أستاذ اللغات القديمة: بهجت قبيسي

أستاذ اللغات القديمة :د. بهجت قبيسى
أستاذ اللغات القديمة :د. بهجت قبيسى

حوار‭ : ‬شهاب‭ ‬طارق

وُلد القبيسى فى دمشق عام ١٩٤٠، ونشأ فى أسرة متوسطة: انحن عشرة إخوة وحين حصلت على الشهادة الثانوية كنت أود أن أذهب إلى ألمانيا لأدرس الهندسة هناك كما كان أخى، لكن الأمور لم تأتِ كما تمنيت، ففى تلك الفترة فقد والدى بصره، وأردت أن أرفع شيئًا عن عائلتى، وقررت أن أعزف عما كنت أحلم به، لمساعدة الأسرة، فانتسبت إلى الكلية الحربية بالقاهرة أثناء الوحدة بين مصر وسوريا عام ١٩٥٩ب.

لم ينس القبيسى السؤال الذى وجهه إليه الضابط المسئول عن الفحص النفسى أثناء تقدمه للكلية الحربية قائلًا الماذا تقدمت للانتساب للكلية الحربية؟ب فأجابه: هى أقرب وسيلة لجلب المال بالنسبة لى، فنظر إليه متأملاً وقال الهذا السبب فقط تقدمت؟ب حينها ردّ عليه: أنا لست أقل وطنية ممن سبقونى، ولا أكثر وطنية من سيأتون بعدى ولكنى أقول الحقيقة، فمنحه الضابط العلامة الكاملة وتم قبوله بالحربية، لكن سرعان ما حدث الانفصال بين مصر وسوريا وكان بهجت حينها فى القاهرة.

يتذكر القبيسى كيف أنه أحب عبد الناصر هو وعائلته، فحين بدأت الوحدة بين مصر وسوريا، كانت جدته تقول: االلّه أرسل لنا عبد الباسط ليبسط الناس، وأرسل لنا عبد الناصر لينصر النّاسب وقد عشق عبد الناصر لدرجة أنه رسمه ووُضعت تلك الرسمة بالكلية الحربية، لكن حين حدث تأميم الشركات المساهمة فى مصر وسوريا عام ١٩٦٠ تحت مسمى الاشتراكية، تسبب ذلك فى نواة الانفصال فيما بعد، وجرى اقتياده للسجن الحربى فى القاهرة، وبعد ثلاثة شهور تبادلت مصر وسوريا الأسرى وعاد إلى دمشق، لكنه سُرح من الجيش السورى فى عام ١٩٦٣، لأسباب سياسية، فنُقل للعمل كملحق تجارى أول فى وزارة الاقتصاد ابرتبته العسكريةب، وبعد ذلك استغل معرفته بعلم الطبوغرافيا الذى درسه فى الكلية الحربية، وعمل كمسّاح. 

 

 

عمل بهجت القبيسى كذلك فى آليات استخراج الرخام وأصبح وكيلًا لإحدى الشركات الفرنسية، إلا أن ما كان يشغل باله دائمًا هو شئ آخر.. ففى طفولته كان مولعًا بأسماء المدن والقرى والجبال العربية، التى كانت تشده كثيرًا، يقول: اكنت أشعر أن بها جرسٌاً عربيا عند ذكرها، على سبيل المثال ادمنهور- دمياط - دسوق - دمشق - حرستا - دوما - قرحتا - راشيا - بيروتب، لم أكن أعلم معانى هذا الجرس، فقررت أن أبدأ فى دراسة اأصل اللغات القديمةب. حصل القبيسى على الليسانس ثم دبلوم فى التاريخ القديم، ثم ماجستير التاريخ القديم، وكانت بعد ذلك أطروحة الدكتوراه حول اتاريخ اللغة القديمةب، وتعلم بعدها الهيروغليفية بجامعة القاهرة، وتخصص فى اللغات القديمة االكنعانية والآراميةب، إلا أن ما كان يلفت نظره دائمًا هو القضايا الكبرى الموجودة داخل الوطن العربى، يقول: اوجدت أن كل بلد له مشاكله، مثلاً فى سوريا كانت لدينا عدة أزمات منها مشكلة السريان والأكراد، وكذلك هناك أهل معلولا الذين يتكلمون لغة يقولون إنها لغة السيد المسيح، وفى مصر وجدت المشكلة النوبية، ولدينا المشكلة الأمازيغية فى المغرب والجزائر وليبيا، إلى جانب المشكلة الفلسطينية التى تتلخص فى ادعاء اليهود ملكية دولة فلسطين. جميع تلك المشاكل حمستنى للدخول فى صلب هذه العملية وليس من ظاهرها، وأول شىء دخلت لدراسته كانت المشكلة الفلسطينيةب.

لغة االسيمب

كانت مشكلة القدس هى همّه الأول والأخير وهمّ جيله كله على وجه الخصوص؛ لذلك بدأ دراسة كافة النقوش التى تدعى إسرائيل أن لها علاقة بها، أعاد قراءتها لسنوات، وأصّل للمسألة فى كتابه االقدس فى الآثار والكتابات المصرية والكنعانية والآرامية وتفنيد المزاعم الصهيونيةب، الذى جمع بداخله النقوش التى تدعيها إسرائيل، وهو كتاب رغم أن عدد صفحاته ٧٢ فقط، إلا أنه استغرق فى تحقيقه ١٦ عامًا، يقول: احين يتحدثون عن مصر يقولون إنهم كيهود ذكروا فى موضعين بالنصوص المصرية، إحداهما يخص نصوص اللعن المصرية وتحديدًا فى القرن التاسع عشر ق.م، فيدعون أن النقش ذُكر فيه اسم اأورشليمب، لذلك رجعت إلى النص الأصلى ووجدته اأوشامب؛ أى االشامب، فتساءلت إن كانت هذه الكلمة هى أورشليم فأين الراء وأين اللام؟ب.

أما الموضع الآخر فهو ما يخص نقش مرنبتاح الموجود داخل المتحف المصرى بالتحرير، والذى يدعى اليهود أن اسم إسرائيل ذُكر بداخله، يقول: اقرأت النقش ووجدته كالآتى اقد سيطر مرنبتاح على التسعة أقواس التاليةب، وكلمة قوس تعنى ابلد أو شعبب، وبدأت بعدّ ما بين الأقواس ووجدتهم تسعة لكن إسرائيل تدعى أنهم ثمانية وليسوا تسعة، أى أن هناك شكاً فى القراءة، والمتصهينين المتخصصين بدأوا يروجون لتلك القراءة، وحينها رجعت للدكتور عبد الحليم نور الدين، وقلت له: إننى لم أجد فى النقش اسم إسرائيل، وإنما وجدت مدينتين هما ايازير ويارونب وبهذا يصيرون تسعة، فقال لى: اإن التاسوع مقدس بالكتابات المصرية، فإذا ذكر بالنقش لفظ تسعة فيجب أن يكونوا تسعة أو أكثر، لكن لا يمكن أن ينقص عن هذا الرقم، والتسعة أسماء إما لشعوب أو لأراضٍ أو بلدان أو مدنب حينها أخذت الاسم الذى يدعونه بالنقش ولم أجد اسم إسرائيل، وهنا يجب أن ننتبه لأن الكتابة المصرية القديمة كانت تعتمد على ما يسمى بأسلوب التعمية (لغة السيم)، مثلًا االعموريون يقولون عنهم عموب واالحطيين يقولون حطب وايارون تكتب يارب وهنا عرضت هذه القراءة على الدكتور على رضوان رحمة اللّه فوافق عليها، وعرضتها على الدكتورة فايزة هيكل أستاذة المصريات بالجامعة الأمريكية التى قالت: ما دامت الفاء موجودة فهذان الاسمان هم اسم واحد غير منفصلين لأن الفاء هى ضمير متصل للمفرد مثلًا كلمة اكتابهُب فى الهيروغليفية تكتب اكتابفُب فالفاء هنا هى للمفرد وهاتان الكلمتان هما مفرد لكلمة واحدة، ومن هنا أعدنا قراءة النقش فوجدنا أن فاء المفرد المكتوبة هى لكلمة لاحقة بمعنى افتكب ومكتوبة افكتب اعتمادًا على أسلوب التعمية الذى أشرت إليه، لذلك لم نجد شيئاً مما تدعيه إسرائيل فى هذا النص، فهم للأسف غيبونا عن تاريخنا، وما زاد الطين بلّة أننا أخذنا مدرسة االكَسرب عند لفظ الكتابات الهيروغليفية والتى فرضها علينا المستشرقون، فمرنبتاح كانت يجب أن تقرأ امُرٌ بطاحب وميريت تقرأ امَرَةب. لهذا اطلعت على جميع النصوص التى يستند عليها اليهود فى كتاباتهم ولم أجد شيئًا مما يدعونهب.

