شمس «سفير البهجة» لن تغيب

إمبراطور الضحك

إمبراطور الضحك
إمبراطور الضحك

بقلم الناقد الكبير: عاطـف النمـر

«الموت علينا حق».. جملة قصيرة بليغة لا مفر ولا مهرب منها، هناك موت مادى يبلى فيه الجسد، يصحبه موت بالذكرة لأناس لا نتذكرهم لأنهم لم يضيفوا لحياتنا شيئا، وفى حياتنا رموز لا تموت وتبقى حية بالسيرة والصوت والصورة، فهل ماتت أم كلثوم؟.. بالطبع لا.. ولو استعرضنا أسماء من أسعدونا سوف نجدهم أحياء فى الذاكرة بأعمالهم الموثقة التى خلدتهم، فإذ ما كنا شيعنا جسد إمبراطور الكوميديا سمير غانم إلى مثواه الأخير، فمخطئ من يظن أن سفير البهجة والسعادة سيخرج من وجدان الناس، وستبقى البهجة التى تتوارثها الأجيال من أعماله.. إنه المضحك الأعظم الذى لا ينسى أو يموت فى الذاكرة. 


عرفت الراحل الكبير سمير غانم لما يقرب من 40 عاما، وله فى حياتى مواقف كثيرة عشتها معه هو وقديس الفن جورج سيدهم بين كواليس فرقة الثلاثى، ومن هذه المواقف اكتشفت أن سمير غانم لا يحب الحزن، يحب المرح والانطلاق ويعشق الحياة بعيدا عن أى منغصات أو مشاكل تؤرق نفسيته و«تعكنن» عليه حياته، لهذا لم يكره أحدا وبالمثل اتفق الجميع على محبته وتجلت تلك المحبة فى جنازته وعند تشييعه لمثواه الأخير. 
سمير غانم شخص مسالم، عف اللسان، صاحب صاحبه، محب لكل الناس، لا يجرح مشاعر أحد ومجامل لدرجة كبيرة، وللتدليل على رقى مشاعره ومجاملته لمن يعرفهم عن قرب، كنت دعوت أغلب أصدقائى الفنانين لحضور حفل زفاف ابنتى الصغرى هند النمر الصحفية بجريدة «الأخبار» على زميلها الصحفى ماركو عادل مندوب الجريدة بوزارة الإسكان، ولم أوجه الدعوة لسمير غانم الذى فوجئت به يتصل بى معاتبا وهو يقول: «مبروك يا سيدى.. مش عيب تكون بتجوز بنتك وما تعزمنيش.. دا أنا عمها برضوا»، فقلت له: «طبعا عمها وعم أبوها كمان.. بس أنا عارف إن رجليك وجعاك ودايخ بيها عند الدكاترة فلم أشأ أن أتعبك»، بادرنى بروحه المرحة قائلا «ملكش دعوة برجلى أنا عرفت إنك عامل الفرح فى...، واعمل حسابك أنا جاى أبارك للعروسين وأتصور معاهم وأمشى لأنى مش هأقدر أقعد كتير»، وجاء سمير غانم يتوكأ على عكاز يرافقه اللبيس الذى يكون معه فى كل مكان، كانت خطواته ثقيلة لما يعانيه من «خشونة» شديدة من الدرجة الرابعة فى ركبتيه، هذا هو سمير غانم الإنسان الرقيق الحنون، صاحب صاحبه الذى يعرف الواجب. 


مشكلة سمير التى كانت تؤرقه بدرجة كبيرة فى السنوات الأخيرة من حياته تتلخص فى وجع قدميه، وقد أثرت كثيرا على عمله فى المسرح، وصعوبة تجسيد أدواره واقفا لفترات طويلة أثناء التصوير، وكان أغلب المخرجين يراعون ذلك فلا يرسمون له حركات تتعب قدميه، كان يقول لى فى اتصالاتنا الهاتفية: «أنا والمـــدام عندك زمــــلاء فـــى مـــدرسة الخشونة الركبية ووجع الرجلين فكن لطيفا معاها»، وكان كثير الاتصال بزوجتى ليسألها عن أحدث حقن تلقتها فى الركبة وأحدث علاج يتعاطاه، كان يحكى لها عن رحلته مع طبيب فى لندن وآخر فى بيروت، والحـذاء الطبى الذى تم تصنيعه مخصوص له، و.... و....»


