قصص الحكيم المصري القديم | بتاح حتب ولقمان الحكيم

 الحكيم المصري القديم
الحكيم المصري القديم

دراسة للمرشدة السياحية ميرنا محمد ترصد حكايات الحكيم المصري القديم بتاح حتب ولقمان الحكيم وقد قدم بتاح حتب نصائح ووصايا وتعاليم وأمثال وأحكام في فن التعامل مع الآخر وكذلك في مختلف شئون الحياة والتى تتفق كثيرًا في مضمونها مع ما جاءت به تعاليم الأديان فيما بعد وهذا يدلنا على الفطرة السليمة للإنسان المصري ومعرفته  بالله رغم ما عرف – خطأ - بأنهم وثنيين.

ويوضح خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمى بجنوب سيناء بوزارة السياحة والآثار أن لقمان الحكيم المذكور فى القرآن الكريم تعددت الآراء فى نسبه ومكان معيشته ومهنته فقد قيل أنه لقمان بن لقمان بن باعوراء بن ناحور بن تارخ، وهو آزر، وقيل كان ابن أخت نبى الله أيوب عليه السلام، وقيل كان ابن خالته، وهذا ما ذهب إليه جمهور المفسرين وقيل إنه عاش حتى أدرك نبى الله داود عليه السلام، وأخذ منه العلم وكان يفتي قبل مبعثه.

وذكر الإمام ابن كثير في البداية والنهاية: أنه "هو لقمان بن عنقاء بن سدون، ويقال لقمان بن ثاران، وكان نوبيًا من سودان مصر وكان قاضيًا في زمن داود عليه السلام، كما اختلف المفسرون في اسم لقمان هل هو اسم عربي أم أعجمي؟ أحدهما ذكر أنه اسم أعجمي، منع من الصرف للعجمة والعلمية، قال الفيروزآبادي: أنه اسم أعجمى وقيل عبرانى أو سريانى، وهناك قول أنه اسم عربي.

ويضيف الدكتور ريحان عن مهنته فقيل كان خياطًا أو حطابًا أو راعيًا للغنم  أو نجارًا ويؤكد جمهور العلماء على أنه كان وليًا ولم يكن نبيًا  وأنه رجل حكيم بحكمة الله تعالى، وعن زمانه قولين: أن لقمان الحكيم كان في زمن نبى الله داود عليه السلام وهذا يؤيد ما ذكره المفسرون والقول الثاني: أنه كان بعد نبى الله عيسى عليه السلام، وبخصوص المكان الذى عاش فيه، قيل فى مصر من أهل النوبة وقيل كان عبدًا حبشيًا وقيل من أهل أيلة "العقبة حاليًا" وقد ذكر فى القرآن الكريم فى سورة باسم لقمان{ وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ  وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ  وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ } آية 12 وبنص القرآن كان موحدًا { وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ  إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيم{ آية 13، وعرف لقمان عند العرب  قبل الإسلام وكانوا يصفونه بالحكمة  ولهذا السبب عرف بين الناس وفي الكتب بلقمان الحكيم وينسب العرب أمثالًا كثيرة إلى  لقمان وكان لدى عرب الجاهلية "مجلة لقمان" وهو كتاب يحوى الحكمة والعلم والأمثال وقد بالغوا في حكمته وعلمه .

 وتشير المرشدة السياحية ميرنا محمد إلى أن بتاح حتب هو حكيم مصري قديم عاش في عصر الدولة القديمة وهو وزير الملك ( جد كا رع إسيسي) أحد ملوك الأسرة الخامسة (2414-2375 ق.م ) ووصايا بتاح حتب أوأمثال بتاح حتب أو تعاليم بتاح حتب تعد أحد أعمال الأدب المصري القديم المنسوبة إليه وتمثل مجموعة من الأحكام والنصائح حول العلاقات الإنسانية والموجهة من بتاح حتب لابنه ، وهناك ثلاث برديات تحوي تعاليم هذا الحكيم ، وفي هذه البرديات يوجه بتاح حتب تعاليمه أو عظاته إلى ابنه , التي تذهلنا بتنوعها و حسها الإجتماعي المرهف والتزامها بقواعد السلوك الحسن وهى تميل إلى المحافظة على التقاليد وترسم الطريق أمام كل شاب , لأن يكون عضوًا صالحًا في أسرته و مجتمعه .