القدس فى الكتابات القديمة

يستشهد القبيسى بنص للمؤرخ يوسيفوس اليهودى، الذى عاش فى القرن الأول الميلادى، وقال فيه: اكنا نرى أورشليم من القدسب فأورشليم ليست هى القدس، لكنهم يزعمون أن أورشليم موجودة من القرن الـ١٩ ق.م، ويستكمل: احين بحثنا عن الأمر لم نجد أى وجود لها قبل القرن السابع ق.م، فوفقًا لرواية يوسيفوس، أورشليم كانت قريبة من القدس لكن لم تكن هى القدس أبدًا، وكلمة اأورب تعنى المدينة أو القرية وهى مأخوذة من الآوار، والضوء هى كلمة عراقية اعموريةب لا كلمة كنعانية، لكن تلك الكلمة لم تكن مستعملة، وما يؤكد ذلك أن هناك امبراطورًا عربيًا حكم روما يدعى إليوس هادريانوس، دخل أورشليم ويقولون إنه ادمر أورشليم وجعلها كالصحراءب وهنا يجب أن ننتبه لأن القدس تقع فى قمة الجبل ولا يمكن للجبل أن يصبح كالصحراء، أى أن القدس كانت تقع فوق الجبل، وهو لم يدمرها بل دمر السهول الموجودة حولها والتى هى اأورشليمب وجعلها كالصحراء، وهذا الرأى متسق مع ما ذكره يوسفيوس اليهودى، لذلك نحن نؤكد أنه لا وجود للقدس قبل القرن السابع ق.م، حسب ما جاءت به مارجريت شنايدر، فجميع الآثار الموجودة فى القدس هى آثار اكنعانية رومانية إسلاميةب وليس لليهود شأن بها، لاسيما أن الإمبراطور إيليوس أعطى اسمه للقدس وأصبحت تسمى بـاإيلياب فكيف يعطى اسمه لمدينة مدمرة جعلها كالصحراء إذا كانت القدس هى أورشليم؟ب.

الحرف الآرامى المربع

اللغة العبرية هى لغة حديثة تاريخها تعود لعام ٩٠٠ ميلاديًا، والخط العبرى هو خط جديد يعود للقرن التاسع الميلادىب. هكذا يقول بهجت القبيسى، ويستكمل: اعندما اغتنى اليهود فى القرن الثالث الهجرى، أى ما بين ٨٠٠ إلى ٩٠٠ ميلاديًا، أرادوا أن يجعلوا من الدين قومية، وبالتالى احتاجت القومية إلى لغة خاصة بهم، فاخترعوا الخط العبرى وأسموه بـاالحرف الآرامى المربعب الذى لم نجد لهُ أثرًا باقيًا قبل هذا التاريخ، ونتحدى أن يعطونا هذا الحرف قبل القرن الثالث الهجرى، وبعدها غيروا فى التوراة، وغيروا ستة أحرف مجموعة بكلمة ابجذكفثب فأصبحت افجدخبتب، أى كى أوضح الأمر مثلًا كلمة اهلكب وهى بمعنى ذهب صارت عندهم اهلخب وفى القرن التاسع أضافوا الأحرف الصوتية فصارت اهوليخب، وفى نفس الوقت أخذوا نسخة من التوراة التى حرفونها إلى طبرية بشمال فلسطين، وقالوا عثرنا على التوراة! وبعد سنة صدر فى مدينة فاس بالمغرب االقاموس العبرىب وقد سرقوا كافة الكلمات ووضعوها فيه، وكان وراء ذلك القاموس شخص يهودى يدعى ايهودا بن قريشب الذى ادعى بأنه غير عربى وإنما يهودى، لكن لو ركزت فى اسمه الأخير ستجد أن قريش هى قبيلة عربية، أى أنهم عرب، وللأسف صرنا نحن العرب نعيد ما يزعمونه من كلام دون تدقيق أو تحقيق، والدليل على ذلك أننا عندنا نقوش الجنيزا فى القاهرة التى تعود للقرن العاشر الميلادى، فاليهود كانوا يكتبون بالعربية والدليل على ذلك هو أن نصف وثائق الجنيزا باللغة العربية الفصحى، وفى تلك الفترة كانوا يتدربون على كتابة الكلمات العربية بالخط الجديد الذى ابتدعوه، ثم استعملوا تلك الكلمات وأخذوها للعبرية، وبعد ذلك حين جاء إلى مصر المستشرق الإنجليزى إدوارد لين عام ١٨٣٠ لبس العمة والجلابية المصرية، ودخل الأزهر وفى غضون عشر سنوات تعلم العربية وحقق قاموس السان العربب، وبعد ذلك سرقوا تلك الكلمات وأضافوها إلى العبرية، والوثائق التى تؤكد ذلك موجودة فى قاموس:

‏A Hebrew and English Lexicon of the Old Testament

لغة أهل امعلولاب

يرى القبيسى أن الغرب فتت العرب وقسمهم لقوميات عن قصد لأنهم أرادوا تمزيقهم من هويتهم الواحدة التى ميزتهم خلال فترات طويلة من تاريخهم، ففى سوريا ظهرت عندهم العديد من المشاكل منها؛ مشكلة الأكراد، ومشكلة أهل معلولا، وكذلك السريان، وقد تناول القبيسى فى كتابه االأكراد والنبى.. دراسة فى تاريخ الأكراد وجغرافيتهمب مشكلة الأكراد، ويقول عنها: احينما يتحدث الأكراد فى الوقت الحالى يقولون إننا قومية يعود تاريخنا لـ٧٠٠٠ آلاف عام ق.م ونحن هنا بالمنطقة، لكن يجب أن ننتبه أن الأكراد هم سبعة أصناف، وكلمة اكردب هى كلمة عربية، ومن الأكراد الأوائل: العرب، فيقول الشاعر:

لعمرك ما كرد من أبناء فارسٍ

 ولكنهُ كردُ بن عمر بن عامر

أما عمرو فهو عمرو بن عامر بن مزياق بن ماء السماء وهم من الأكراد العرب الغساسنة، ومنهم شاعرنا أحمد شوقى، وهؤلاء هم عرب كُردوا أى طردوا فذهبوا إلى داخل الحدود المسيطر عليها من قبل الرومان وسكنوا جبلاً سمىّ جبل الأكراد، وهو جبل يخص الأكراد العرب وعندما تذهب لهذا الجبل اليوم تجد عشرين قرية لا تجد بداخلها إنسانًا يتحدث الكردية، وعندما تفتح معجم قبائل العرب القديمة والحديثة، للمؤرخ عمر كحالة تجد ما يلىّ: أن هناك أربع قبائل عربية تحمل نفس الاسم وهم قبائل: االكردى، والبو كردى، والكردى بو، والكرادشةب إذًا فالأكراد الأوائل هم من العرب، وبعد ذلك صار أى إنسان يكرد من داره غصبًا يسمى بالكردى، وقد أخذوا هذا الاسم منا وقالوا نحن أكراد، وإذا كان لدينا أكراد عرب، فهناك كذلك أكراد من فارس وهم الذين أتوا من الهضبة الإيرانية بعد الحرب الصفوية العثمانية التى نشأت لأسباب مذهبية (١٥٠٨ ذ ١٦٢٣)، فهؤلاء كردوا من الهضبة الإيرانية ودخلوا مدينة أربيل العربية، وأتى السلطان سليمان القانونى وأنشأ لهم مخيم سمىّ بالسليمانية، ثم أتت فرامانات سلطانية نقلوا على إثرها إلى مدينة عفرين العربية الآرامية، ووصلوا حتى ليبيا بهذه الفرامانات، كما أن هناك أكراداً أتراكاً، وكذلك أكراد من الروس، وأكراد من السودان أيضًا، وهذا الموضوع كان كشفه هامًا كى نتعرف على أصلهم ونشأتهم. وبشأن لغتهم فهم عندما أتوا من الهضبة الإيرانية وصولاً إلى العراق ثم إلى سوريا، كانت تلك هى الهجرة الثانية لهم، ولغتهم تلك أقرب إلى الأفغانية، أى ما نطلق عليه اسم االلهجات الإيرانيةب، وفى عام ١٨١٨ أتى الشيخ خالد النقشبندى وسأل جماعته فأشاروا عليه بالذهاب إلى دمشق، وهناك استقبله مشايخ الغزاوية فى الجامع الأموى وزوجوه من أختهم، وسكن بحى القنوات بدمشق، وجماعته سكنوا شمال نهر يزيد، وفى سنة ١٨٩٥ أطلق عليه حى الأكراد، والذى هو جزء من حى الصالحية، وهى ليست المشكلة الوحيدة كما أشرت التى تحاوط سوريا كدولة، فنحن عندنا مثلًا لغة أهل معلولا (مدينة بسوريا تبعد عن شمال دمشق بخمسين كيلومترا)، ولهؤلاء لغة خاصة بهم وهم يقولون إنها لغة السيد المسيح، لكننا لدينا جملة واحدة للسيد المسيح وهو ذاهب إلى الصلب عندما دعى ربه وقال: اإيلى إيلى لما شبقتنىب وهنا نجد إبدال الشين بالسين واردة فى اللغات بمعنى أن اشبقتنىب هنا تعود لكلمة اسبقتنىب أى أن السيد المسيح بلغتنا قال: اإلهى إلهى لما سبقتنىب بمعنى تركتنى، وتلك الجملة لو أردنا قبولها فى لغة معلولا مرادفها االلواللو عيا طشرتشنب فأين السيد المسيح من هذه اللغة التى تدعى أنها لغة السيد المسيح؟، وتلك المشاكل لا تخص سوريا وحدها، لكن كما ذكرت فكل دولة وكل حيز جغرافى له مشاكله التى فرضها علينا الاستعمار، ففى شمال إفريقيا على سبيل المثال نجد الكثير من المشكلات التى تخص الأمازيغ والتى سأوضحها.

 أباطرة عرب حكموا روما

فى عام ٢٠١٢ دُعى القبيسى لجامعة محمد الخامس بمراكش بالمغرب لإلقاء عدة محاضرات، وسألوه امن نحن؟ب فقال: اإن الرسول صلى الله عليه وسلم قد زاره وفد من البربر (الأمازيغ) وقد كلمهم فى لهجتهم، فهناك العرب العاربة، والعرب المستعربة، والعرب الباقية، وهم من العرب العاربة؛ أى القدماء، وهناك نقش هام جدًا من نقوش الأرض مزدوج الكتابة، وقد كتب بالكنعانية وبالكتابة الأمازيغية التى يطلق عليها اسم االتيفناغب، وحين قرأت النقش وجدت أن اللغة قريبة جدًا بين الكنعانية والأمازيغيةب.

يضيف القبيسى: االدليل على ذلك أنه قبل أن ينتشر الإسلام، فى الخمسمائة ميلاديًا تقريبًا، كان عندنا الأب أوغسطين فى الجزائر وكان يتكلم الكنعانية، والفعل فى الكنعانية والآرامية يصرف كما تصرف العربية الفصحى، واللغة الكنعانية لم تمتد فقط نحو الجزائر وبلاد المغرب، بل امتدت إلى الإمبراطورية الرومانيةب.

أصّل بهجت القبيسى لتلك المسألة فى كتابه االكنعانيون والآراميون العرب فى الإمبراطورية الرومانية والأباطرة العرب الذين حكموا روماب، وعنها يقول: اهناك تسعة أباطرة حكموا روما كانت أصولهم عربية؛ منهم تراجان وهادريان، واللذان كانت أماهما كنعانيتين، وقد حكم تراجان من عام ٩٧ ميلاديًا إلى ١١٨ ميلاديًا، وعندما أتى إلى بلاد الشام استقبله الناس فرحين، ويقول المؤرخ الروسى روستفت زف: اإلى الآن لا نعرف لماذا هذه الفرحة العارمة التى أتت بها بلاد الشام لاستقبال تراجانب، أما هادريان فعندما دخل االفارماب فرح الناس كما فرحوا بتراجان، ودخل أورشليم وقتل اليهود، ودمر أورشليم، ومن حب الناس له سموا القدس على اسمه، باسم اإليوس هادريانوسب، لذلك عندما دخل عمر بن الخطاب القدس وجدها تسمى بـاإلياب وقد سميت بهذا الاسم محبةً فى إليوس هادريانوس، وهناك الإمبراطور الرومانى سيبتيموس سيفيروس أرابيكوس أى (سبطيم سفير العربى)، فهو كنعانى، من لبدة والتى تقع شمال غرب ليبيا، وهى من أجمل المدن الرومانية بالعالم وليس لها مثيل لا فى مصر ولا فى أوروبا كمدينة، وقد ضمت مبانى من ثلاثة طوابق، أما زوجته فكانت اجوليا دومناب وهى من حمص، والتى أنجبت اكرك اللاب ومعنى اسمه هو اقدرة اللهب، وهم كانوا يتحدثون داخل بيتهم فى روما بالكنعانية وزوجته تحاكيه بالآرامية، أى كى أوضح الأمر؛ تخيل لو أن شخصاً من حلب تزوج امرأة من الإسكندرية فما يحتاجانه للتعرف على لهجة بعضهم البعض هو أسبوع فقط، وهذا ما كان يحدث داخل بيتهم، فالزوجة تتحدث الآرامية والزوج الكنعانية، وبعدهم أتى الإمبراطور امرقس أورئيلب والذى كان متصوفًا وله كتاب شهير باسم االتأملاتب وقد سميت مدرسته باسم المدرسة الرواقية، وبعد ذلك حكم روما اسيفيروس ألكسندرب ووالدته كانت جوليا مامايا وهى من سوريا، إلى أن أتى فيليب العربى والذى حكم حتى عام ٢٤٩م. لذلك أقولها: اإن كافة الآثار الحجرية الرومانية التى ندعيها اليوم، من الناحية العلمية يجب أن تسمى بآثار الأباطرة العرب الذين حكموا روما، وهم تسعة أباطرة عرب كما ذكرت اكنعانيون وآراميون وأنباطب.