سر الانفصال عن الثلاثى


سمير غانم خلقه الله لصنع البهجة والسعادة، لهذا لم يكن يحب الحزن ولا يطيق أن يرى إنسانا حزينا، وكان يقول لى «مبحبش أشوف حد عنده اكتئاب.. وبيبقى عندى إحساس إنه لو قعد معايا ربع ساعة ها أتعدى منه ويمكن «أكلكع «وأموت»، ومن اللحظات الفارقة القليلة التى رأيت فيها دموع سمير غانم يوم رحيل شقيقه «سيد غانم» بعد رحلة معاناة مع المرض كان خلالها سمير شخصا آخر غير سمير الذى نعرفه، وأكشف لأول مرة أن مرض شقيقه كان من أهم الأسباب التى جعلت سمير ينفصل عن جورج سيدهم ويترك فرقة الثلاثى بعد رحيل شقيقه بفترة وجيزة، شقيقه كان مدير الحسابات بالفرقة، وأمير سيدهم شقيق جورج كان المدير العام، سمير كان لديه إحساس بأن أمير يتعامل مع شقيقه بأسلوب لا يعجبه، وكان شقيقه قد أبلغه أن الفرقة مدينة بمبالغ كبيرة للصحف لم يسددها أمير وكان يؤجل سدادها مما جعلها تتراكم، ولم يكن جورج يعلم بالموضوع، علاج سيد غانم كلف سمير الكثير، وجعله يقبل كل ما كان يعرض عليه من أعمال فى سينما المقاولات، وكان يطلب من أمير سيدهم مبالغ كبيرة من حصته فى الفرقة، وفى أحيان كثيرة كان أمير يتعلل بعدم توفر السيولة، هذا المناخ خلق فى داخل سمير نوعا من التوتر لكنه ما كان يظهر ذلك وظلت علاقته بجورج «سمن على عسل»، لكن رحيل شقيقه أسرع بتنفيذ قرار الانفصال، وقد اكتشف جورج فيما بعد خروج سمير «تلال الديون» التى تحمل سدادها، ولا أريد أن أستطرد فى هذه الحكاية التى تسببت لجورج فى جلطة أدت إلى الشلل الذى أصيب به بعد أن اكتشف سفر شقيقه أمير إلى الولايات المتحدة دون أن يخبره بنيته فى السفر !


عزيزى الضيف 


لم أكن أعرف سمير أو جورج وقت رحيل ضلعهما الثالث الضيف أحمد، لكنى كنت أستشعر أن للضيف أحمد مكانة خاصة فى نفس سمير غانم، كان يراه - كما قال لى - إنه العقل المفكر للفرقة، والمخرج الذى صنع أهم عروضها فى البداية، وكان يعتبره «الأستاذ»، وقال لى ذات مرة «الضيف حبيبى وهايفضل حبيبى رغم غيابه عنا بسنوات.. وأنا واثق أنه هايتشفع لى فى الجنة»، وهناك تسجيل صوتى لسمير غانم يودع فيه الضيف أحمد يتضمن كلمات غاية فى الرقة والفلسفة والواقعية، فيخاطبه قائلا: «عزيزى الضيف أحمد، بسأل عنك كل ما بضحك.. بس ما بيجيش الرد.. كل ما بلمح حد واصلك.. أجرى عليه ألقاه يتشد.. بينى وبينك عندك أحسن.. أروق.. أنضف.. لولا الرب علينا بيلطف.. كنا زمنا بناكل بعض.. بس بنضحك.. نزعل نضحك.. نفرح برضوا بنضحك عزيزى الضيف أحمد.. ما أعرفش إذا كنت سامعنى ولا ما عدتش تسمع حد.. فاكر لما كنا نغنى كنا نضحك طوب الأرض.. بينى وبينك كل ما أدقق.. أفكر.. أمعن.. بشعر إنى خلاص هاتجنن.. بس مافيش م المكتوب بد.. وأهى أيام بتعدى يا ضيف.. وح نتقابل بلا تكليف وها نقعد نضحك.. نضحك.. نضحك».


