوسيلة الاقتصادية الأهم للدول الكبرى والتي لا غنى عنها الآن الـ "سو شيال ميديا"، هي أداة هامة في الضغط لصالح قضايانا والتي عجزت المفاوضات لعشرات السنين أن تحقق جدوى فيها. 

لكن السؤال هل سينقلب السحر على الساحر؟، وتدع بعض القوى هذا السلاح الذي صنعته والمتحكمة به يستخدم ضدها؟، دون محاولة السيطرة عليه وتقنين استخدامه من خلال سياسات إدارته أو التحكم في المحتوى الذي يبث من خلاله، الإجابة على هذا السؤال وإن كانت متوقعة، لكن سنترك الإجابة عليه للأيام القادمة، وعلينا أن ندرك أنه من الضرورة أن نستخدم هذا السلاح بحنكة ووعي حتى لا نفقد تأثيره لصالح قضايانا المعلقة والتي حاول البعض أن يُعمي العالم عنها.