القبيسى‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬لوحة‭ ‬رسمها‭ ‬للرئيس‭ ‬الأسبق‭ ‬جمال‭ ‬عبد‭ ‬الناصر

 

نقوش الأرض

 يرى القبيسى أن الاستعمار قد فعل بنا ذلك لتفكيكنا، يقول: المسافة بين دمشق والقاهرة هى ٦٢٥ كيلو مترا والمسافة بين القاهرة وأسوان هى ٧٢٥ كيلو مترا، لكن للأسف هم قد شتتونا بحدود سايكس بيكو، وهناك من يتمسكون بتلك النعرات القومية فيقولون أنت مصرى وأنا سورى، وما أعرفه أننا أمة واحدة، ولو فتحت دليل الهاتف فى سوريا ستجد اسم االمصرىب موجود لأكثر من عشر صفحات، وكذلك لفظ فلان االفيومى، والصعيدى، والطنطاوى، والإسكندرانىب والمشكلة من وجهة نظرى نفسية وثقافية، وإذا أردت أن تعرف من أين جاءت لغتنا العربية، فعليك أن تتتبع نقوش الأرض من جبال زاغروس فى شرق العراق وحتى موريتانيا، وأسماء المدن والقرى هى التى تتكلم، وما من اسم إلا وله تفسير؛ إما مدلول طبيعى، أو مدلول دينى، أو مدلول عسكرى، فدمشق على سبيل المثال: تعنى امشقب أى أنتج ونمى وخصب وهى الأرض الممشوقة، وعندنا ادمياطب؛ أى أماط اللثام وأبعده وهى بالفعل أبعد مدينة موجودة بالوجه البحرى، لذلك فاللغة الأقدم هى التى تحوى القاسم الأكبر من الكلمات، ضع العدنانية والآرامية والعبرية والسريانية وستجد أن اللغة الأقدم هى اللهجة العربية العدنانية الفصحى.

تدريس الهيروغليفية

خلال الفترة الماضية وعقب موكب المومياوات الملكية، بدأ البعض يطالب وزارة التربية والتعليم بتدريس الهيروغليفية فى المناهج الدراسية، الأمر الذى أدى إلى ظهور قضية االهويةب مجددا، يقول القبيسى إنه ليس لديه اعتراض على تدريس الهيروغليفية فى المدارس، لكنه يتساءل هل كانت تلك اللغة هى لغة الشارع المستعملة؟، وهل كانت الأغانى تقدم بالهيروغليفية فى مصر القديمة؟ يجيب: الهيروغليفة هى لغة اسيمب؛ أى لغة تورية وهى عبارة عن شفرة، يفهمها فئة معينة من الناس دون غيرهم، وكذلك الهيراطيقية، والديموطيقية، والقبطية فهى لغات تورية وليست بلغة شارع، الأمر نفسه حدث فى العراق فالسومرية كانت لغة سيم أيضًا، لكن لغة الشارع كانت خلاف ذلك، فالأغانى كانت تقدم باللهجة المصرية المحلية، لهذا فالأمر ربُط فى ذاكرة الكثيرين بأن الهيروغليفية كانت لغة الشارع فى مصر وهذا الأمر غير صحيح، وإذا كانت الهيروغليفية لهجة شارع فلماذا بقيت اللهجة النوبية ولم تبق اللهجة الهيروغليفية؟ فأنا مع تدريسها فى المدارس الابتدائية كى نتمكن من قراءة وُلد القبيسى فى دمشق عام ١٩٤٠، ونشأ فى أسرة متوسطة: انحن عشرة إخوة وحين حصلت على الشهادة الثانوية كنت أود أن أذهب إلى ألمانيا لأدرس الهندسة هناك كما كان أخى، لكن الأمور لم تأتِ كما تمنيت، ففى تلك الفترة فقد والدى بصره، وأردت أن أرفع شيئًا عن عائلتى، وقررت أن أعزف عما كنت أحلم به، لمساعدة الأسرة، فانتسبت إلى الكلية الحربية بالقاهرة أثناء الوحدة بين مصر وسوريا عام ١٩٥٩ب.

لم ينس القبيسى السؤال الذى وجهه إليه الضابط المسئول عن الفحص النفسى أثناء تقدمه للكلية الحربية قائلًا الماذا تقدمت للانتساب للكلية الحربية؟ب فأجابه: هى أقرب وسيلة لجلب المال بالنسبة لى، فنظر إليه متأملاً وقال الهذا السبب فقط تقدمت؟ب حينها ردّ عليه: أنا لست أقل وطنية ممن سبقونى، ولا أكثر وطنية من سيأتون بعدى ولكنى أقول الحقيقة، فمنحه الضابط العلامة الكاملة وتم قبوله بالحربية، لكن سرعان ما حدث الانفصال بين مصر وسوريا وكان بهجت حينها فى القاهرة.

يتذكر القبيسى كيف أنه أحب عبد الناصر هو وعائلته، فحين بدأت الوحدة بين مصر وسوريا، كانت جدته تقول: االلّه أرسل لنا عبد الباسط ليبسط الناس، وأرسل لنا عبد الناصر لينصر النّاسب وقد عشق عبد الناصر لدرجة أنه رسمه ووُضعت تلك الرسمة بالكلية الحربية، لكن حين حدث تأميم الشركات المساهمة فى مصر وسوريا عام ١٩٦٠ تحت مسمى الاشتراكية، تسبب ذلك فى نواة الانفصال فيما بعد، وجرى اقتياده للسجن الحربى فى القاهرة، وبعد ثلاثة شهور تبادلت مصر وسوريا الأسرى وعاد إلى دمشق، لكنه سُرح من الجيش السورى فى عام ١٩٦٣، لأسباب سياسية، فنُقل للعمل كملحق تجارى أول فى وزارة الاقتصاد ابرتبته العسكريةب، وبعد ذلك استغل معرفته بعلم الطبوغرافيا الذى درسه فى الكلية الحربية، وعمل كمسّاح. 