ناظر البهجة


إذا كان إمبراطور الضحك والسعادة قد ودع رفيق دربه بتلك الكلمات، فما هى كلمات الأسى التى نودع بها سمير غانم الذى لم يكن يحب الأسى ولا يحب الأحزان، بدليل أنه أبلغ الضيف فى رسالته بأنه عندما سيلحق به سوف يقعد معه ويضحك ويضحك ويضحك، وما أستطيع أن أكتبه الآن هو ما كتبته عنه من قبل فى كتابى «نجوم السعادة»، وأؤكد أن سمير لم ينل حقه فى كتابات النقاد تحليلا لمدرسته فى الارتجال اللحظى الذى يكشف ما كان يتمتع به من حضور لا يتوفر لغيره من أبناء جيله أو نجوم الكوميديا الجدد، وبدون فلسفة أو سفسطة أو وجع دماغ، لم نكن ننتظر من سمير غانم أن يقدم لنا قيمة فكرية أو سياسية أو ثقافية فى عمل من أعماله، الرجل واضح وضوح الشمس، السفسطة والفذلكة والتسييس والإسقاطات التى يقدمها المسرح الجاد أمور لا تعنيه من قريب أو بعيد، هدف سمير الواضح والوحيد هو الضحك ولا شيء غير الضحك، ويمتك القدرة لإضحاك طوب الأرض، ويستحق توصيف الكوميديان الارتجالى الأعظم، وهذا ليس ذمًّا فى سمير غانم أو تقليلًا من فهمه ووعيه بعالم الدراما، إنما هو توصيف لحالة فريدة فى عالم الكوميديا اسمها «سمير غانم «، حالة تنتمى لمدرسة «الضحك للضحك»، التى تؤمن بأن الضحك فى حد ذاته هدف اجتماعى يغسل هموم الناس، والمهم هو التسلية، أن تضحك، أن تبتهج ولو أدى الأمر لأن تلغى عقلك مدة العرض، والمضحك الأعظم سمير غانم يعى تمامًا دوره فى هذه اللعبة ولا يدعى أبدًا أنه صاحب أعمال بها أفكار «مجعلصة» ومعقدة، هو يقدم حكاية مسلية تغرق المشاهد فى الضحك، على اعتبار أن الضحك عملة نادرة لا يجيدها إلا من وهبه الله الحضور والبديهة، وسمير غانم كان يرى أن ما يقدمه قيمة طالما الجمهور يضحك ويقهقه من قلبه، الأمر الذى جعله متسيدا وباقيا وصامدا فى وجه المتغيرات وآليات السوق التى تسببت فى اختفاء نجوم كبار فى عالم الضحك. 


