«ع الأصل دور»

الشهرة الكذابة

نادية البنا
نادية البنا

الأصل فى كل شىء هو الدافع والسبب الرئيسى لتكوين النتيجة الملموسة الآن، وطفولتنا هى فترة زراعة الأصول وترسيخها فى نفوسنا، وعلى حسب البذور يُحدد نوع الثمار، وأطفال اليوم هم شباب الغد وزارعو أصول المستقبل، ولكننا تركنا ثمارنا لآفات جديدة لم نفرق بين نفعها وضرها ولم نعلمهم الاستفادة منها فى حدود الحفاظ على أصلهم، وهى مواقع التواصل الاجتماعي، التى جعلت اقصى طموح اطفالنا هو الشهرة التى لا أصل لها، عن طريق مشاهدات اليوتيوب أو التيك توك، فمنذ سنوات قليلة طلبت ابنتى ان تصور فيديوهات على يوتيوب لتصبح مشهورة وقتها كان عمرها 10 سنوات، ناقشتها فى فكرتها وما تريد طرحه، ولم تستطع الإجابة إلا بطرح نماذج من فيديوهات تتابعها لا تقدم سوى كورس مكثف من التنمر على خلق الله، والسخرية المبتذلة الذى يسمونها «قلش رخيص»، فطلبت منها ان تفكر فى فكرة تنفع من هم فى سنها واذا وجدت الفكرة سأساعدها فى نشرها على اليوتيوب، فى البداية تحمست ولكن بكل أسف إلى الآن لم تجد الفكرة.


وعندما أسألها تقول ان جميع الافكار مملة ولن تجلب مشاهدات ومتابعات، وبذلك لن تصبح مشهورة ولن تستفيد من مجهودها.. جميل ان تفكر طفلتى فى الاستفادة من مجهودها، ولكن مؤلم انها لا تعرف ماذا تريد هى ومن هم فى نفس عمرها، فاضطررت أن اتابع ما تشاهد ابنتى واخوها على تيك توك ويوتيوب، وما وجدتهما يتابعان الا مجموعة من الشباب الذين يعانون من الفراغ ويقدمون اغنيات لا يصح ان يقال عنها شعبية ولكنها مزعجة، واخرين يقدمون فقرات ساخرة تزرع بداخلهم حب التنمر والسخرية من الاخرين، فى تلك اللحظة تذكرت الأصل فعندما كنت فى نفس اعمار اطفالى كنت امسك كتابا وأقرؤه بمنتهى السعادة، واذا لم تكن لدىَّ رغبة للقراءة أرسم أو ألون أو حتى ألعب بعرائسى واحدثها.. ولكنهم لم ولن يفعلوا ذلك، لأنى لم ازرع بداخلهم البذرة التى زرعها أبى وهى عشق رائحة الورق وحب القراءة، ولكن لم يفت الأوان فابنتى فى الأصل لديها حب الاطلاع وعندما ينقطع الاتصال بشبكة الانترنت تبحث عن كتاب وتقرأ وتلقى الشعر، وابنى يعشق التلوين والرسم، ومن هنا يجب ان نفيق لرى زراعتنا وتسميدها بأصول تنفعهم فى المستقبل و«نفصل النت بعض الوقت».