عمل بهجت القبيسى كذلك فى آليات استخراج الرخام وأصبح وكيلًا لإحدى الشركات الفرنسية، إلا أن ما كان يشغل باله دائمًا هو شئ آخر.. ففى طفولته كان مولعًا بأسماء المدن والقرى والجبال العربية، التى كانت تشده كثيرًا، يقول: اكنت أشعر أن بها جرسٌاً عربيا عند ذكرها، على سبيل المثال ادمنهور- دمياط - دسوق - دمشق - حرستا - دوما - قرحتا - راشيا - بيروتب، لم أكن أعلم معانى هذا الجرس، فقررت أن أبدأ فى دراسة اأصل اللغات القديمةب. حصل القبيسى على الليسانس ثم دبلوم فى التاريخ القديم، ثم ماجستير التاريخ القديم، وكانت بعد ذلك أطروحة الدكتوراه حول اتاريخ اللغة القديمةب، وتعلم بعدها الهيروغليفية بجامعة القاهرة، وتخصص فى اللغات القديمة االكنعانية والآراميةب، إلا أن ما كان يلفت نظره دائمًا هو القضايا الكبرى الموجودة داخل الوطن العربى، يقول: اوجدت أن كل بلد له مشاكله، مثلاً فى سوريا كانت لدينا عدة أزمات منها مشكلة السريان والأكراد، وكذلك هناك أهل معلولا الذين يتكلمون لغة يقولون إنها لغة السيد المسيح، وفى مصر وجدت المشكلة النوبية، ولدينا المشكلة الأمازيغية فى المغرب والجزائر وليبيا، إلى جانب المشكلة الفلسطينية التى تتلخص فى ادعاء اليهود ملكية دولة فلسطين. جميع تلك المشاكل حمستنى للدخول فى صلب هذه العملية وليس من ظاهرها، وأول شىء دخلت لدراسته كانت المشكلة الفلسطينيةب.

لغة االسيمب

كانت مشكلة القدس هى همّه الأول والأخير وهمّ جيله كله على وجه الخصوص؛ لذلك بدأ دراسة كافة النقوش التى تدعى إسرائيل أن لها علاقة بها، أعاد قراءتها لسنوات، وأصّل للمسألة فى كتابه االقدس فى الآثار والكتابات المصرية والكنعانية والآرامية وتفنيد المزاعم الصهيونيةب، الذى جمع بداخله النقوش التى تدعيها إسرائيل، وهو كتاب رغم أن عدد صفحاته ٧٢ فقط، إلا أنه استغرق فى تحقيقه ١٦ عامًا، يقول: احين يتحدثون عن مصر يقولون إنهم كيهود ذكروا فى موضعين بالنصوص المصرية، إحداهما يخص نصوص اللعن المصرية وتحديدًا فى القرن التاسع عشر ق.م، فيدعون أن النقش ذُكر فيه اسم اأورشليمب، لذلك رجعت إلى النص الأصلى ووجدته اأوشامب؛ أى االشامب، فتساءلت إن كانت هذه الكلمة هى أورشليم فأين الراء وأين اللام؟ب.

أما الموضع الآخر فهو ما يخص نقش مرنبتاح الموجود داخل المتحف المصرى بالتحرير، والذى يدعى اليهود أن اسم إسرائيل ذُكر بداخله، يقول: اقرأت النقش ووجدته كالآتى اقد سيطر مرنبتاح على التسعة أقواس التاليةب، وكلمة قوس تعنى ابلد أو شعبب، وبدأت بعدّ ما بين الأقواس ووجدتهم تسعة لكن إسرائيل تدعى أنهم ثمانية وليسوا تسعة، أى أن هناك شكاً فى القراءة، والمتصهينين المتخصصين بدأوا يروجون لتلك القراءة، وحينها رجعت للدكتور عبد الحليم نور الدين، وقلت له: إننى لم أجد فى النقش اسم إسرائيل، وإنما وجدت مدينتين هما ايازير ويارونب وبهذا يصيرون تسعة، فقال لى: اإن التاسوع مقدس بالكتابات المصرية، فإذا ذكر بالنقش لفظ تسعة فيجب أن يكونوا تسعة أو أكثر، لكن لا يمكن أن ينقص عن هذا الرقم، والتسعة أسماء إما لشعوب أو لأراضٍ أو بلدان أو مدنب حينها أخذت الاسم الذى يدعونه بالنقش ولم أجد اسم إسرائيل، وهنا يجب أن ننتبه لأن الكتابة المصرية القديمة كانت تعتمد على ما يسمى بأسلوب التعمية (لغة السيم)، مثلًا االعموريون يقولون عنهم عموب واالحطيين يقولون حطب وايارون تكتب يارب وهنا عرضت هذه القراءة على الدكتور على رضوان رحمة اللّه فوافق عليها، وعرضتها على الدكتورة فايزة هيكل أستاذة المصريات بالجامعة الأمريكية التى قالت: ما دامت الفاء موجودة فهذان الاسمان هم اسم واحد غير منفصلين لأن الفاء هى ضمير متصل للمفرد مثلًا كلمة اكتابهُب فى الهيروغليفية تكتب اكتابفُب فالفاء هنا هى للمفرد وهاتان الكلمتان هما مفرد لكلمة واحدة، ومن هنا أعدنا قراءة النقش فوجدنا أن فاء المفرد المكتوبة هى لكلمة لاحقة بمعنى افتكب ومكتوبة افكتب اعتمادًا على أسلوب التعمية الذى أشرت إليه، لذلك لم نجد شيئاً مما تدعيه إسرائيل فى هذا النص، فهم للأسف غيبونا عن تاريخنا، وما زاد الطين بلّة أننا أخذنا مدرسة االكَسرب عند لفظ الكتابات الهيروغليفية والتى فرضها علينا المستشرقون، فمرنبتاح كانت يجب أن تقرأ امُرٌ بطاحب وميريت تقرأ امَرَةب. لهذا اطلعت على جميع النصوص التى يستند عليها اليهود فى كتاباتهم ولم أجد شيئًا مما يدعونهب.

القدس فى الكتابات القديمة

يستشهد القبيسى بنص للمؤرخ يوسيفوس اليهودى، الذى عاش فى القرن الأول الميلادى، وقال فيه: اكنا نرى أورشليم من القدسب فأورشليم ليست هى القدس، لكنهم يزعمون أن أورشليم موجودة من القرن الـ١٩ ق.م، ويستكمل: احين بحثنا عن الأمر لم نجد أى وجود لها قبل القرن السابع ق.م، فوفقًا لرواية يوسيفوس، أورشليم كانت قريبة من القدس لكن لم تكن هى القدس أبدًا، وكلمة اأورب تعنى المدينة أو القرية وهى مأخوذة من الآوار، والضوء هى كلمة عراقية اعموريةب لا كلمة كنعانية، لكن تلك الكلمة لم تكن مستعملة، وما يؤكد ذلك أن هناك امبراطورًا عربيًا حكم روما يدعى إليوس هادريانوس، دخل أورشليم ويقولون إنه ادمر أورشليم وجعلها كالصحراءب وهنا يجب أن ننتبه لأن القدس تقع فى قمة الجبل ولا يمكن للجبل أن يصبح كالصحراء، أى أن القدس كانت تقع فوق الجبل، وهو لم يدمرها بل دمر السهول الموجودة حولها والتى هى اأورشليمب وجعلها كالصحراء، وهذا الرأى متسق مع ما ذكره يوسفيوس اليهودى، لذلك نحن نؤكد أنه لا وجود للقدس قبل القرن السابع ق.م، حسب ما جاءت به مارجريت شنايدر، فجميع الآثار الموجودة فى القدس هى آثار اكنعانية رومانية إسلاميةب وليس لليهود شأن بها، لاسيما أن الإمبراطور إيليوس أعطى اسمه للقدس وأصبحت تسمى بـاإيلياب فكيف يعطى اسمه لمدينة مدمرة جعلها كالصحراء إذا كانت القدس هى أورشليم؟ب.