كداب الزفة


 عندما أراد الكاتب الساخر محمود السعدنى أن يوصّف العجينة الفنية التى تكونت منها فرقة الثلاثي، وصف جورج سيدهم بلقب «الممثل»، ووصف الضيف أحمد بلقب «المضحك»، ووصف سمير غانم بلقب «كداب الزفة»، واللقب لا يعنى السخرية من سمير، إنما يعنى الوظيفة الفنية التى كان يقوم بها داخل الفرقة، ويقول السعدنى إن الثلاثى تطوير لفكرة «الجوق» أو مسرح الشارع، كان كل جوق يضم عددًا من الأفراد يدهنون وجوههم بالمساحيق، يرتدون كل الملابس، من عمائم وطرابيش مغربية وتركية وبدل سهرة وفساتين مزركشة وبناطيل قصيرة، وكانوا يقومون بالتطبيل والعزف على الآلات الموسيقية، ويؤلفون الروايات المرتجلة ويرددون الأغانى المعروفة، وكان لكل جوق نجم مشهور، ومضحك، وكداب زفة وهو الذى «لا مضحك ولا ممثل» لكنه ضرورى للفرقة الجوالة، فهو يقف على طاولة خشبية خارج الخيمة التى يقدم فيها العرض، يفعل كل شيء، يرقص ويزمر ويقفز ويصرخ ويعزف للفت انتباه المارة لقطع التذاكر ودخول التياترو المتجول، فإذا ما بدأ التشخيصى الحقيقى من أفراد الجوق يتنحى «كداب الزفة» جانبا بعد أن أدى دوره فى ركن مع الأرجوزات، لكنه بين الحين والحين يتدخل ويضيف للرواية المعروضة أحداثًا يرتجلها، وقد ينتهى تدخله بصفعة على «قفاه» فيضحك الجمهور!
هذا ما كتبه محمود السعدنى عن سمير غانم الذى وصفه بـ«كداب الزفة»، ويضيف: «لو لم يعمل سمير غانم مع فرقة «ثلاثى أضواء المسرح» لكان هو التطوير الأمثل لإسماعيل يس كمنولوجست بصوته المتلون الأجش المسرسع، وكان يستطيع أن يكون ملك المنولوج، لكنه أصبح «كداب الزفة «فى الثلاثي، الذى أعاد الحياة إلى دور كاد أن ينقرض»، وربما يكون محمود السعدنى قد أصاب فى توصيفه للعجينة التى تشكلت منها فرقة الثلاثى والتقط بحسه الساخر الوظيفة الفنية لسميرغانم، لكنى أختلف قليلًا مع أستاذنا محمود السعدنى عندما يقول إن سمير غانم «كداب الزفة» بدون «الممثل» جورج سيدهم، وبدون «المضحك» الضيف أحمد، لا يكون له مكان بمفرده على خريطة الكوميديا والضحك، على اعتبار أنه ليس بممثل وليس بمضحك وله دور محدد ومحدود، والواقع أثبت عكس ما قال محمود السعدني، فبعد رحيل الضيف أحمد «المضحك» استمرت الفرقة بالثنائى جورج وسمير، وقدما معًا مسرحيات هامة، وبعد انفصال سمير عن جورج، واصل سمير مشواره كبطل مطلق فى سينما المقاولات، والمسرحيات التى قدمها بمفرده، والمسلسلات وفوازير رمضان التى بدأها بـ«فطوطة» ثم «سمورة» لسنوات، ونحن لسنا بصدد تقييم قيمة هذه الأعمال لأننا اتفقنا من البداية على أن راحلنا الكبير سمير غانم كان يعرف دوره جيدًا فى لعبة «الضحك من أجل الضحك».


خفة ظل


اسمه بالكامل سمير يوسف غانم وهو من مواليد عام ١٩٣٧، تفتحت عيناه على والده ضابط الشرطة الذى ظل يترقى حتى وصل إلى رتبة اللواء، وفى مقابل حياة الوالد العسكرية التى كانت تنظم المنزل بكامله، تفتحت أيضًا عيناه على خفة ظل والدته التى تأثر بها لأنها كانت تتمتع بتلقائية وحضور ارتجالي، وقال لى سمير غانم: «لو كانت والدتى قد دخلت مجال العمل بالفن لكانت قد تفوقت على مارى منيب وزينات صدقى وكل الكوميديانات فى عصرها، لم أرَ فى حياتى سيدة تعادلها فى خفة ظلها، كانت روحها المرحة بمثابة النسيم الذى يخفف عنا صرامة الوالد، ولكنى مع الوقت اكتشفت أن والدى كان بين الحين والحين يكشف فى ساعات الصفا ما يتمتع به هو الآخر من خفة ظل يغلفها بالمهابة والوقار، لهذا ورثت خفة الظل أنا وجميع إخوتى من والدتي»، ومنذ نعومة أظافره مال سمير غانم للروح المرحة وصناعة الضحك، كان يلتقط الوجوه ويرصد ما بها من ملامح كاريكاتورية فيبدأ فى تقليدها، لكنه كان يتراجع عن التمادى فى السخرية من الآخرين خشية أن يناله العقاب، لهذا قال لى سمير إنه فى فترة الدراسة كان منطويًا على نفسه، التربية المحافظة التى تلقاها من والده جعلت حياته محصورة فى الخروج من البيت للمدرسة والعودة للبيت مباشرة، كانت ساعات اللهو تنحصر فى النشاط المسرحى الذى كان يمارسه فى المدارس التى فجرت موهبته فى الكوميديا، وأصبح معروفًا بين زملائه وأساتذته بخفة الدم التلقائية، التحق بكلية الشرطة ليسير على درب والده لكنه رسب عامين، وانتقل للدراسة بكلية الزراعة بالإسكندرية وانضم لفريق المسرح بالكلية، فى هذا الوقت كانت المسابقات والمنافسات المسرحية على مستوى القطر على أشدها، ولمع وقتها جورج سيدهم فى فريق التمثيل بجامعة عين شمس، بينما كان الضيف أحمد من نجوم فريق التمثيل بجامعة القاهرة، التعارف تم أثناء تلك التصفيات، واكتشف جورج ما يتمتع به سمير من خفة ظل فحدث تآلف روحى بينهما جعل سمير يقرر أن يضع بكالوريوس الزراعة فور حصوله عليه على الرف ليعمل بالفن الذى حقق له من البداية شهرة واسعة بين زملائه وأساتذته بالكلية، وكان - كما قال لي- يستثمر ذلك بذكاء فكان زملاؤه يتطوعون لنسخ المحاضرات مكافأة له عما يقدمه لهم من فكاهات، وأحبه أساتذته لخفة ظله فكانوا يتبرعون بإعطائه دروسًا خصوصية فى المحاضرات التى يتغيب عنها، وأحس سمير من وقتها لذة الشهرة، فقرر أن يكون ممثلًا محترفًا مهما كانت العقبات التى ستقابله من أسرته وخاصة والده.