وتبدأ الأمثال بتوضيح كاتبها لسبب كتابتها، وهي وصوله لسن الشيخوخة ورغبته في نقل حكمة أسلافه، التي وصفها بأنها "كلمات الآلهة"، تمجّد تلك الأمثال فضائل السلوك السوي بين الناس مثل الصدق والعدل وضبط النفس والرفق بالآخرين والدعوة للتعلم عن طريق الإستماع إلى الجميع ومعرفة أن المعرفة البشرية لن تكتمل أبدًا إضافةً إلى تجنب الصراعات كلما كان ذلك ممكننًا ولا ينبغي أن يعتبر ذلك ضعفًا وينبغي السعي إلى العدالة وفي النهاية ستسود كلمة الآلهة.

وتضيف ميرنا محمد أن نصائح بتاح حتب تعد دروسًا حول الطريقة الصحيحة للقيادة من خلال الإنفتاحية والطيبة  واعتبرت تلك الإرشادات أن الطمع هو أساس كل شر ويجب الإحتراس منه ، وأن الكرم مع الأهل والأصدقاء أمر جدير بالثناء ، وقبول السمو في المقام الإجتماعي باعتباره منحة إلهية، ويمكن الحفاظ عليه بقبول العمل تحت إرادة الرئيس .

يقول بتاح حتب في مقدمة برديته عن السبب الذي دعاه لوضع هذه التعاليم .

أنه كان وزيرًا للملك جد كا رع إسيسي ( ملك من الأسرة الخامسة ), وأنه ( بتاح حتب ) شعر بتقدمه في السن ووقعت الشيخوخة عليه , فطلب من الملك أن يسمح له بأن يعلم إبنه الحكمة فسمح له الملك بذلك , وقال له : علمه آداب الحديث ، كي يكون مثالاً لأبناء العظماء , وتكون الطاعة رائدة ، فليس هناك من يتعلم من تلقاء نفسه.

ووصف بتاح حتب شيخوخته، فقال :

لقد حلت بي الشيخوخة , وبدأ خرفها , وضجت الأعضاء بالألم . وأضحت القوة هزالاً وأصبح الفم صامتًا , وغارت العينين , وصمّت الآذان , وأضحى القلب كثير النسيان . إن العظام تتألم من تقدم السن , والأنف كتم فلا يتنفس , وصارت الحركة مؤلمة , والطيب خبيث , وكل طعم قد ولى

وتنوه ميرنا محمد إلى نص الوصية

- تذهب المصائب بالثروة ولكن الحكمة لا تذهب , وإنما تمكث و تبقى .

- لا تكونن متكبرًا بسبب معرفتك , ولا تكونن منتفخ الأوداج لأنك رجل عالم . شاور الجاهل و العاقل , لأن نهاية العلم لا يمكن الوصول إليها .. والحكمة قد توجد في أي مكان , حتى بين النساء الجالسات أمام الطواحين . فلا أحد بارع في فنه .. وليس هناك أحدًا يسيطر على فنه أبدًا.

- كن مجتهدًاً في كل وقت .. أفعل أكثر مما هو مطلوب منك . لا تضيع وقتك إذا كان في إمكانك أن تعمل ، مكروه ذلك الذي يُسئ إستخدام وقته ، ولا تضيع فرصة لزيادة ثروات بيتك .. إن العمل يأتي بالثروة .. والثروة لا تدوم إذا هُجر العمل .

- إذا أردت أن يكون سلوكك حسناً وأن تحرر نفسك من كل الشرور , فأحذر أن تشتهي ما يملكه غيرك ، إنه مرض لا شفاء منه .. يجعل الود مستحيلاً ..

ويحيل الصديق عدوًا .. ويبعد محل الثقة عن سيده .. وتفسد ما بين المرء وأخيه .. ويفرق بين الرجل وزوجته .. إنها حزمة تضم كل الشرور .. إن الذي يشتهي ما يملك غيره ، لا يكون له قبر.

- إن الإستماع مفيد للإبن الذي يصغى .. طوبى للإبن الذي يصغى عندما يتحدث إليه والده .