الحرف الآرامى المربع

االلغة العبرية هى لغة حديثة تاريخها تعود لعام ٩٠٠ ميلاديًا، والخط العبرى هو خط جديد يعود للقرن التاسع الميلادىب. هكذا يقول بهجت القبيسى، ويستكمل: اعندما اغتنى اليهود فى القرن الثالث الهجرى، أى ما بين ٨٠٠ إلى ٩٠٠ ميلاديًا، أرادوا أن يجعلوا من الدين قومية، وبالتالى احتاجت القومية إلى لغة خاصة بهم، فاخترعوا الخط العبرى وأسموه بـاالحرف الآرامى المربعب الذى لم نجد لهُ أثرًا باقيًا قبل هذا التاريخ، ونتحدى أن يعطونا هذا الحرف قبل القرن الثالث الهجرى، وبعدها غيروا فى التوراة، وغيروا ستة أحرف مجموعة بكلمة ابجذكفثب فأصبحت افجدخبتب، أى كى أوضح الأمر مثلًا كلمة اهلكب وهى بمعنى ذهب صارت عندهم اهلخب وفى القرن التاسع أضافوا الأحرف الصوتية فصارت اهوليخب، وفى نفس الوقت أخذوا نسخة من التوراة التى حرفونها إلى طبرية بشمال فلسطين، وقالوا عثرنا على التوراة! وبعد سنة صدر فى مدينة فاس بالمغرب االقاموس العبرىب وقد سرقوا كافة الكلمات ووضعوها فيه، وكان وراء ذلك القاموس شخص يهودى يدعى ايهودا بن قريشب الذى ادعى بأنه غير عربى وإنما يهودى، لكن لو ركزت فى اسمه الأخير ستجد أن قريش هى قبيلة عربية، أى أنهم عرب، وللأسف صرنا نحن العرب نعيد ما يزعمونه من كلام دون تدقيق أو تحقيق، والدليل على ذلك أننا عندنا نقوش الجنيزا فى القاهرة التى تعود للقرن العاشر الميلادى، فاليهود كانوا يكتبون بالعربية والدليل على ذلك هو أن نصف وثائق الجنيزا باللغة العربية الفصحى، وفى تلك الفترة كانوا يتدربون على كتابة الكلمات العربية بالخط الجديد الذى ابتدعوه، ثم استعملوا تلك الكلمات وأخذوها للعبرية، وبعد ذلك حين جاء إلى مصر المستشرق الإنجليزى إدوارد لين عام ١٨٣٠ لبس العمة والجلابية المصرية، ودخل الأزهر وفى غضون عشر سنوات تعلم العربية وحقق قاموس السان العربب، وبعد ذلك سرقوا تلك الكلمات وأضافوها إلى العبرية، والوثائق التى تؤكد ذلك موجودة فى قاموس:

‏A Hebrew and English Lexicon of the Old Testament

لغة أهل امعلولاب

يرى القبيسى أن الغرب فتت العرب وقسمهم لقوميات عن قصد لأنهم أرادوا تمزيقهم من هويتهم الواحدة التى ميزتهم خلال فترات طويلة من تاريخهم، ففى سوريا ظهرت عندهم العديد من المشاكل منها؛ مشكلة الأكراد، ومشكلة أهل معلولا، وكذلك السريان، وقد تناول القبيسى فى كتابه االأكراد والنبى.. دراسة فى تاريخ الأكراد وجغرافيتهمب مشكلة الأكراد، ويقول عنها: احينما يتحدث الأكراد فى الوقت الحالى يقولون إننا قومية يعود تاريخنا لـ٧٠٠٠ آلاف عام ق.م ونحن هنا بالمنطقة، لكن يجب أن ننتبه أن الأكراد هم سبعة أصناف، وكلمة اكردب هى كلمة عربية، ومن الأكراد الأوائل: العرب، فيقول الشاعر:

لعمرك ما كرد من أبناء فارسٍ

 ولكنهُ كردُ بن عمر بن عامر

أما عمرو فهو عمرو بن عامر بن مزياق بن ماء السماء وهم من الأكراد العرب الغساسنة، ومنهم شاعرنا أحمد شوقى، وهؤلاء هم عرب كُردوا أى طردوا فذهبوا إلى داخل الحدود المسيطر عليها من قبل الرومان وسكنوا جبلاً سمىّ جبل الأكراد، وهو جبل يخص الأكراد العرب وعندما تذهب لهذا الجبل اليوم تجد عشرين قرية لا تجد بداخلها إنسانًا يتحدث الكردية، وعندما تفتح معجم قبائل العرب القديمة والحديثة، للمؤرخ عمر كحالة تجد ما يلىّ: أن هناك أربع قبائل عربية تحمل نفس الاسم وهم قبائل: االكردى، والبو كردى، والكردى بو، والكرادشةب إذًا فالأكراد الأوائل هم من العرب، وبعد ذلك صار أى إنسان يكرد من داره غصبًا يسمى بالكردى، وقد أخذوا هذا الاسم منا وقالوا نحن أكراد، وإذا كان لدينا أكراد عرب، فهناك كذلك أكراد من فارس وهم الذين أتوا من الهضبة الإيرانية بعد الحرب الصفوية العثمانية التى نشأت لأسباب مذهبية (١٥٠٨ ذ ١٦٢٣)، فهؤلاء كردوا من الهضبة الإيرانية ودخلوا مدينة أربيل العربية، وأتى السلطان سليمان القانونى وأنشأ لهم مخيم سمىّ بالسليمانية، ثم أتت فرامانات سلطانية نقلوا على إثرها إلى مدينة عفرين العربية الآرامية، ووصلوا حتى ليبيا بهذه الفرامانات، كما أن هناك أكراداً أتراكاً، وكذلك أكراد من الروس، وأكراد من السودان أيضًا، وهذا الموضوع كان كشفه هامًا كى نتعرف على أصلهم ونشأتهم. وبشأن لغتهم فهم عندما أتوا من الهضبة الإيرانية وصولاً إلى العراق ثم إلى سوريا، كانت تلك هى الهجرة الثانية لهم، ولغتهم تلك أقرب إلى الأفغانية، أى ما نطلق عليه اسم االلهجات الإيرانيةب، وفى عام ١٨١٨ أتى الشيخ خالد النقشبندى وسأل جماعته فأشاروا عليه بالذهاب إلى دمشق، وهناك استقبله مشايخ الغزاوية فى الجامع الأموى وزوجوه من أختهم، وسكن بحى القنوات بدمشق، وجماعته سكنوا شمال نهر يزيد، وفى سنة ١٨٩٥ أطلق عليه حى الأكراد، والذى هو جزء من حى الصالحية، وهى ليست المشكلة الوحيدة كما أشرت التى تحاوط سوريا كدولة، فنحن عندنا مثلًا لغة أهل معلولا (مدينة بسوريا تبعد عن شمال دمشق بخمسين كيلومترا)، ولهؤلاء لغة خاصة بهم وهم يقولون إنها لغة السيد المسيح، لكننا لدينا جملة واحدة للسيد المسيح وهو ذاهب إلى الصلب عندما دعى ربه وقال: اإيلى إيلى لما شبقتنىب وهنا نجد إبدال الشين بالسين واردة فى اللغات بمعنى أن اشبقتنىب هنا تعود لكلمة اسبقتنىب أى أن السيد المسيح بلغتنا قال: اإلهى إلهى لما سبقتنىب بمعنى تركتنى، وتلك الجملة لو أردنا قبولها فى لغة معلولا مرادفها االلواللو عيا طشرتشنب فأين السيد المسيح من هذه اللغة التى تدعى أنها لغة السيد المسيح؟، وتلك المشاكل لا تخص سوريا وحدها، لكن كما ذكرت فكل دولة وكل حيز جغرافى له مشاكله التى فرضها علينا الاستعمار، ففى شمال إفريقيا على سبيل المثال نجد الكثير من المشكلات التى تخص الأمازيغ والتى سأوضحها.