ثلاثى أضواء المسرح 


 تخرج جورج سيدهم من كلية الزراعة عام 1960 ولحق به سمير غانم فى التخرج عام 1961، وفى العام التالى التقى الاثنان وكونا ثنائيًّا لتقديم الاسكتشات الفكاهية الغنائية التى قدما بعضاً منها فى الجامعة، وضم جورج للثنائى عادل نصيف وكان هو الآخر كتلة من الضحك المتفجر، وكان التلفزيون فى تلك الفترة قد بدأ بث برامجه ويحتاج لمواهب فنية جامعية تمول برامجه بالضحك والدراما، وتحولت فرقة «ساعة لقلبك» الإذاعية بقيادة عبدالمنعم مدبولى إلى فرقة مسرحية تنافس فرقة إسماعيل يس وفرقة الريحاني، وتكونت فرق التلفزيون التى انضم إليها جيل جديد من بينهم عادل إمام وسعيد صالح وصلاح السعدنى وعزت العلايلي، لكن الثلاثى «جورج وسمير وعادل نصيف» لم ينضموا لأى من هذه الفرق، إذ كان القدر يرتب لهم شيئًا آخر ليجعل منهم فيما بعد أخطر هذه الفرق حضورًا وتميزًا، واصل جورج وسمير وعادل نصيف تقديم اسكتشات «دكتور الحقني» و«كوتوموتو» فى الأندية وملتقيات الشباب وكانت الإذاعة تبث عروضهم على المستمعين الذين عرفوا جورج وسمير بالصوت قبل الصورة، وكان المخرج محمد سالم يعد برنامج «أضواء المسرح» البطولة فيه لثلاثة ممثلين، وكان قد شاهد جورج فى برنامج تلفزيونى فطلبه وأصبح جورج عميد أضواء المسرح ثم قدم له سمير غانم وعادل نصيف فاكتمل الثلاثى الذى أصبح بفضل محمد سالم فيما بعد فرقة «ثلاثى أضواء المسرح»، بعدها بشهر هاجر عادل نصيف، لم يكن جورج وسمير وقتها يعرفان الضيف أحمد الذى قدمه أحد المخرجين لمحمد سالم، وقال لى سمير غانم إن محمد سالم لم يكن مقتنعًا بالضيف فى البداية وقبله على مضض لحين العثور على ممثل آخر، لكن الضيف أثبت جدارة وتميز جعلته العقل المفكر لفرقة الثلاثى والمضحك الأول بها، وبدأت الفرقة باسكتشات فكاهية غنائية من تأليف الشاعر الغنائى حسين السيد وألحان محمد الموجي، ولم يكن أحد يتخيل النجاح الذى حققه الثلاثى على بقية الفرق المسرحية الأخرى، وزاد من شعبيتهم «الفوازير الرمضانية» التى شاركوا فى بطولتها، وبدأت السينما تضع عينها على الثلاثى للاستفادة من طاقتهم الكوميدية واستغلال شعبيتهم، وفى رأيى الشخصى الذى اتفق فيه مع الكاتب الساخر محمود السعدنى أن سبب نجاح الثلاثى الخرافى يرجع إلى أنهم أعادوا للحياة «جوق» الشارع بشكل متطور، فأصبح جورج «الممثل» والضيف أحمد «المضحك»، واختار سمير غانم لنفسه دور «كداب الزفة» الذى شرحنا مهمته من قبل، وقدمه سمير بمفهوم جديد يعتمد فيه على المبالغة فى استخدام الأكسسوارات المضحكة كالنظارات والأحذية والملابس المزركشة، وتلوين الصوت المسرسع، والحركة اللولبية التى يمشى بها فى رشاقة مضحكة، وفيما بعد انتقلت فرقة الثلاثى من عالم الاسكتشات الفكاهية إلى العروض المسرحية، ومن أبرزها «حدث فى عزبة الورد» و«الراجل اللى اتجوز مراته» و«حواديت»، وأصيب جورج وسمير بصدمة بعد كل هذا النجاح الطاغى عندما رحل الضيف أحمد بشكل مفاجئ 1970 وهو فى الرابعة والثلاثين من عمره، وسقط بهذا الرحيل عمود هام فى الفرقة، رحل المضحك وبقى الممثل و«كداب الزفة»، وتوقفت الفرقة 6 شهور عادوا بعدها بعرض «موسيقى فى الحى الغربي».