- إذا كنت رجلاً ناجحاً , فأسس لنفسك بيتاً . وأتخذ لك زوجة تكون سيدة لقلبك . أشبع جوفها , وأستر ظهرها ، وأعلم أن علاج أعضائها الدهان ( العطور ) ، وأجعل قلبها فرحاً مادمت حياً .. فالزوجة حقل مثمر لسيده .

ـ إذا وجدت رجلاً مساويًا لك يتجادل ، وأثار حديث السوء فلا تسكت ، بل أظهر له حكمتك وحسن أدبك ، فإن الكل سيثنون عليك ، ويحسن ذكرك عند العظماء .

ـ إذا وجدت رجلاً يتكلم ، وكان فقيراً ،فلا تحتقره لأنه أقل منك ، بل دعه وشأنه ، ولا تحرجه لتُسرَّ قلبك ، ولا تصبّ عليه جام غضبك ، فإذا بدا لك أن تطيع أهواء قلبك فتظلمه ، فأقهر أهواءك ،لأن الظلم ليس من شيمة الكرام .

ـ إذا كنت فى صحبة جماعة من الناس ، وكنت عليهم رئيساً ولشئونهم متولياً ، فعاملهم معاملة حسنة حتى لا تلام ، وليكن مسلكك معهم لا يشوبه نقص ، إن العدل عظيم ، طريقه سوى مستقيم .

ـ لا تستحل حقوق الناس حرامًا ..ما كان الشر يومًا بموصل مقترفه إلى شاطئ الأمان ، قد يحصل المرء على شيء من الثروة عن طريق الشر ، ولكن قوة الحق تبقى ثابتة ، إن حدود الحق واضحة ، والحلال بين والحرام بين ، والمرء يفعل ما تعلمه من أبيه . 

ـ لا تنشر الرعب بين الناس ، فهذا أمر يعاقب عليه الربّ . هناك من الناس من يقول (ها هى الحياة قد أقبلت ) فيمشى فى الأرض متكبرًا ، فيجازى بالحرمان من خبز فمه . وهناك من الناس من يقول : ( ها هي سطوتي ) ويخيل إليه أنه يستطيع أن يستولى على كل ما يخطر له بالباطل ، وبينما هو يتفاخر بذلك تنزل عليه النازلة فلا يملك لها دفعاً ، ولا لنفسه نفعاً ، وهناك من يتحايل على الحصول على ما ليس له ، ليقتنى بذلك ثروة تغنيه ، وليهيئ لنفسه الأمن فى المستقبل ، ولكن المستقبل لا يهيئه أحد لنفسه ، لأنه بيد الرب ، فما من شيء هيئه المرء لنفسه قد وقع ، وإنما يقع ما أمر به الرب . فعش إذن فى بيت الأمان والطمأنينة ، قانعاً بحاضرك ، واثقاً بمستقبلك ، فيأتى الناس إليك من كل مكان برزق لك من حيث لا تعلم .

ـ إذا كنت مكلفًا بأداء رسالة من أحد النبلاء إلى نبيل آخر ، فأدها كما أخذتها تماماً دون تحريف أو تبديل ، ولا تثر عداوة بكلماتك ، ولا تؤلب نبيل على نبيل  بقلب الحقائق إلباس الباطل ثوب الحق . ولا تكن نماماً ، فالنميمة تكرهها النفس وتأباها الروح .

القلب الكبير هبة من الله ، ومن يطيع بطنه ، فهو يطيع عدوه .

ـ إذا كنت رجلاً عاقلاً فأتخذ لك ( فأسس لنفسك ) بيتاً وأحب زوجتك وخذها بين ذراعيك ، أشبع جوفها ، وأكس جسدها ، إن الدهان هو علاج أعضائها ، أفرح قلبها طول حياتك ، لأن مثلها مثل الحقل الذي يعود بالخير الوفير على صاحبه ، لا تكن فظًا لأن اللين يفلح معها أكثر من القوة ، إنتبه إلى ما ترغب فيه وإلى ما تتجه نحوه رغبتها وتنظر عينيها وأجلبه لها . وبهذا تستبقيها فى منزلك .

ـ إذا اتخذت إمرأة ( زوجة ) مهذبة مثقفة يفيض قلبها بالمرح ويعرفها أهل بلدتها ، فترفق بها ولا تطردها بل أعطها ما تأكل منه حتى يكتنز جسمها من الطعام .