 أباطرة عرب حكموا روما

فى عام ٢٠١٢ دُعى القبيسى لجامعة محمد الخامس بمراكش بالمغرب لإلقاء عدة محاضرات، وسألوه امن نحن؟ب فقال: اإن الرسول صلى الله عليه وسلم قد زاره وفد من البربر (الأمازيغ) وقد كلمهم فى لهجتهم، فهناك العرب العاربة، والعرب المستعربة، والعرب الباقية، وهم من العرب العاربة؛ أى القدماء، وهناك نقش هام جدًا من نقوش الأرض مزدوج الكتابة، وقد كتب بالكنعانية وبالكتابة الأمازيغية التى يطلق عليها اسم االتيفناغب، وحين قرأت النقش وجدت أن اللغة قريبة جدًا بين الكنعانية والأمازيغيةب.

يضيف القبيسى: االدليل على ذلك أنه قبل أن ينتشر الإسلام، فى الخمسمائة ميلاديًا تقريبًا، كان عندنا الأب أوغسطين فى الجزائر وكان يتكلم الكنعانية، والفعل فى الكنعانية والآرامية يصرف كما تصرف العربية الفصحى، واللغة الكنعانية لم تمتد فقط نحو الجزائر وبلاد المغرب، بل امتدت إلى الإمبراطورية الرومانيةب.

أصّل بهجت القبيسى لتلك المسألة فى كتابه االكنعانيون والآراميون العرب فى الإمبراطورية الرومانية والأباطرة العرب الذين حكموا روماب، وعنها يقول: اهناك تسعة أباطرة حكموا روما كانت أصولهم عربية؛ منهم تراجان وهادريان، واللذان كانت أماهما كنعانيتين، وقد حكم تراجان من عام ٩٧ ميلاديًا إلى ١١٨ ميلاديًا، وعندما أتى إلى بلاد الشام استقبله الناس فرحين، ويقول المؤرخ الروسى روستفت زف: اإلى الآن لا نعرف لماذا هذه الفرحة العارمة التى أتت بها بلاد الشام لاستقبال تراجانب، أما هادريان فعندما دخل االفارماب فرح الناس كما فرحوا بتراجان، ودخل أورشليم وقتل اليهود، ودمر أورشليم، ومن حب الناس له سموا القدس على اسمه، باسم اإليوس هادريانوسب، لذلك عندما دخل عمر بن الخطاب القدس وجدها تسمى بـاإلياب وقد سميت بهذا الاسم محبةً فى إليوس هادريانوس، وهناك الإمبراطور الرومانى سيبتيموس سيفيروس أرابيكوس أى (سبطيم سفير العربى)، فهو كنعانى، من لبدة والتى تقع شمال غرب ليبيا، وهى من أجمل المدن الرومانية بالعالم وليس لها مثيل لا فى مصر ولا فى أوروبا كمدينة، وقد ضمت مبانى من ثلاثة طوابق، أما زوجته فكانت اجوليا دومناب وهى من حمص، والتى أنجبت اكرك اللاب ومعنى اسمه هو اقدرة اللهب، وهم كانوا يتحدثون داخل بيتهم فى روما بالكنعانية وزوجته تحاكيه بالآرامية، أى كى أوضح الأمر؛ تخيل لو أن شخصاً من حلب تزوج امرأة من الإسكندرية فما يحتاجانه للتعرف على لهجة بعضهم البعض هو أسبوع فقط، وهذا ما كان يحدث داخل بيتهم، فالزوجة تتحدث الآرامية والزوج الكنعانية، وبعدهم أتى الإمبراطور امرقس أورئيلب والذى كان متصوفًا وله كتاب شهير باسم االتأملاتب وقد سميت مدرسته باسم المدرسة الرواقية، وبعد ذلك حكم روما اسيفيروس ألكسندرب ووالدته كانت جوليا مامايا وهى من سوريا، إلى أن أتى فيليب العربى والذى حكم حتى عام ٢٤٩م. لذلك أقولها: اإن كافة الآثار الحجرية الرومانية التى ندعيها اليوم، من الناحية العلمية يجب أن تسمى بآثار الأباطرة العرب الذين حكموا روما، وهم تسعة أباطرة عرب كما ذكرت اكنعانيون وآراميون وأنباطب.

نقوش الأرض

 يرى القبيسى أن الاستعمار قد فعل بنا ذلك لتفكيكنا، يقول: المسافة بين دمشق والقاهرة هى ٦٢٥ كيلو مترا والمسافة بين القاهرة وأسوان هى ٧٢٥ كيلو مترا، لكن للأسف هم قد شتتونا بحدود سايكس بيكو، وهناك من يتمسكون بتلك النعرات القومية فيقولون أنت مصرى وأنا سورى، وما أعرفه أننا أمة واحدة، ولو فتحت دليل الهاتف فى سوريا ستجد اسم االمصرىب موجود لأكثر من عشر صفحات، وكذلك لفظ فلان االفيومى، والصعيدى، والطنطاوى، والإسكندرانىب والمشكلة من وجهة نظرى نفسية وثقافية، وإذا أردت أن تعرف من أين جاءت لغتنا العربية، فعليك أن تتتبع نقوش الأرض من جبال زاغروس فى شرق العراق وحتى موريتانيا، وأسماء المدن والقرى هى التى تتكلم، وما من اسم إلا وله تفسير؛ إما مدلول طبيعى، أو مدلول دينى، أو مدلول عسكرى، فدمشق على سبيل المثال: تعنى امشقب أى أنتج ونمى وخصب وهى الأرض الممشوقة، وعندنا ادمياطب؛ أى أماط اللثام وأبعده وهى بالفعل أبعد مدينة موجودة بالوجه البحرى، لذلك فاللغة الأقدم هى التى تحوى القاسم الأكبر من الكلمات، ضع العدنانية والآرامية والعبرية والسريانية وستجد أن اللغة الأقدم هى اللهجة العربية العدنانية الفصحى.