فخ دلال


كنت أتابع التحضير لمسرحية جديدة كتبها فيصل ندا بعنوان «أهلا يا دكتور» سيقدمها جورج وسمير مع المخرج حسن عبد السلام على مسرح الهوسابير، وكان البحث جاريا عن ممثلة تقوم بدور الممرضة، وذات بروفة من بروفات المسرحية الأولية جاء جورج بفتاة جميلة رقيقة خجولة قدمها لسمير غانم وحسن عبد السلام على أنها وجه جديد تعمل معه فى مسلسل «أصيلة» يرشحها لدور الممرضة، واختبرها المخرج وأعجب بها وصدق سمير على رأى حسن عبد السلام ووافق على ضمها للعرض وهو لا يدرى أنها سوف تدخله القفص الذهبى بعد 4 سنوات من عرض المسرحية، وكان سمير معروفا فى الوسط الفنى أنه زعيم المضربين عن الزواج هو وجورج، دلال التى اكتشفها جورج سيدهم نصبت شباكها على سمير الذى قال لها ذات مرة «لو كنت أعرف أنك ها توقعينى كنت رفضت قبولك فى الفرقة»، وأتذكر فى الليلة الأولى من افتتاح المسرحية وبعد انتهاء العرض انتقلت مع كل نجوم المسرحية لسهرة فى الأوبرج بدعوة من مدير الفرقة أمير سيدهم، وكان سمير قد أهدى دلال بالطو أسود عندما علم أن عيد ميلادها بعد عيد ميلاده بيومين فى شهر يناير، 4 سنوات أحكمت خلالها دلال شباكها على سمير غانم، وقد حذرها أمير سيدهم وجورج سيدهم ومحمود المليجى ومحمود مرسى من أنها لن تنجح فى جر سمير للقفص الذهبى، وأتذكر أن فريد شوقى جاء ليشاهد المسرحية وفى الاستراحة قابلته فى غرفة سمير غانم، وفوجئت بالملك يقول له «إنت مش عايز تتجوز البت ليه دى زى حتة القشطة».
وأخيرا استسلم سمير بعد أن أحب دلال وتزوجا، ومنّ الله عليهما بدنيا التى أصبحت «دنيا جديدة لسمير غانم» وأنجبا البنت الثانية التى أسماها والده «آمال» لكنهم أطلقوا عليها اسم الدلع «إيمى» الذى عرفت به، بالفعل تغيرت حياة سمير غانم بقدوم دنيا التى كبرت وتزوجت الإعلامى رامى رضوان، وإيمى التى تزوجت من النجم حسن الرداد، وعرفت من دلال عبد العزيز «شفاها الله وعافاها» أن سمير أب ديمقراطى جدا، ترك لها تربية بناتها، وقالت إنه كريم وحنون وطيب وإنسان وخفيف الدم فى حياته داخل البيت ولا يحب النكد، إنسان رائع فى كل شيء. 
رحم الله إمبراطور البهجة، ونتمنى من الله أن ينعم على دلال عبد العزيز بالشفاء، وخالص التعازى من مجلة «آخر ساعة «لابنتيه «دنيا وإيمى» والفنان حسن الرداد والإعلامى رامى رضوان وبقية الأسرة.