تدريس الهيروغليفية

خلال الفترة الماضية وعقب موكب المومياوات الملكية، بدأ البعض يطالب وزارة التربية والتعليم بتدريس الهيروغليفية فى المناهج الدراسية، الأمر الذى أدى إلى ظهور قضية االهويةب مجددا، يقول القبيسى إنه ليس لديه اعتراض على تدريس الهيروغليفية فى المدارس، لكنه يتساءل هل كانت تلك اللغة هى لغة الشارع المستعملة؟، وهل كانت الأغانى تقدم بالهيروغليفية فى مصر القديمة؟ يجيب: الهيروغليفة هى لغة اسيمب؛ أى لغة تورية وهى عبارة عن شفرة، يفهمها فئة معينة من الناس دون غيرهم، وكذلك الهيراطيقية، والديموطيقية، والقبطية فهى لغات تورية وليست بلغة شارع، الأمر نفسه حدث فى العراق فالسومرية كانت لغة سيم أيضًا، لكن لغة الشارع كانت خلاف ذلك، فالأغانى كانت تقدم باللهجة المصرية المحلية، لهذا فالأمر ربُط فى ذاكرة الكثيرين بأن الهيروغليفية كانت لغة الشارع فى مصر وهذا الأمر غير صحيح، وإذا كانت الهيروغليفية لهجة شارع فلماذا بقيت اللهجة النوبية ولم تبق اللهجة الهيروغليفية؟ فأنا مع تدريسها فى المدارس الابتدائية كى نتمكن من قراءة تراثنا، وحتى لا نعتمد على المستشرقين، فكفانا الاعتماد عليهم، لكن ينبغى أن نشير إلى أنها لغة سيم، لأننا يجب ألا يقصى ذهننا عن عروبتنا فقد يتغلل للبعض أننا لسنا بعرب بل نحن مصريون قدماء، وقضية الهوية تلك كثيرًا ما طرحت لكن المسألة لن تحل إلا من خلال معرفة أن لهجة الشارع التى كانت مستخدمة قديمًا هى االعامياتب، وهى العاميات الدارجة فى مصر اليوم، فلهجة أهل الصعيد تختلف عن لهجة أهل الإسكندرية، وهى لهجات كان يفهمها أهل الشارع ودليلنا على ذلك أن الكنعانى الذى ولد فى غزة كان يفهم الكنعانى الموجود فى لبدة بليبيا، فليبيا وغزة بينهما مصر أى لابد أن المصريون أيضًا كانوا يفهمون لغة أهل غزة؛ وهذا يعنى أن العاميات كانت منتشرة فى كافة البلاد، فالموضوع يحتاج إلى مختصين على درجة عالية من الثقافة، لأن السؤال الذى يجب أن يطرح هو:  اما هى لغة مصر قبل الفتح الإسلامى؟ب فنهر النيل كتب فى الهيروغليفية باسم اإيترو عاب نسبة إلى إله النيل احابىب لكن عندما جاء العرب وجدوا أن اسمه انيلب؛ أى أن لغة أهل الشارع اختلفت كثيرًا عن الهيروغليفية، وهذا ما أيده الرأى أحمد باشا كمال عالم المصريات المصرى، فحين أقول اللغة العربية الفصحى فأنا أعترف أن هناك لهجات عربية أخرى غير الفصحى؛ فهناك اللهجة العربية الصعيدية، وكذلك اللهجة العربية البحيرية؛ مثال على ذلك؛ عندما دخل الإخمينين االفرسب مصر فى حدود ٥٠٠ ق.م، كُتب حينها القانون المصرى باللهجة العربية الآرامية وهى لهجة السيد المسيح، وكذلك فالسيد المسيح والعائلة المقدسة حين زاروا مصر فماذا كانوا يتحدثون مع أهلها؟ وكذلك مارية القبطية حين تزوجها الرسول، فماذا كان يحدثها؟ فلابد أن لهجة أهل مصر كانت قريبة من لهجة أهل مكة والحجاز فى تلك الفترة والدليل على ذلك، أنه من الثابت أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يطيل الحديث بينه وبين مارية القبطية، وبالتأكيد أنه كان يتحدث إليها لهجة كان يفهمها أهل مصر والحجاز؛ وهى العاميات التى أقصدها، وهى نفسها اللهجات المستخدمة الآن فى الصعيد وفى أماكن شتى داخل مصر، فالذى كان يعيش فى مصر كان يستطيع أن يفهم الشخص الموجود داخل مكة المكرمة. وأيضًا القبطى الذى قطع المسافة بين مصر حتى وصل إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ليشكوا أحد أبناء عمرو بن العاص، فعندما ذهب إلى عمر بن الخطاب فأى لغة كلم بها أمير المؤمنين، لأنه لم يكن معه مترجم؛ إذ يعنى ذلك أن اللهجات العامية المستخدمة فى مصر كانت قريبة من لهجات أهل الحجاز. 

 

 

تراثنا، وحتى لا نعتمد على المستشرقين، فكفانا الاعتماد عليهم، لكن ينبغى أن نشير إلى أنها لغة سيم، لأننا يجب ألا يقصى ذهننا عن عروبتنا فقد يتغلل للبعض أننا لسنا بعرب بل نحن مصريون قدماء، وقضية الهوية تلك كثيرًا ما طرحت لكن المسألة لن تحل إلا من خلال معرفة أن لهجة الشارع التى كانت مستخدمة قديمًا هى االعامياتب، وهى العاميات الدارجة فى مصر اليوم، فلهجة أهل الصعيد تختلف عن لهجة أهل الإسكندرية، وهى لهجات كان يفهمها أهل الشارع ودليلنا على ذلك أن الكنعانى الذى ولد فى غزة كان يفهم الكنعانى الموجود فى لبدة بليبيا، فليبيا وغزة بينهما مصر أى لابد أن المصريون أيضًا كانوا يفهمون لغة أهل غزة؛ وهذا يعنى أن العاميات كانت منتشرة فى كافة البلاد، فالموضوع يحتاج إلى مختصين على درجة عالية من الثقافة، لأن السؤال الذى يجب أن يطرح هو:  اما هى لغة مصر قبل الفتح الإسلامى؟ب فنهر النيل كتب فى الهيروغليفية باسم اإيترو عاب نسبة إلى إله النيل احابىب لكن عندما جاء العرب وجدوا أن اسمه انيلب؛ أى أن لغة أهل الشارع اختلفت كثيرًا عن الهيروغليفية، وهذا ما أيده الرأى أحمد باشا كمال عالم المصريات المصرى، فحين أقول اللغة العربية الفصحى فأنا أعترف أن هناك لهجات عربية أخرى غير الفصحى؛ فهناك اللهجة العربية الصعيدية، وكذلك اللهجة العربية البحيرية؛ مثال على ذلك؛ عندما دخل الإخمينين االفرسب مصر فى حدود ٥٠٠ ق.م، كُتب حينها القانون المصرى باللهجة العربية الآرامية وهى لهجة السيد المسيح، وكذلك فالسيد المسيح والعائلة المقدسة حين زاروا مصر فماذا كانوا يتحدثون مع أهلها؟ وكذلك مارية القبطية حين تزوجها الرسول، فماذا كان يحدثها؟ فلابد أن لهجة أهل مصر كانت قريبة من لهجة أهل مكة والحجاز فى تلك الفترة والدليل على ذلك، أنه من الثابت أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يطيل الحديث بينه وبين مارية القبطية، وبالتأكيد أنه كان يتحدث إليها لهجة كان يفهمها أهل مصر والحجاز؛ وهى العاميات التى أقصدها، وهى نفسها اللهجات المستخدمة الآن فى الصعيد وفى أماكن شتى داخل مصر، فالذى كان يعيش فى مصر كان يستطيع أن يفهم الشخص الموجود داخل مكة المكرمة. وأيضًا القبطى الذى قطع المسافة بين مصر حتى وصل إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ليشكوا أحد أبناء عمرو بن العاص، فعندما ذهب إلى عمر بن الخطاب فأى لغة كلم بها أمير المؤمنين، لأنه لم يكن معه مترجم؛ إذ يعنى ذلك أن اللهجات العامية المستخدمة فى مصر كانت قريبة من لهجات أهل الحجاز.